د.يسري عبد المحسن لـ"لهنّ ":
المرأة مخلوق غامض حير أذكي الرجال
لهنّ – سميرة سُليمان
في عيادته بالهرم التقيناه بعد يوم عمل طويل قضاه مع مرضاه اللذين ألفهم وألفوه ، إنه د.يسري عبد المحسن أستاذ الطب النفسي والأعصاب بكلية الطب جامعة القاهرة ، يحدثنا في السطور التالية عن السعادة والخجل وفشل الحياة الزوجية وهي موضوعات تناولتها كتبه الهامة التي أثرت المكتبة العربية ولا زالت .
د.يسري عبد المحسن
لهنّ: ما الفكرة التي أردت التأكيد عليها بكتابك " الجنس والصحة النفسية" ؟
الجنس أحد وسائل التقارب بين الزوجين ليثبتا أن الحب موجود بينهما، وهو ليس علاقة شهوانية حيوانية ولكن به صبغة جمالية رومانسية من شأنها توثيق الرباط بين الزوجين عموما وتجديدها أيضاً.
لهنّ: أحداث مصر والجزائر، كيف تحللها نفسيا ؟
ما حدث بين مصر والجزائر سبب اكتئاب ولكنه عابر، وبلا شك فهذه الأحداث هزت المجتمع لأنها تحولت لأزمة نفسية قومية عاشها شعبا البلدين ، وبعد الأزمات الكبرى تعيش المجتمعات حالة من الاكتئاب الطارئ بالفعل ، وهو ما عانى منه العراقيون بعد نشر صور إعدام رئيسهم السابق صدام حسين مثلا ، والأهم ما عانوه بعض صدمة غزو الولايات المتحدة للعراق وتكرار مشاهد قتل جنود الاحتلال للمواطنين صغارا وكبارا ، وهو ما يعاني منه الفلسطينيون أيضا في ظل الاحتلال الإسرائيلي .
وفي مصر شعر آلاف المواطنين بأعراض اكتئاب بعد غرق العبارة " السلام 98 " واستشهاد ركابها الذين يقدر عددهم بنحو ألف مواطن في مياه البحر الأحمر عام 2006 ، وكذلك حينما احترق قطار الصعيد وبداخله عدد مماثل لضحايا العبارة وهذه الأحداث تصيب بالتحديد أشخاصا لديهم الاستعداد للاكتئاب .
لهنّ: في دراسة لك تحدثت عن عوامل تجنب الفشل الزوجي .. ما هي ؟
بعد دراسات حددت بالفعل عوامل استمرار الحياة الزوجية بصورة متوازنة وأهمها الاحترام المتبادل بين الطرفين والاستعداد للتضحية من كليهما، بالإضافة إلى أن يقدر كل طرف الآخر، وأن يكون على استعداد لحمايته ؛ فالحماية ليست من الرجل فقط ، فالمرأة أيضا تشعر الرجل بالأمان وتحميه ولكن بقدراتها كأنثى.
وأهم من ذلك أن يكون هناك دائما استعداد لاحترام خصوصيات الطرف الآخر، سواء المنزلية أو الخاصة، فعلى كل طرف أن يترك مساحة من الخصوصية للطرف الآخر ولا يقترب منها ولا يحاول أن يقتحمها فلا نرى الزوج يلح لكي يعرف أسرار بين الزوجة ووالدتها أو إخوتها مثلا، وهكذا يجب أن تفعل الزوجة أيضا.
أيضا من أسباب انهيار الحياة الزوجية هو أن كلا من الزوجين يبالغ في تجسيم الآمال والأحلام قبل الزواج، بحيث يتصور أن شريك حياته كامل الأوصاف وليس به عيوب، وهذه الصورة المثالية تهتز بشدة بعد الزواج فيبدأ الإحساس بالفشل، وتحدث الفجوة بين الأحلام والواقع مما يؤدي إلى التباعد والغربة بين الزوجين.
يجب علينا لبناء حياة ناجحة وموفقة وسعيدة أن نقبل بعض العيوب في شريك الحياة، فكما فرحنا بصفاته الجميلة علينا أن نتحمل ما لا نرضى عنه حتى تستمر الحياة.
لهنّ: ما هي روشتة السعادة في رأي الطب النفسي؟
السعادة مقترنة بالرضا، وهناك حكمة تقول الرضا لمن يرضى، فالتهيؤ والاستعداد للرضا سيجعل الإنسان سعيد وبدون الرضا لن يسعد الإنسان مهما طال من نعم الحياة.
