أثر التنمية السياحية علي الموارد البحرية الحية في البحر الأحمر

هذه الدراسة جزء من بحث قام بإعداده اساتذة معهد التخطيط القومي بعنوان " الآثار البيئية للتنمية السياحية " -  الصياد
ان التعرف علي أثر المشروعات والانشطة السياحية علي الموارد البحرية الحية في البحرالاحمر ( قطاع الغردقة – سفاجا ) وتقديم مقترحات لمنع او تقليل الاثار السلبية للتنمية السياحية في المنطقة موضوع البحث ، يتطلب بداية التعرف علي النظام البيئي في المناطق الساحلية والبحرية وعلاقة مكوناته المختلفة والتأثير المتبادل بين عناصره .


النظام البيئي البحري
    تشكل البحار نظاما بيئيا طبيعيا يتكون اساسا من مجموعة  من المنتجين ومجموعة المستهلكين وتربطهما علاقات غذائية تأخذ صور سلاسل غذائية تبدأ كل سلسلة بالمنتجات ثم المستهلكات الاولية فالثانية . . وهكذا ، وسلاسل الغذاء في النظام البيئي البحري عادة طويلة الحلقات نسبيا حيث تبدا مجموعات المنتجين بالبلاتكتون النباتي وهي احياء مجهرية تحتوي اجسامها علي مادة الكورفيل مما يجعلها قادرة علي القيام بعمليات التمثيل الضوئي ، وعلي هذا فهي تمثل قاعدة الكائنات الحية المنتجة في النباتات المائية ، يليها مجموعات الطالحب والاعشاب الهائمة علي السطح والعالقة في الماء او النامية علي القاع .
    ويقوم البلاتكتون النباتي بدور رئيسي في دورة حياة الموارد الحية المتجددة في النظام البيئي المائي ، حيث يعتبر المنتج الوحيد للغذاء في الجزء الاعظم من المسطحات المائية خاصة البحار والمحيطات ، ويرجع ذلك الي ان مجموعات المنتجين الاخري مثل الطحالب البحرية ذات الجذور تنمو فقط علي الشريط الضيق الذي يحيط بالشواطيء والجزر ، في حين يخلو البحر الطليق بصفة عامة من هذه النباتات الجذرية لاسباب من اهمها عدم قدرة ضوء الشمس علي النفاذ الي هذه الاعماق ، وهنا تظهر الاهمية الكبري للبلاتكتون الذي يتخذ من الطبقات السطحية من مياه البحر مجالا لحياته مستفيدا من ضوء الشمس وثاني اكسيد الكربون الذائب في الماء في تحويل الاملاح المغذية الغير العضوية الي مواد عضوية تكون قاعدة الهرم الغذائي في الوسط المائي ، وتتغذي الملايين من البلاتكتون الحيواني بدوره حلقة الاتصال بين البلاتكتون النباتي وحيوانات اكبر حجما تتغذي عليه .
    مما سبق يتضح ان الغذاء هو العنصر الحاكم في النظام البيئي المائي ( مثل غيره من النظم البيئية ) ، وان الغذاء يتكون اما من نباتات مائية او حيوانية تتحكم فيها بدورها عوامل طبيعية وكيمائية ( مثل الضوء ، درجة الحرارة ، درجة الملوحة ، العناصر المغذية ، التيارات البحرية 00 الخ ) تتداخل فيما بينها وتتذبذب في تأثيرها من وقت لاخر ، كما ان لهذه العوامل المتشابكة اثرها علي تجدد ونمو وهلاك المكونات الحية في البيئة المائية .
