قراءة في ديوان "أميرة الوجد" للشاعر الفلسطيني فراس حج محمد
سفر للعشق والجمال والوفاء في زمن قلّ فيه الأوفياء!
بقلم: صونيا عامر/ الكويت
بعد "رسائل إلى شهرزاد" و"من طقوس القهوة المرة"، يواصل الشاعر الفلسطيني فراس حج محمد رحلة عشقه الفريدة بديوانه الجديد الذي صدر عن جمعية الزيزفونة "ديوان أميرة الوجد"، ويقع في (200) صفحة من القطع المتوسط، لعل الحبيبة تُبقي على ما جمعهما من ذكريات جميلة ومشاعر صادقة لن يمحوها زمن.
يفتتح الشاعر ديوانه بعبارة "ما الشعر إلا فكرةٌ عليا تُهدى إلى تلك الأميرةْ"، محددا إطار الديوان ونظرته للشعر بشكل عام، فمن وجهة نظره ما الشعر إلا وسيلة خلقت لتعبر للأميرة عن مدى عشقه وجنونه، وما الشعر إلا كلمات لا تحمل نفس المعنى إلا إذا قيلت في مكانها وزمانها.
وينتاب الشاعر شيء من الشك والظن، ترى هل ستتقبل قصائده؟ هل ستحسها؟ أم ستتجاهلها، ويدور هو في ساقية التشكيك ولوم الذات، فيحتال في طلب الرضا:
يحتال يطلب في الدنيا محبتكم
لا تتركيني فليل الهجر إمحالُ
ودعتها أسفا والشوق يملؤني
للوصل أرنو، فللأحباب إقبالُ
لطالما ربط الشاعر حج محمد الحب بالإيمان، فبالنسبة للشاعر تمثل الحبية الملجأ، وهي الأمان، وهي المرجع الروحي لكل همّ تسببه الدنيا ولكل وهن يمرّ به.
جرى في نبضه يشدو
"حبيبي أنت إيماني"
ستلقاني ستلقاني
فهل يا ربّ تلقاني؟
يغوص الشاعر في بحور الشعر ليصف الحبيبة بالشمس والضياء، وليصف نفسه بـ "سيد العشاق"، وكما لقبته في قراءة سابقة بجميل بثينة، هذا الشاعر المحب الذي لا يشبه ناس هذا العصر. هو أكثرهم شقاء لما عاناه من بعد وحرمان. ومما يميز عشق الشاعر وقصائده النقاء الذي لف به شخصية الأميرة وصفاء الذهن والقلب الذي خط به أبياته الموزونة سواء في ذلك القصائد التي يطلق عليها مصطلح القرابين ليقدمها في معبد شروقه المقدس أو في تلك الخماسيات المائة. ويسألها معاتبا مناشدا، عودي فماذا جرى؟ ولمَ الهجر والفرقة؟! فإنه لم يتبق من النفس إلا طيف يتخايل:
بقيت هناك مساحتانْ
أولى لها شكل الغيابِ
تجوبُ في بحر المجازْ
أخرى تبادلها الدوائرُ ظلَّها
تبدو كأقلامٍ تَكَسَّرُ في الورقْ
ويؤكد الحبيب لمحبوبته أنها الوحيدة التي تسكن الروح والقلب والعقل، مستغيثا بمن يساعده على غيابها، وبأنه على عهدها باق، فلعلها في قادم الأيام تأتيه كما كانت تأتيه وتسعده، ليرفرف عليهما طائر السعد من جديد، فحبه لها لم يكن نزوة عابرة، ولن يكون إلا كاملا دائما كالنهر لا تنضب ماؤه:
يا طائر السعد السعيدْ
رفرفْ علينا من جديدْ
ويعاتب الشاعر محبوبته مسترسلا بصياغة مجموعة من الأسئلة التي لم يكن لها إلا جوابا واحدا، هو (أنتِ):
من أشقى القلب وأتعسه؟
من أردى النفس وأتعبها؟
من جامع قلبينا في الجُبّ؟
من ألقى قلبينا في الحبّ؟
من أسقى قلبينا الأوهام
وصنوف اليأس مع الأسقام؟
من رتب أن نهوى المجهولْ
ليؤكد بأن للحب شرعة:
ونكتب شرعة الأحباب سطرا:
يعيش الحب لا قتل وجهلُ
وللمحبة قانون:
ليكون قانونُ المحبة شاهدا
أني الجدير بحب تلك المُبْدَعَةْ
واحتوى ديوان الشاعر في قسمه الثاني على خماسيات شعرية مميزة، ميزت الديوان وأعطته قيمة شعرية ولغوية مضافة، وتبين كل منها موقفاً أو فكرة من تلك الأفكار والهواجس التي تنتاب الشاعر العاشق، ليبين أنها ستظل مشعة في خاطره، ولن يملّ من حبها مهما كان:
سأظل أهواها بغير سآمة
فهي الحبيبة والضياء المجتلى
وهي الرحيق ووردتي ومسرتي
وجنون عقلي والفؤاد المبتلى
"ديوان أميرة الوجد" هو الكتاب الثالث للشاعر حج محمد، وكما هو واضح تطور في الحالة الشعرية والجمالية لمستوى الشاعر الفني، ديوان جميل يستحق القراءة وهادف بما يحتويه من همسات شاعرية ونصائح للمحبين نتاج تجربة صادقة، يعيشها شاعر وإنسان في زمن قلّ فيه الأوفياء!!