وهناك توصيفات أخرى للسعادة، فمثلا أكثر ما يسعد المرأة هو أن تشعر أنها محبوبة فالمرأة لا تستطيع أن تعيش من دون الحب، ولا تستقيم أمورها وتستوي حالتها النفسية والمعنوية من دون أن تتملكها أحاسيس الرغبة الجميلة في تبادل مشاعر المحبة مع من حولها ومع كل ما يحيط بها من إنسان وحيوان وجماد.
أما الرجل فكل ما يعنيه هو تحقيق الذات وأن يصل لهدفه، فسعادته تتحقق بنجاحه وتحقيق أهدافه وأن يكون منتجاً وفاعلاً ومؤثراً.
لهنّ: قلت سابقا إن المرأة الذكية الناجحة ذات حظ قليل من السعادة.. لماذا؟
لأن النجاح يكون في هذه الحالة على حساب سعادتها، فهو يجرفها وراء مزيد من المكاسب والنجاحات، حيث يؤكد عالما النفس الأمريكيان كونيل كووان وميلفين كندر في كتابهما "نساء ذكيات واختيارات حمقاء" أن المرأة الذكية المتفوقة الصلبة في مظهرها الرقيقة للغاية في داخلها تحلم بالرجل الكامل أو السوبر مان الخارق، وفي أكثر الأحيان يكون الرجل الذي يلفت انتباهها هو السبب في تعاستها ومأساتها، ومن ناحية أخرى فإن الرجل يهرب من المرأة الناجحة لأنه يظن أن تفوقها يكون على حساب اهتمامها بأسرتها، وقد يتصور أنها لابد أن تكون من النوع المتغطرس المسيطر، وهو قد يخترع الأعذار لعدم الاقتران بها، وإذا تزوجها فإنه لا شعوريا يحاول الحط من شأنها فتنشأ بينهما مشكلات لا حصر لها.
وعلى المرأة أن تتأكد أن لا شيء في الحياة يساوي أن تقبع هانئة راضية آمنة في حمى زوج يقدرها ويشعرها بحبه، وأن كل نجاحاتها تظل منقوصة حتى تجد رجل تعطيه مشاعرها وتأتمنه على قلبها.
لهنّ: كانت لك دراسة مطولة عن الخجل فما هي روشتة التغلب عليه؟
الخجل تختلف درجاته من شخص لآخر، والخجل الزائد عن الحد يعتبر مرضاً ومعوقاً خطيراً عن إحراز تقدم في العمل والحياة بشكل عام؛ فالخجل يفقد صاحبه الاتزان أمام أشخاص ما.
هناك نسبة كبيرة من المراهقين والمراهقات بل ومن السيدات الناضجات، يتألمون من انفعالية مفرطة أمام بعض الأشخاص والمواقف، ومرات يشعرون بالخجل من التعبير عن المشاعر رغم إقدامهم وجرأتهم في مجالات أخرى.
أول أسباب الخجل ترجع إلى إحساس الفتى أو الفتاة بالاضطراب عند التعامل مع شخص أو أكثر من الجنس الآخر، فيعوق نمو الثقة في النفس.
والتغلب على الخجل يحتاج إلى ممارسة فاعلة في اقتحام المواقف التي تسبب الخجل، وهذا ما نسميه العلاج السلوكي حيث لا يفل الحديد إلا الحديد، فإذا كان الخجل سببه الاختلاط بالناس فعلى الشخص الخجول اقتحام مواطن الخجل وأن يقابل أناس كثيرين ويكون لديه استعداد أن يتحمل المعاناة في سبيل التخلص من خجله، كل مرة سيكون أفضل من سابقتها، وبالتكرار سيكسر حدة خجله ويتغلب عليه.
لهنّ: تحدثت في كتابك "القرآن يزيل هموم النفس" عن صفتي الحلم والتحكم في الانفعال. . لماذا تزداد معدلات الغضب حالياً ؟
أهم الأسباب هو الازدحام الذي يفرض سلوكيات خاصة به، لأنه يثير الأعصاب ويولد حالة من التنافس غير الشريف بين الناس، وحالة من العدوانية وإحساس دائم بالخوف، وبالتالي فإن المجتمعات التي بها اتساع ومساحة أكبر من الأرض المخصصة للإنسان أكبر كل ما قلت حدة التوتر والغضب والثورة والعنف والعدوان والجريمة، فراقب نفسك في الزحام كيف تتصرف ، وقارنه بسلوكك أثناء تواجدك في مصيف أو في حديقة واسعة وستستشعر بالفرق.