    والموارد البحرية الحية هي موارد متجددة نتيجة للطبيعة الديناميكية والتي هي عملية تبادل مستمر للاجيال تتضمن ولادة للاجيال المتتابعة ثم نموها ثم هلاكها ، وذلك من خلال نظام انضباطي يتكيف بصورة آلية مع اي تغيير في الظروف البيئية ، والاستغلال الرشيد لهذا النظام البيئي من قبل الانسان يتطلب المحافظة علي سلامة الوظائف المختلفة لكل مكونات النظام البيئي، وكذلك المحافظة علي قدرة المكونات الحية علي اداء ادوارها ، ومراعاة ان يكون استغلال الموارد الحية في حدود المستوي الذي يحقق انتاجا غير متناقص في المستقبل ، بحث تتواصل قدرتها علي الانتاج والعطاء وابقائها قادرة علي تلبية الحاجات الانسانية وذلك من خلال ثلاثة محاور رئيسية : -
1  -    معرفة الموارد المتاحة .
2  -    ادراك الخصائص الانتاجية لهذه الموارد .
3  -    صيانة النظام البيئي والذي يعتبر الموارد الحية احد مكوناتة ، وصيانة النظام البيئي المائي تعني ان يكون استغلال النظام البيئي في حدود قدرة انواع المكونات الحية فيه علي الحمل.
    وعلي هذا فإن حدوث تغيرات كمية ونوعية في عناصر البيئة الحية والغير الحية في البيئة البحرية ، ينتج عنه آثار سلبية في حجم الموارد الطبيعية المتاحة للاستخدامات الانسانية وما يترتب عليها من تداعيات اقتصادية واجتماعية .
    ويقسم المسطح البحري الي منطقتين : المنطقة الساحلية وهي التي تمتد من الشاطيء حتي حافة الرصيف القاري ، والمنطقة القاعية والتي تضم المنحدر القاري والسهل الاعماقي ، ويطلق علي الطبقة السطحية حتي عمق 250 قدما تقريبا ( 76 مترا ) بالمنطقة الضوئية لان اشعة الشمس تخترقها لذلك لا توجد الكائنات الحية المنتجة والتي تقوم بعملية البناء الضوئي الا ان في الطبقات العليا من البحر ، والحيوانات التي تعتمد في غذائها مباشرة علي مجموعة المنتجين يجب – بالتالي – ان تكون قريبة من السطح وتلي المنطقة الضوئية منطقة معتمة تمتد عمقا الي قاع البحر ، وهي خالية من الكائنات الحية المنتجة للغذاء وتحتوي فقط  علي حيوانات مستهلكة واحيانا بكتريا وطحالب .
    والمناطق الساحلية تتضمن الاراضي الرطبة والسبخات واللاجونات ، والاعشاب البحرية والشعاب المرجانية واشجار المانجروف ( الشرو ) وكلها تعتبر مناطق تغذية او تكاثر لمعظم الكائنات البحرية .
        وعلي الرغم من ان كل هذه المكونات قطاعا بيئيا مستقلا ،الا انه – وكما سبق ان ذكرنا –  فإن كلا منها يعتمد علي الاخر ويتأثر ويؤثر فيه ، وان اي آثار سلبية تحدث في اي منها تنعكس علي المكون الاخر وبالتالي تؤثر في قدرتها علي العطاء والتجدد .



