الخروج من مصيدة النصّ
قراءة في القصة القصيرة جدا "عنواني" للكاتب السوري ناصر محمد ناصر
فراس حج محمد
أولا النصّ:
عنواني
قالت: سأترك لك البيت والأولاد إذا كتبتَ قصصا عني- وعدتها ألّا أفعل – مسكينة – هي لا تعرف أنني بجرّة قلم أستطيع تغيير العنوان.
ثانياً القراءة:
ثمة علاقة توجسية تلك التي تحكم الكاتب والمبدع عموما وزوجته، ويبدو من خلال تحليل البُنية النصية لاستخراج المعنى المخفيّ أو المعلن عنه بمواربة الداهية، أن ثمة ما يكبل الكاتب ويهدد مشروعاته الإبداعية، فما دواعي ترك الزوجة البيت؟ وما آثار ذلك على الكاتب؟ إنه تهديد صريح بحدوث "كركبة" في أوضاعه، بيتٌ، وأولاد، ومتطلبات في الرعاية والعناية وتوفير ما تحتاجه الأسرة، إنه يرسم المشهد لأسرة تقليدية، الأسرة التي نعرفها، والتي تتحمل فيها الزوجة عبئا خاصا في مهمات البيت والأولاد ورعاية الزوج، إنها بدت كمقدمة خدمات، تهدد بانقطاعها، فإذا انقطعت، تشوش الإبداع، ولذلك ترى هذا الموقف للكاتب بالخروج من المأزق بتغيير عنوان قصصه إن أراد أن يكتب عنها.
ثمة ما يريب في موقف الكاتب، إنه يراوغ، يخضع ويستكين، ويعلن الرضوخ لمطلب زوجته، ولكنه في كل ذلك يحاول خداعها بتغيير العنوان، ويصفها بالمسكينة، فلماذا يصفها بالمسكينة؟ أكانت سذاجة إلى هذا الحد لتقتنع أن القصة ليست عنها، وهل يكفي تغيير العنوان ليحل مشكلته وينجنب حدوث إعصار أسري على وشك الهبوب؟ وأيّ زوجة هي تلك التي يمرّ عليها الأمر مرور الكرام بمجرد تغيير العنوان؟
ثمة صورة سلبية للمرأة هنا أو تقليدية، كأنها غير متناغمة مع زوجها الكاتب ولم تفهمه، وها هي تشكل له عائقا نفسيا وماديا، وهذه كارثة أخرى يقع فيها كثير من المبدعين والمفكرين، وليست قصة سقراط عننا ببعيدة!
وإذا كانت الصورة سلبية للمرأة هنا فإن الكاتب يقع في الشرَك فتظهر صورته السلبية أيضا، فهو مخادع، يفكر بسطحية، فيرى أن تغيير العنوان يجنبه وقوع الكارثة، عدا ذلك فإنه يظن أن العنوان أمر قريب المأخذ، مستطاع، وخاصة في القصة القصيرة جدا، فالعنوان في هذه النصوص جزء أصيل، يشكل جزءا من بنية النص المادية والفكرية، وليس شيئا ملحقا كبعض النصوص الأخرى كالمقالة والقصيدة، فالعنوان يحمل ثيمات أخرى تتضافر مع النص بحيث يشكل حذف العنوان خللا فاضحا في النص، وعلى ذلك أضحى الكاتب وزوجته مسكينين، هي لا تقدر أمر الأدب، وهو يستسهل أمر الكتابة وأبسط شروطها.
كذلك فإن القصة تثير قضية إبداعية غاية في الأهمية متعلقة بالموضوع، فلعل الزوجة لها عذر ونحن نلومها، وكأنها تريد أن تقول له: لقد مللت منك، ألا يوجد غيري لتكتب؟ ابحث عن شيء جديد، وهي رسالة خفية ودقيقة يريد الكاتب أن تتسرب إلينا لنعيها جيدا، فنتأمل ونبحث وننطلق في البحث من أجل أن نكتب في قضايا شتى.
وهكذا بدت قصة ناصر ناصر القصيرة جدا، نصا يقول ما لا يقال، وأفرغت ما يجول في صدور كثير من الكتّاب، فأشفت الغليل، بعد أن أثارت فينا شجون العليل، بأسلوب ماكر خفيف الظل قريب إلى الفكاهة المرحة، فلنراجع أنفسنا لنكون على قدر المسؤولية، مسؤولية الإبداع أولا وقبل كل شيء، ناهيك عن دور الزوجة، ولا أريد أن أتحول واعظا، ولكنّ اللبيب بالإشارة يفهمُ.