لهنّ: ذكرت سابقا أن داخل كل منا طاقات قد يخرج بعضها إلى دائرة الضوء أو لا .. كيف نستفيد من هذه القدرات ؟
يحدث ذلك أولا عن طريق الإيمان بالقدرات الذاتية والثقة بالنفس، والإيمان أن بداخل كل منا قدرات خاصة كأنها كنز مدفون لن يستطيع البحث عنها إلا عبر مواصلة العلاقات العامة والاجتماعية مع الناس والسعي الدائم في الحياة، إنما الانطواء والاستكانة والكسل لن يساعدنا على اكتشاف مكنوناتنا وكنوزنا من الطاقة الداخلية، ومن أهم الأشياء في حياة الإنسان هي أن يملك هواية وهو أمر غير مرتبط بالحالة المادية من غنى أو فقر، فدائما ما أنصح الشباب أن يقوموا بالرسم ولو على الحائط.
لهنّ: في كتابك "المراهقات والطب النفسي" تحدثت عن فكرة الاستراحة النفسية..ما أهميتها ؟
الاستراحة النفسية مقصود بها أن يقف الإنسان مع نفسه بين وقت وآخر قد يكون هذا لساعات قليلة أو يدوم لأيام، يراجع عبرها حساباته مع نفسه ويتم ذلك في الخلاء، أو أمام بحر، أو في وسط حديقة من الزهور ويسأل كل منا نفسه: أين كنت وكيف أصبحت وما هي خطة المستقبل؟.
لهنّ: ذكرت في نفس الكتاب أن المشاكل النفسية هي لزوم الحياة.. كيف ذلك ؟
خلق الإنسان في كبد، ولا حياة بدون مشاكل ولا طعم للراحة إلا عندما نذوق المشاكل، فقبول المشاكل بصدر رحب وروح رياضية وإيمان قوي بالله ثم بأنفسنا وقدراتنا يجعلنا نتقبل المشاكل، لكن السخط ونعي الحظ والنظر لنصف الكوب الفارغ يزيد عذابات الإنسان ويضيف ألم إلى الألم ويجعل الإنسان لا يشعر بلحظة انجلاء المشكلة والوصول إلى الحل لأنه ساخط دائما.
أيضا على الإنسان أن يتوقع المشاكل لأن ذلك يخفف ألم الصدمة عليه، أن يضع احتمال الفشل مساو لاحتمال النجاح هنا ستكون الفرحة عارمة إذا تم ما يريده، وستكون حدة الصدمة أخف في حالة الفشل، وهذا ليس تشاؤما ، بل تعامل بشكل إيجابي مع الفشل.
لهنّ : لمن يقرأ د.يسري؟
قراءاتي أكثر في مجال الطب النفسي لكن الكتاب الذي قرأته مؤخرا وأثر في وتعلمت منه كثيرا هو كتاب عائض القرني "لا تحزن".
لهنّ: يقول جمال الدين الأفغاني "أمة تطعن حاكمها سراً وتعبده جهرا لا تستحق الحياة" هل ترى أن هذا ينطبق على أمتنا العربية ؟
نعم وذلك بسبب غياب الديمقراطية، فالشعوب العربية لا ترضى عن حكامها ولكنها لا تجاهر بذلك.
لهنّ: هل توافق على مقولة أمينة السعيد "المرأة مخلوق بسيط وبنظرة واحدة إلى وجهها يستطيع الرجل تبين ما يعتمل في قلبها من أحاسيس"؟.
لا أوافق عليها، فالعكس هو الصحيح المرأة مخلوق غامض وتحتاج إلى خبرة وحنكة ودراية للتعامل معها، كثير من الرجال الأذكياء يفشلون في أن يخترقوا أعماقها، فمفاتيح المرأة الأساسية هي الحب الذي متى تم وكان هناك اتصال عاطفي ستفتح كل أبوابها المغلقة مهما كانت عنيدة.