**    النظم الايكولوجية البحرية واهميتها البيئية والاقتصادية :
    تتضمن منطقة الدراسة ( قطاع الغردقة – سفاجا ) العديد من النظم الايكولوجية والمواطن الطبيعية والتي تتصف بارتفاع حساسيتها لاي تغيرات طبيعية او بفعل الانسان ، واهم هذه النظم ما يلي : -
اولا   :    الشعاب المرجانية
1-1    تمهيد
تعتبر الشعاب المرجانية من النظم البيئية ذات الانتاجية العالية والتنوع البيولوجي ، فهي من المواطن الطبيعية الحساسة لعدد كبير من انواع النباتات والحيوانات التي تتخذها مصدرا لغذائها ومأوي لها ، اما ملتصقة بها او مدفونة بين هياكلها الجيرية جاعلة بذلك الشعاب المرجانية نظاما ديناميكيا معقدا .
    والمرجان حيوان بحري دقيق يستخلص الكالسيوم والكربون من مياه البحر ويبني هياكل خارجية واقية ، ويبني كل نوع من انواع المرجان شكلا وحجما معينا من المستعمرات المرجانية ، وان عملية البناء هذه تتطلب توافر كمية كافية من ضوء الشمس ، ودرجة حرارة ، وملوحة مناسبين .
    ولهذا يلاحظ ان كل المرجان الباني للشعاب تقريبا يوجد في المياه الاقل ضحاله حيث يكون امداد ضوء الشمس متوافرا .
    وتعيش مئات الاجناس الاخري مع وحول الشعاب وتعتمد بطريقة مباشرة او غير مباشرة علي التركيبات المنتجة من هذه الشعاب ، فالمحار يجد طريقة داخل ترسبات الكالسيوم الصلبة المحمية وتختبيء الاسماك واللافقريات والقشريات بين فروع المرجان.
    وعندما يموت حيوان المرجان فإن مكوناته الصخرية تمد المرجانات الرخوة بقاعدة مناسبة لتستقر عليها وتبدا بناء مستعمراتها الخاصة ، اما القطع المكسورة من المرجان لاسباب طبيعية (بدون فعل الانسان ) فيمكن لصقها مع بعضها بواسطة الطحالب التي تنتج الكالسيوم وتصبح هذه بدورها ملاذا لحيوانات اخري مثل قنافذ البحر والتي تلعب دورا مهما برعيها علي الطحالب وغيرها والتي بدونها تنمو الطحالب بكثرة وتسبب في اختناق المرجان .
    وتتكون الشعاب المرجانية بواسطة انواع المرجان التي يبني العشب ولكنها تأوي ايضا انواعا من المرجان الذي لا يبني الشعب او الذي  لا يرسب كربونات الكالسيوم مثل المرجان الرخو والمرجان الاسود والمرجان الفرعوني ، وتجمع الشعب المرجانية بين مجموعة من البيئات الدقيقة ومجموعة كبيرة من اشكال الحياة .
    وتتكون الشعاب المرجانية من العديد من المستعمرات المرجانية وتتكون كل مستعمرة من آلاف البوالب المرجانية ( حيوانات المرجان ) وتفرز كل منها هيكلا من كربونات الكالسيوم يختلف معدل الارساب بالنسبة لكل نوع من انواع المرجان ولكنه يتراوح علي  وجه العموم بين 0.1 مم ، 10 سم في السنه ، ان تراكم هذه الهياكل عبر فترات طويلة من الزمن يؤدي الي تكوين ترسبات جيولوجية ضخمة ، ومع ذلك فإن النسيج الحي لا يشكل في الواقع الا طبقة رقيقة تغطي السطح ، وتتغذي بوالب المرجان من خلال امتصاص وتصفية العوالق ( الكائنات الحيوانية او النباتية العالقة او الطافية في المياه ) ، كما انها تتلقي المواد العضوية من خلال علاقتها التكافلية مع انوع من الطحالب الدقيقة ، وتستخدم هذه الخلايا الطحلبية الصغيرة ضوء الشمس من خلال عملية التمثيل الضوئي لتحويل الكربونات والماء الي مواد عضوية واكسوجين وكليهما يتم استخدامه بواسة البوالب .
    وتدعم الشعاب المرجانية شبكات معقدة من الغذاء والطاقة ، وهي متصلة فيما بينها بالمغذيات التي تأتيها من مصادر خارجية ( مثل تلك التي تجلبها التيارات البحرية والسيول والانهار المجاورة ) وتلك التي توفرها الشعاب المرجانية نفسها ( حيث يتم اعادة تدوير الموارد العضوية ) .ان هذه الشبكات المعقدة تعني ان ما يحدث لاي مجموعة من عناصرها سيؤثر حتما علي المجموعة الاخري ، مما قد تكون له تأثيرات مضاعفة علي الكائنات الموجودة بالشعاب ، فعلي سبيل المثال فإن ابادة نوع معين من القواقع نتيجة الافراط في صيدها ، يؤدي الي زيادة  انتشار اعداد نجمة البحر المعروفة باسم Growm Thorns وهذا بدوره يؤدي الي تقلص مستوطنات ومصادر غذاء الاسماك المرجانية ، وبالتالي تناقص اعداد الاسماك الاكبر حجما والتي تتغذي عليها .
