تستعد ندوة اليوم السابع المقدسية إصدار كتاب خاص بمناسبة اليوبيل الفضي (مرور 25) سنة على تأسيسها، فكانت دعوة الأستاذ ابراهيم جوهرعلى صفحة الندوة للكتاب (أعضاء الندوة وأصدقائها) للكتابة بغرض تسجيل شهادتهم عن الندوة: كيفية التعرف عليها وذكرياتهم معها ومن صادفوا فيها.
فكانت هذه هي شهادتي بوصفي صديقا للندوة، ولكثير من مؤسسي الندوة وأعضائها، وكانت ندوة اليوم السابع قد ناقشت كتابي "ديوان أميرة الوجد" مساء يوم الخميس 16/10/2014:
:::::::::
ندوة اليوم السابع حلم الكاتب الموهوب
فراس حج محمد
لم أعرف بالضبط متى طرق مسمعي اسم "ندوة اليوم السابع" لأول مرة، ربما كان ذلك منذ ولادتها في عام 1991، إذ كنت طالبا جديدا في الجامعة، غرا، يافعا، لا أدري من أمر الثقافة والمثقفين شيئا، كنت وقتذاك أتابع الصفحة الأدبية في جريدة القدس، وبدأ الشغف بالقراءة، والتطاول على النشر في الصحيفة، فأبعث محاولاتي الجنينية للمجلة، فيصيبها الإهمال بطبيعة الحال.
لم يصبني الملل أو الإحباط نتيجة ذلك وقررت أن أتابع طريقا محفوفا بمخاطر كثيرة، إذ كيف لي أن أزاحم كتابا كبارا، تنتظم أسماؤهم اللامعة على صفحات الجرائد والمجلات وقتها، إذ لم تكن المواقع الإلكترونية مشهورة أو حتى معروفة، وكانت الشبكة العنكبوتية بالنسبة لنا خيالا علميا بعيد المنال. تمضي السنون وأنا أتابع الطريق وحدي دون آباء حقيقيين لتجربتي، إذ لم يحدث أن تبناني أحد من هؤلاء الكتاب، حتى إذا نشرت أول كتاب لي في فلسطين "ديوان أميرة الوجد".
لقد كنت بفعل عوامل كثيرة، أهمهما الاهتمام بالأدب الفلسطيني الحديث، ومتابعة ما ينشر من كتب، فتعرفت على أسماء الكتاب والشعراء وعلى ما نشروا من إبداع، وكان أن سمعت أولا من كتاب ندوة اليوم السابع بالأستاذ محمود شقير، وكانت مجموعته القصصية أنا وشاكيرا أول ما سمعت به، عدا أنه كان يرأس بعدها أو قبلها (لا أدري بالضبط) دورية دفاتر ثقافية التي كانت تصدرها وزارة الثقافة، وفي عهد المنتديات الإلكترونية تعرفت إلى كتابات الأستاذ الشيخ جميل السلحوت، ومن ثم بالروائية ديمة السمان، ثم إبراهيم جوهر، وكل تلك الأسماء الكبيرة لم أكن أعرف أنهم مؤسسو ندوة اليوم السابع المقدسية.
تشاء الأقدار أن أتعرف إلى الأستاذ شريف سمحان، وأصبح عضوا في الزيزفونة، ومن ثم في هيئتها الإدارية، ثم مدققا لغويا لمجلتيها، ونخطط معا لندوات ونشاطات كثيرة، فأتعرف شخصيا بالأستاذ محمود شقير، وأقرأ له كل ما أصدرته جمعية الزيزفونة، وكتبت مقالات حولها، واشتركت معه في لقاء جرى بينه وبين الطلبة في مديرية التربية والتعليم/ جنوب نابلس، ومن ثم عندما عقدت الجمعية مؤتمرها الأول لأدب الطفل تعرفت إلى أركان ندوة اليوم السابع في هذا المؤتمر، إذ حضر وشارك فيه كل من إبراهيم جوهر ومحمود شقير وجميل السلحوت، وكنت قد تعرفت عليهم سابقا في ذلك المؤتمر الذي عقدته جمعية فؤاد نصار حول التعليم، وكان شرف لي أن منحني الأستاذ شقير فرصة تقديم ورقة في المؤتمر، وكانت مشاركا بالجلسة مع الأديبة الروائية ديمة السمان، وهكذا تمت معرفتي بأهم الأسماء الأدبية المقدسية الفلسطينية.
