وجد أن الكائنات الحية الدقيقة الموجودة في الأمعاء تستوطن مناطق متاحة محددة أو ما يسمى بالأماكن الطبيعية. إن وجود هذه الكائنات في القناة الهضمية يوفر لها المكان والغذاء، حيث أن كل نوع يحتل مكان معين وتسمى مثل هذه الكائنات  كائنات أصلية

ومن ناحية أخرى فإن الكائنات التي تمر عبر القناة الهضمية، والتي يكون مصدرها الغذاء أو الماء أو أي مصدر غذائي آخر، عادة تكون كائنات عابرة غير أن هذه الكائنات العابرة قد تستوطن الأماكن الشاغرة في حالة الاضطرابات المعوية، وربما الكثير من هذه الأماكن لا يمكن أن يتوقعها الإنسان. وأوضحت الأبحاث التي أجريت على حيوانات إما خالية تماماً من الميكروبات الممرضة أو المصابة بنوع واحد أو أكثر من الكائنات الحية الدقيقة أن العدد الكلي للبكتيريا في الأمعاء الغليظة بالنسبة للشخص السليم يكون نسبياً ثابت والسبب في ذلك الثبات النسبي هو وجود ما يسمى الـ biodynamic balance بين معدل الزيادة والتضاعف ومعدل الموت لهذه البكتيريا، والإفراط في النمو  تمنعه الحركة الدودية للأمعاء، وخروج هذه البكتيريا عن طريق البراز.

قد يؤدى التوزيع غير الطبيعي للميكروبات المعد معوية إلى الزيادة والإفراط في النمو الميكروبي في كل من المعدة والأمعاء، ويختل أيضاً توازن الميكروبات في البراز. وفي حالة الأطفال فإن التغيرات البسيطة مثل التغير الفجائي في التغذية، العدوى والإصابات المرضية العادية، التطعيمات، النقاهة Convalescence، التغير الفجائي في الجو بالإضافة إلى عوامل أخرى، كل ذلك ربما يؤدي إلى اضطرابات في التوازن الميكروبي في القناة المعد معوية، بمعنى زيادة في نمو الميكروبات الضارة على حساب الميكروبات المفيدة. أما عند الكبار فإن اضطرابات التوازن الميكروبي ترجع إلى التأثيرات القوية والعنيفة، مثل اضطرابات وظائف المعدة، خلل في الحركة المعوية، عدم إفراز الحمض المعدي نتيجة لتأثير السن أو الإصابة بالأنيميا الخبيثة، ركود حركة الأمعاء نتيجة لانسدادها، تليف الكبد، اضطرابات الجهاز المناعي، المغص المعوي والمعدي الشديد، ضيق في الأمعاء الدقيقة، والتعرض للأشعة خاصة أشعة X في منطقة البطن.

وفي حالة وجود أحد المؤثرات السابقة فإن أعداد الميكروبات الضارة في المعدة والأمعاء تتزايد فقد يصل العدد في المعدة من 510ـ710 ميكروب/مل عصير معدي، بينما نجد أن المعدة عند الشخص العادي إما أن تكون معقمة أو تحتوى على حوالي 310 ميكروب/مل. وغالباً ما تؤدي اضطرابات التوازن الميكروبي إلى زيادة معنوية في أعداد البكتيريا اللاهوائية اختياراً (غالباً Enterobacteria enterococci)، وأيضاً تزداد أعداد كل من بكتيريا  Staphylococci، Proteus، Clostridia، Klebsiella وبعض الخمائر. يتوقف موقع هذه البكتيريا الممرضة  على النوع فمثلاً الـ Salmonella  والتي تسبب التسمم الغذائي تنمو في كل من الأمعاء الدقيقة والغليظة والـ Shigella التي تسبب الدوسنتاريا تنمو في الأمعاء الغليظة، والنوع الممرض من البكتيريا E. coli ربما يتواجد في الأمعاء الدقيقة أو الغليظة، وفي الأطفال فإن E. coli الممرضة ربما تنمو وتفرز سموم معوية Enterotoxins في الأمعاء الدقيقة. وتنمو بكتيريا الكوليرا Vibrio cholera وبكتيريا Clostridium perfringsesrs  أيضاً في الأمعاء الدقيقة. وفي حالة الالتهابات المعدية، فإن الأمعاء الدقيقة تحتوى على أعداد كبيرة من البكتيريا  أكثر منه في حالة الإنسان الطبيعي، أما البراز فإنه يحتوى على أعداد كبيرة من الميكروبات الضارة (حوالي 610ـ810/جم) وتحدث أيضاً زيادة في البكتيريا المعوية Enterobacteria. ومن ناحية أخرى فإن الميكروبات المفيدة إما أن تختفي تماماً أو تقل أعدادها بدرجة كبيرة وذلك عند تقديرها في البراز.

