الحلقة الثانية
أعظم وصية
الحمد لله يعلم مثاقيل الجبال , الحمد لله يدرك مكاييل البحار ، الحمد لله لا يخفى عليه عدد قطر الأمطار ، وورق الأشجار ، ويعلم عدد ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار، سبحانه لا توارى سماء منه سماء ، ولا أرض أرضا ، ولا بحر ما فى قعره ، ولا جبل ما فى وعره ، وأشهد ألا إله إلا الله , قاهر القياصرة ، وكاسر الأكاسرة ، ومذل الجبابرة ، ومهلك عادا والفراعنة , وأشهد أن محمدا رسول الله , صلى الله عليه وسلم , أما بعد ..
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى , سرا وجهرا , أمنا وخوفا , صحة ومرضا , سعادة وشقاء , عافية وبلاء . فتقوى الله عز وجل هي طريق العقلاء ، لذلك حثهم الله في كتابه على المداومة في الالتزام بطريق التقوى ، قال فى كتابه ( فاتقوا الله يا اولى الألباب ) ذلك لمن كان له قلب أوالقى السمع وهو شهيد
وبحثت عن سر السعادة جاهدا ---------فوجدت هذا السر فى تقواك
قد عظم الله تعالى التقوى في كتابه تعظيما , ومن هذا التعظيم , على سبيل التمثيل , أنه قد عم الله تعالى الناس جميعا وأصاهم بالتقوى فى ثلاث مواضع من كتاب الله تعالى
الأول منها هو قوله تعالى ( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذى تساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيبا )
أليس الذي خلق الإنسان من نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة ، ثم جعل المضغة عظاما ، ثم كسا العظام لحما ، فأنشأه خلقاً آخر وجعل له السمع والبصر والفؤاد أليس هو أولى بالتقوى
أما الموضع الثانى الذى عم الله به الناس جميعاً وأوصاهم بالتقوى هوقوله جل فى علاه ( ياأيها الناس اتقوا ربكم أن زلزلة الساعة شىء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد )
أليس الذى بيده الملك والملكوت ذى العزة والجبروت ، الحي الذى لا يموت هو أولى بالتقوى ، أليس الذي بيده الملك كله وإليه يرجع الأمر كله هو أولى بالتقوى ، أليس الذي بيده القيامة والجنة والنار فمن شاء عذبه ومن شاء رحمه هو أولى بالتقوى ، أليس الذي بيده العرض والحساب ، والجزاء والعقاب ، والصراط والميزان هو أولى بالتقوى ؟! فأين تقوانا لله رب العالمين ، الذي خلق السموات والأراضين ومن فيهن
أما الموضع الثالث الذى عم الله به الناس جميعاً وأوصاهم بالتقوى هوقوله جل فى علاه ( ياأيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والدعن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ان وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور )
اتقوا الله في يوم لاينفع فيه مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، اتقوا الله في يوم لا تنفع فيه الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا، اتقوا الله في يوم القيامة ،يوم الحسرة والندامة ،يزم يرى كل امرئ عمله أمامه ، فاتقوا الله وسارعوا إلى مرضاته ،
فهذه آيات ثلاث من كتاب الله تلزم الناس أجمعين بتقوى الله ,تلزم أولهم وأخرهم ,مؤمنهم وكافرهم, صغيرهم وكبيرهم, رجالهم ونسائهم, شبابهم وشيوخهم ,اى انها وصية شاملة لعموم الناس بلا استثناء ,ولاتفريق, ولاتمييز, فاتقوا الله عباد الله ما استطعتم, لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل , حتى لاتندموا فى يوم لا ينفع فيه حسرة ولا ندم, فهذا طريق التقوى فالزموه, تنالوا من ربكم المغفرة والرضوان, وأما من ابى فلا يلومن الا نفسه .
ومما يدلنا على أهمية التقوى في كتاب الله تعالى , وعلو هذه الأهمية , أنه قد خص الله تعالى عباده المؤمنيين وأوصاهم بالتقوى فى آيات كثيرة ومواضع عديدة منها على سبيل التمثيل قوله تعالى ( ياأيها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وأنتم مسلمون ) فأهل الإيمان هم أولى الناس بالتقوى لأنهم هم أعرف الناي عن الله تبارك وتعالى ، وقال -جل وعلا – ( ياأيها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقيين ) فطريق التقوى هى طريق الأمان من عذاب الله ومكره ، وهي صمام الأمان من نزغات الشيطان وجنوده ،وقال –عز من قائل – ( ياأيها الذين امنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون )
فاتقوا الله بفعل ما أمر الله به من طاعات بكل أشكالها وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ، وترك ما نهى عنه من نواه ومنكرات بجميع أنواعها
أخى الحبيب اعلم يرحمك الله علم اليقين ,علما لا يخالطه شك ,ولا يشبوه ريب , أن طريق الجنة محفوف بالمشاق , فهو ليس بالطريق السهل , ولا بطريق الهين , وليس مفروشا بالورود والرياحين , وليس بالطريق اليسيؤ , إلا على من يسر الله له , ومن أخذ لذلك الأسباب الصحيحة مع صدق النية , واعلم أن طريق النار محفوف بالشهوات , والملذات , ولا سبيل للنجاة من الشهوات الا بتقوى الله فى جميع الامور, أولها وأخرها, وسرها وعلانيتها, ودقها وجلها ,وعظيمها وحقيرها ,أى بتقوى الله نعالى فى كل الاوقات, حلوها ومرها, فى السراء والضراء, فى الصحة والمرض ,/فى الصغر والكبر, فى الشباب والشيخوخة , آى مراقبة الله فى كل وقت, وفى كل مكان, حتى تنجو فى الدارين من المهالك ,تنجو فى هذه الحياة الدنيا من الذنوب والمعاصى, وتنجو فى الاخرة من عذاب الله وغضبه.