التوزيع الجغرافي للشعاب المرجانية علي الساحل المصري :
    تمتد الشعاب المرجانية علي مسافة 250كم علي طول خليج العقبة ، 650 علي خليج السويس ، 800 كم علي طول ساحل البحر ، حوالي 700 كم علي الجزر ، اي ان الشعاب المرجانية علي ساحل البحر الاحمر المصري والجزر فقط  يقدر طولها بحوالي 1500كم وبالنسبة لمنطقة الدراسة قطاع الغردقة – سفاجا فإن الشعاب المرجانية تمتد الي مسافة تقدر بحوالي 105 كم ، ويتراوح عرض المساحة المغطاة بالشعاب في هذا القطاع ما بين             25-100متر بمتوسط قدره حوالي 62.5 متر ، وعليه يمكن تقدير مساحة الشعاب المرجانية في منطقة الدراسة ( بدون جزر ) بحوالي 6.5 مليون متر مربع ، ومعظم هذه الشعاب حافية Frining  سواء علي امتداد الساحل او حول الجزر الرئيسية  وهي خمس جزر بيانها كالتالي:
جزيرة الجفتون الصغير 3.1كم2 ، ابو منقار 1.4 كم2 ، مجاويش 0.9 كم2 ، ابو رمادا 0.3كم2، وجميع هذه الجزر اصل تكوينها مرجاني من العصور القديمة .
    وهذه الجزر محاطة بالشعاب المرجانية الغاطسة باستثناء جزيرة ابو منقار والتي تحاط بمساحات رملية ، والجفتون الكبير والصغير وابو منقار مغطاة باشجار المانجوف ، وهذه الجزر تقع علي بعد يتراوح ما بين 5 – 14  كيلو مترا من خط شاطيء امام مدينة الغردقة .
    وتحتل هذه الجزر اهمية خاصة من حيث التنوع البيولوجي والمصايد وانشطة الغوص ، حيث اشار تقرير مشروع G E F  ان حوالي 50 % من انواع المرجان في الساحل المصري توجد في منطقة الجزر ، وانه تم حصر 89 نوعا من الاسماك في هذه المنطقة بالاضافة الي العديد من انواع الثدييات ، وحوالي 35 نوعا من الطيور ، كما انه تستخدم منطقة الجزر بشكل اسـاس كمصايــد لصيــادي الغردقــــة  ، وان المساحــات الواقعـــة بين الجــــزر وبين   الساحـــل     Main Landبحكم موقعها بعيدة عن تأثير الرياح الشمالية الشرقية القوية مما يجعلها مناسبة لانشطة الغوص السطحي والاكثر عمقا ، وهذا ما يفسر وجود حوالي 15 موقعا من مواقع المغطس الرئيسية في هذه المناطق ، بالاضافة الي اجراء مسابقات صيد الاسماك مرتين في السنة حول الجزر .
**    اسباب تدهور الشعاب المرجانية ( الانشطة البشرية ) جمع المرجان :
    يتم جمع المرجان لاغراض مختلفة ومن اكثرها انتشارا اغراض الزينة والاحتفاظ به كتحف وتذكارات وادوات زينة ، بالاضافة الي ذلك فإن انشطة تربية الاسماك والاحياء المائية مسئولة ايضا عن حصد المرجان اما من خلال بيعه علي نحو مباشر كمستعمرات حية او من خلال عملية جمع الاسماك .
    ان ازالة مستعمرات المرجان تؤدي الي تقليص البيئة المناسبة ومناطق الحماية المناحة للعديد من الكائنات الحية التي تتواجد في مناطق الشعاب المرجانية ، فصغار الاسماك التي تحتمي بتفرعات الشعاب المرجانية والديدان والحيوانات المائية تحرم من المأوي والحماية وقد تصبح مكشوفة للكائنات الحية الاخري التي تقيم في الشعاب المرجانية ، فضلا عن ان ازالة مستعمرات بكاملها يقلل من متانة وثبات بيئة الشعاب المرجانية بشكل عام ، ويزيد من معدل التآكل بفعل الامواج ، وحتي وقت كبير كان يتم جمع المرجان في منطقة الغردقة وبيعه للسائحين الاجانب والمصريين .

المصدر: العدد رقم ( 21 ) يوليو – أغسطس 2003 - جريدة الصياد
fisherman

الاتحاد التعاونى للثروة المائية

الاتحاد التعاوني للثروة المائية

fisherman
Cooperative Union of Egyptian Water Resources الاستاذ / محمد محمد علي الفقي رئيس مجلس الادارة [email protected] »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

475,388