لهنّ: ما الذي أضافته لك مهنة الطبيب لنفسي؟
أضافت لي الكثير، أصبح لدي شجاعة النقد الذاتي والمكاشفة، بالإضافة إلى التماس الأعذار فدائما حين يخطئ في حقي شخص يتبادر إلى ذهني شيئان الأول أنه قد يكون أفضل مني، والثاني أضع نفسي مكانه لأرى لماذا تصرف هكذا؟ فدائما أنظر إلى الفعل الذي أدى إلى ردود الأفعال، أيضا أعطتني تلك المهنة القدرة على التحمل والاستماع، بالإضافة إلى القدرة على امتصاص غضب الآخرين.
لهنّ: قلت أن الحب صمام أمان الصحة النفسية.. كيف؟
الحب بمفهومه المطلق والشامل، الصدق حب ،الأمانة حب، الإخلاص حب، إتقان العمل حب، الفضيلة التضحية الوفاء كل هذا حب للقيم، وهو حب مستمد من حب الخالق سبحانه وتعالى.
إذا دققنا سنرى أن الحب بمفهومه المطلق يحكم كل تحركاتنا في الحياة إذا تعاملنا معها بصدق، سنؤدي ما نفعل ونحن راضون عنه الأمر الذي سيعطينا نشوة وسعادة، إنه الاتساق الذي يبحث كل منا عنه في حياته.
اتساق يحكم علاقاتنا بالأشياء المحيطة بنا لنصبح أكثر صحة نفسية وتوازنا، وهو ما يعطينا إياه الحب فهو سبب ذلك التوازن، فإذا أحببت عملي وأحببت صديقي وأحببت القيم التي أتعامل بها سيكون جهازي العصبي والنفسي في حالة اتساق وليس صراع.
فالحب هو سمو بالنفس وطهارة بالروح، ونقاء بالسريرة، وارتقاء بالعقل إلى درجات العلو، الحب حالة من التصالح مع النفس، والتواصل مع الآخر، هو التوازن العام للحالة النفسية داخلك وخارجك، وهو طارد للكراهية والحقد والحسد والقسوة والعدوان، وجاذب للقوة والرفعة والثقة بالنفس والسكينة والهدوء.
لهنّ: الاعتذار هو أسرع السبل لاستمرار علاقة سوية بين طرفين كما قلت.. فهل أصبح ثقافة غائبة ؟
ثقافتنا أصبح يحكمها اليوم سلوك الهمجية وانتفاء الذوق من الحياة العامة، فالمخطئ لا يعترف ولا يعتذر، يسود بيننا الآن سلوك المكابرة والمغالطة ولوي الحقائق، المؤدب يقال عنه أنه ضعيف، والطيب ساذج، الهادئ جاهل، الخجول والحيي خائف كل هذه تفسيرات خاطئة لصفات محمودة.
إن المادة تتحكم في حياتنا الآن وأصبحت تطغى على المعنويات والرومانسيات، وإذا لم يكن هناك توازن لن تقوم للحياة قائمة، علينا أن نعيد المشاعر النبيلة والقيم الجميلة لحياتنا مرة أخرى لتخفف من حدة طغيان المادة التي أصبحت تسيطر ليس على حياة الأفراد فحسب بل وحياة الشعوب أيضا.
وهذا الأمر يقع على عاتق الإعلام وأيضا سياسة الدولة، الآن انتبهنا أننا مصريون وأصبحنا ننادي بقيمة العلم؟ كم كتبت في بريد الأهرام أين علم مصر؟، وأين النشيد؟ وأنادي دائما أن يكون هناك علم لكل مواطن، على كل مكتب، بعد أحداث الجزائر تنبهنا بعد إهانتنا؟.
لهنّ: هل تتفق مع نزار قباني حين يقول:
ثقافتنا فقاقيع من الصابون والوحل
فما زالت بداخلنا رواسب من أبي جهل ؟
أوافق عليها بالطبع، فنحن أفقر الشعوب إلى النهم الثقافي وإلى إعلاء قيمة الثقافة لأنها أسلوب حياة وليس قراءة وكتابة فقط.
بداخلنا رواسب من أبي جهل تتمثل في تمسكنا بالتابوهات والقوالب القديمة البالية، والخزعبلات، والوقوف على التوافه من الأشياء، وعدم مواكبة ركب الحضارة الحديثة، فكل ما يشغلنا الآن هو الموالد، والسحر والدجل والشعوذة.
ساحة النقاش