وبالإضافة إلى الأمراض التي تسببها، فإن الزيادة المفرطة في أعداد البكتيريا الضارة في المعدة والأمعاء لها تأثيرات ضارة أخرى فالميكروبات تتنافس مع العائل من أجل الحصول على العناصر الغذائية، وكثيراً ما يؤدى ذلك إلى تحلل الإنزيمات المعوية وفي بعض الحالات فإن البكتيريا تستهلك أثناء نموها فيتامين B12 مما يؤدى إلى ظهور أعراض نوع معين من الأنيميا تسمى Megaloblastic anaemia، كما تقوم البكتيريا بتفكيك أملاح الصفراء مما يؤدى إلى سوء امتصاص الدهون Malabsorption steatorrhea ووفرة المواد الدهنية في البراز.

يمكن إعادة الفلورا الطبيعية للقناة المعد معوية لوضعها الطبيعي مرة أخرى وذلك عندما يتم التغلب على العوامل التي سببت التوزيع غير الطبيعي لتلك الكائنات، وتتم الإعادة السريعة إلى الوضع الطبيعي عن طريق تناول الأغذية المحتوية على بعض الميكروبات المفيدة مثل Latobacillus acidophilus وأنواع من البفيدوبكتيريا. وينتشر الآن وعلى مستوى العالم الكثير من هذه الأغذية والتي تحتوى على البكتيريا المفيدة، حيث يوجد حوالي 90 نوع حتى الآن من المنتجات تباع في الأسواق والغرض من ذلك هو تحسين الحالة الصحية للمستهلكين.

أوضحت كثير من الأبحاث في هذا المجال أن التغذية على هذا النوع من الغذاء أثرت بدرجة كبيرة على منع الإصابات المعوية . والاتجاه الحالي على مستوى العالم هو تشجيع استهلاك هذه النوعية من الأغذية التي تحتوى على بدائل للمضادات الحيوية التقليدية . ولذلك ينصح باستخدام هذا النوع من الغذاء للمرضى وكبار السن  والأفراد الذين يعانون من بعض المشاكل في المناعة .

وأخيراً نود أن نلفت النظر إلى أنه يوجد بعض الأشخاص الذين يحملون الميكروبات الممرضة وتخرج مع البراز على الرغم من أنهم ليسوا مرضى ولكنهم مصدر عدوى بتلك الميكروبات، وهناك العديد من الأبحاث التي توضح أن استهلاك هؤلاء الأشخاص لأغذية مدعمة بالبكتيريا الصديقة يؤدي إلى خفض أعداد الميكروبات الممرضة، أي أن زمن حمل الميكروب   يختصر بدرجة كبيرة، كما وجد أن تناول بكتيريا Lactobacilli قبل وأثناء الاختلاط مع أشخاص حاملين للميكروب المرضي يقي الإنسان من العدوى بمثل هذه الميكروبات الممرضة.

المصدر: كتاب الأغذية العلاجية والميكروبات الصديقة جابر زايد بريشة
gaberbresha

Prof. Gaber Breisha

ساحة النقاش

Prof. Gaber Breisha

gaberbresha
بسم الله الرحمن الرحيم: أعدكم جميعاً أن أعمل جاهداً ليكون هذا الموقع مفيداً لكل من يريد أن يستمتع بالمعرفة، وأتمنى أن يشعرني هذا العمل أنني أديت دوري في الحياه، وأنني جدير أن أكون ضمن الذين كلفهم الله بعمارة الأرض وأقرر أنني لا أبتغي من وراء ذلك شيئ سوى أن يكون »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

423,364