في هذه الأثناء كان حلم مناقشة كتابي "ديوان أميرة الوجد" في ندوة اليوم السابع يروادني، وعندما أخبرني شريف سمحان بأنه بعث بنسخ للندوة، لم أكن أتوقع أن يناقش، فمن أنا حتى يناقش هؤلاء الكتاب كتابا لي، هو كل تجربتي الأدبية؟ وكانت المفاجأة التي تعادل بل تربو على فرحتي بنشر كتابي الأول (فلسطينيا) أن تم الإعلان عن مناقشة الكتاب في ندوة اليوم السابع، وحدث لأمر طارئ أن تم تأجيل الموعد الأول، فأصابني شيء من الإحباط أو ربما شيء من الهرب، إذ إنني نجوت مما سيقال في هذا الكتاب الغراميّ الخارج عن سياق القدس وفلسطين والحالة السياسية، فأنا لم أنشر كتابا سياسيا أو شعرا مقاوما بالمفهوم الدارج فلسطينيا وتاريخيا ونقديا، فقلت: "نجوت يا فراس ورب الكعبة"!
ولكن، ما هو إلا أسبوع واحد، ثم يعود الإعلان من جديد، وبتاريخ خميسيّ جديد، وأبقى مترقبا، متوجسا، مما سيقوله أعلام لهم باع طويل في الأدب، وقد مرّ عليهم خلال عقود آلاف الكتب. في ذلك اليوم نفسه كنت أشارك في نابلس بندوة أخرى لتوقيع الديوان برعاية مديرية الثقافة، كانت جثتي النحيلة رابضة في مقر "منتدى التنوير" والروح معلقة على حدود القدس، ترنو إلى ما ستقوله الندوة بحق هذا الكتاب الخارجيّ كصاحبه!
توقعت شيئا، ففاجأتني أشياء!
نعم، لقد تفاجأت بما قاله الأساتذة إبراهيم جوهر، وجميل السلحوت، ورشا السرميطي، وعبد الله دعيس حول الكتاب، ولم يجاملوني بطبيعة الحال، فأنا لست ممن يخشى جانبه، وهؤلاء الأدباء ليسوا ممن يجامل في الأدب وفي الكتب، ما دامت قد أصبحت في مشرحة النقد الموضوعية، فسيقولون رأيهم بكل تجرد وحيادية.
لقد حزت أول شهادة إبداعية حقيقية، إنها شهادة ندوة اليوم السابع، ولم أخجل بعدها لو عرّفت نفسي بأنني "شاعر"، فها هم أفذاذ بيت المقدس، قد منحوني فرصة أن أكون شاعرا، وشاعر وجدٍ مختلفا، وهكذا أصبح حلم الكاتب الحالم الموهوم، حقيقة الكاتب الموهوب، الذي حلم بجواز مرور إلى الساحة الأدبية المحلية، فكون كتابك قد نوقش في الندوة، فمعنى ذلك أنك قد تجاوزت العتبة الأولى للكينونة الأدبية التي تطمح إليها.
لعله لمن نافلة القول أن أقول لأعضاء ندوة اليوم السابع "شكرا لكم"، ولكنه ينبغي القول للندوة وأعضائها "كل عام وأنتم للقدس، والقدس لكم وفيكم، أوفياء للجمال ولقداسة الحرف واللغة".
27-1-2016