الحلقة الخامسة
غاية الغاية
الحمد لله ذى الجلال وألاكرام ، والكمال والتمام ، والعز الذى لا يرام ، والملك الذي لا يضام ، له الاصباح والانعام ، تسبح بحمده الملائكة الكرام ، والبهائم والهوام ، والبرق والغمام ، والرياح والظلام ، وأشهد أن لا اله الا الله ، الملك القدوس السلام ، وأشهد أن محمد رسول الله الى الانام ، فصلى اللهم عليه ما تعاقبت الايام ، وعلى آله الاعلام ، وأصحابه نور الظلام ، وأزواجه الكرام ، وأتباعه ما تعاقب الضياء والظلام ، وعلينا معهم برحمتك يا ذا الجلال والاكرام .أما بعد
أوصيكم وأوصى نفسى بتقوى الله ،من جميع ألامور ، اذ أن تحقيق التقوى هو الغايه من عبادة الله ، فالمقصد من عبادة الله تعالى هو تحقيق التقوى ، ولذلك قال الله تعالى : ( يأيها الناس اعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ) ، وعبادة الله هى الغاية من ايجاد الخلق ، فما خلقنا الله تبارك وتعالى إلا لعبادته وحده ، لذلك قال تعالى ( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ) ، فالتقوى هي الغاية من العبادة ، والعبادة هي الغاية من الخلق ، اذ يمكن الجزم بأن التقوى هى غاية الغاية ، ونهاية القول ، والأمل المرجى ، فقال سبحانه : ( وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون )
ومما زاد التقوى تشريفا وتعظيما في ديننا ’ أننا نرى أن الله تعالى أقام كل أوامره و نواهيه ، وكثير من أركان دينه على قاعدة من تقوى الله عز وجل ، وجعلها الغاية من تشريعاته ، فنرى ذلك يتجلى بوضوحٍ , وجلاءٍ فى الحدود فى قوله تعالى : ( ولكم فى القصاص حيوة ياأولى الالباب لعلكم تتقون ) , وكذلك فى الصيام , كما فى قوله تعالى : ( يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) , بذلك يتأكد لدينا أن الله – جل وعلا – ما شرع الحدود , ولا الصيام الا لهدف سامى , ألا وهو تقوى الله – عز وجل – , وهكذا الحج كذلك , فقد أوصى الله بالتقوى أثناء حديثه عن الحج والعمرة , اذ قال الله تعالى : ( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فان خير الزاد التقوى واتقون يا أولى الألباب ) , الى غير ذلك من التشريعات الإلهيه , والتى أراد الله تعالى من تشريعها تربية الفرد والمجتمع على الخوف منه ، ومراقبته ، والسير على منهاجه
ومقصد تحقيق التقوى من العبادة هي تدريب النفس على المزيد من الفرب إلى الله تعالى , والخوف منه جل جلاله , ومن ذلك يزداد إخلاص المرء لله جل و علا , والحرص على مرضاته , ونيل عظيم أجره وثوابه ، وهذا يزداد كمالا بزيادة تحقيق التقوى , والتي هي الغاية الأسمى من العبادة .
أخي في الله يمكن القول أنه من لم يحقق هذه الغاية (غاية التقوى ) التى شرع الله – عز وجل- من أجلها هذا الدين ، فلا بد له أن يراجع نفسه , بل و يحاسبها قبل فوات الاوان ، لأن هذه العبادات التى يقصد بها ربنا ( جل فى علاه ) , وهذه الاوامر التى أمرنا بها ، والنواهى التى نهانا عنها , اذا لم تودى على وجهها الصحيح الذى بينه لنا ربنا – جل جلاله – حال المرء في ذلك حال المريض , اذا أخذ الدواء على غير ما وصف الطبيب ، فماذا ينتظر منه ؟ هل تعتقد في شفاءه ؟ كلا ، فهو اما أن يبقى المريض على مرضه الذي هو فيه , ولا يستفيد من هذا الدواء في شيء ، واما أن يضره هذا الدواء ، جزاء فعله , وعدم طاعته للطبيب , الذي هو أعلم به من نفسه ، ولله المثل الأعلى قال تعالى : ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير )
أرأيتم لو أن أحدكم اشترى جهازا , غاليا , ثمينا , عالي ثمنه , وخينما اشتراه سلمه البائع ما يسمى : كتالوج , أو أهداه له أحد أحبابه , أو رزق إياه من حيث لا يحتسب , ماذا سيحتم عليه عقله ؟ وماذا يتوجب عليه أن يفعله زهز آن ذاك قليل أو محدود الخبرة في التعامل مع هذا النوع من الأجهزة ؟ أيعقل أنه سيحاول من تلقاء نفسه أن يستخدم الجهاز , حتى يعتمد على نفسه , ولا يذهب إلى أحد , أم ماذا ؟ إن العاقل ليعرف قدر نفسه , وإن اللبيب ليدرك قدر علمه , ولا يتعدى إلى غير ذلك , قال من كان قبلنا : رحم الله إمرئ عرف قدر نفسه , لذلك إن من طبيعة الحال , ومن حسن تقدير الأمر أن من كتن على هذا المثال أن يذهب بجهازه إلى من له الخبرة الصحيحة الكاملة المستوفاة حفاظا على جهازا , والذي لربما أنه ان يستطيع الحصول على غيره , ويجتهد في ذلك حتى لوكلفه الأمر مالا , أو سفرا , وماذا لو اتبع هواه , واستعمل جهازه من نفسه , واتكبر الأمر أن يذهب إلى غيره يعلم استخدام جهازه , أهذا من تمام العقل ؟ أنعتبر ذلك من كمال الفكر , ألا يوجد احتمال كبير أن يعجز عن استعماله استعمالا صحيحا , أو يستفيد به استفادة كاملة بما له من إمكانات عديدة , ومميزات كثيرة , بل ألا يوجد احتمال أن يخربه صاحب الجهاز تخريبا قد لا يمكن تداركه أو إصلاحه , وحينئذ هل ينفعه ندمه ؟ وهل تفيده حسرته ؟
ألا توقن معي بأن حياتك هي من أعز ما تملك بعد دينك ؟ وأن مصيرك في الآخرة من أهم اهتماماتك ؟ إن كان الحال كذلك , فإن الله تعالى خلق الأنسان , وأنزل إليه منهجا كاملا متكاملا , يتبعه , ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير , وهذ المهج وهو القرآن الكريم , والذي مدار أحكامه , ومقصد قصصه , هو التقوى بكل ما تحمله من معان .
فاتقوا الله بالامر بالمعروف, والنهى عن المنكر, وافشاء السلام ,وصلة الارحام, وكثرة الصيام ,والصلاة والقيام, وأداء الحقوق لاهلها ,واعطاء كل ذى حق حقه
. فاتقوا الله باصلاح ذات البين, والاصلاح بين الازواج, والاصلاح بين المتخاصمين ,والكلمة الطيبة, واقامة السنة, ومحاربة البدعة, وحسن المعاملة,
ومما يوضح لنا ما للتقوى من قيمة عالية في الشريعة , أنه قد وردت كلمة التقوى بتصاريفها المختلفة فى كتاب الله تعالى مائتين وثمان وخمسين مرة ، أليس كذلك ؟ وأفاضت بها السنة النبوية المطهرة