فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

متى كان النصّ بطلا؟

قراءة في نصّ كَأْكأَةٌ/ جمعة الفاخري<!--[if !supportFootnotes]-->[1]

فراس حج محمد/فلسطين

أولا النص:

كَأْكَأةٌ
تَكَأْكَأَ النُّقَّادُ عَلَى نَصِّي 
كَتَكَأْكُئِهِمْ عَلَى ذِي قِصَّةٍ ..
صَلَبُوهُ .. قَتَلُوهُ نَقْدًا ..
فَحَيَا ..
أَسْرَى عَلَى بُرَاقِ فَصَاحَتِهِ مِعْرَاجًا إِلَى الْقُلُوبِ .. 
.....................
أَمَّا أَنَا فَافْرَنْقَعْتُ عَنْهُمْ ..!؟

ثانيا القراءة:

نصٌّ عجيب هو ذلك النصّ الغائب الحاضر في "كأكأة" جمعة الفاخري، فأيّ نصٍّ تعني أيها المترف لغة وتعبيرا، إنه بلا شك نصٍّ جاذب مخاتل وبارع في مُلاعبة الطرف المقابل، ويحمل سلاحا لا يفلّه الحديد؛ لأنه أصلبُ من الحديد، ذاكم هو نصّ جمعة الفاخري الذي يقع فريسة النقاد والمحللين، يتكالبون عليه، كأنه عدوّ لهم، وكيف يكون النصّ عدوَّ الناقد؟ أكان النص غامضا أم كان قاسيا في وضوحه؟ هل كان النصّ بارقة تغوي، وتترك الناقد في مجاهيله؟ إنها فتنة الأسئلة النابتة في "كأكأة" الفاخري هذه.  

يظهر في النص ثلاثة أطراف (الكاتب والنقاد والقارئ) ونصّ، والغريب والمدهش في هذه "الكأكأة" أن النص نفسه تحول إلى بطل يقف على قدم المساواة، بل ربما يتفوق على أحد الأطراف، وأقصد هنا بالضبط "النقاد"، فالنصّ هنا منتصر عليهم في معركتهم التي أشعلوها رغبة منهم في قتله صلبا، ولكنه ينهض عنقاءَ حياة من جديد، ليضحك في وجه النقاد ضحكة المنتصر الذي لا يهزمه أيٌّ كان، وكأنّ النصّ يحيل إلى تلك العلاقة المتوترة بين المبدع والناقد.

ويقف في طرف المعادلة الإبداعية القارئ المتذوق والمنتشي والمنحاز للنصّ، فهو يتسرب إلى القلوب، بل يعرج إليها بعد أن أسري به على بُراق الفصاحة، فأي ثقة يا فاخري هذه؟ وأي تحد ذاك الذي يجعل النصّ بهذا العنفوان؟ لا شك أنها البلاغة والفصاحة والمتانة، وها هي مؤهلات نجاح النصّ وكاتبه على حدّ سواء.

وعلى الرغم من كل ما يقال عن جهل الناقد والقارئ وعدم قدرته على الإحاطة بكل جوانب الإبداع للكاتب، إلا أن البعرة تدل على البعير، وهنا يقدّم الفاخري أعظم الأدلة على جودة نصّه ومتانة فكرته، وسلاسة أسلوبه، وثقافته الإبداعية الممتدة عبر حقول معرفية متنوعة، وكلها مقومات نجاح أي كاتب مهما كان نوع كتابته، وإليكم توضيح ذلك:

يتكئ النصّ أولا على اللغة المعجمية التراثية في توظيف كلمات صعبة غير مستعملة في عالم الأدب الحديث إلا ما ندر، ولأجل غاية، فقد استخدم الفاخري كأكأة وتكأكأ وتكأكؤ، وكلها من جذر واحد، وهي ذات معنى واحد، ووظف كذلك فَافْرَنْقَعْتُ، فهل كانت هذه الكلمات مجرد عرض عضلات في معرفة اللغة القديمة أم أن للكاتب هدفا غير معلن؟

لعلّ هذا النصّ يريد استفزاز النقاد للحديث عن النصّ، فوظف هذه الكلمات، وربما أراد السخرية اللطيفة والفكاهة الأدبية الناعمة، لاسيما وأنّ هذا النصّ قد تعالق في تناصّه مع الطرفة العربية القديمة، التي بيّنت، بموقف ساخر فكهٍ، ورطة عيسى بن عمر الثقي النحوي المشهور، عندما قال وقد وقع عن حماره: "ما لي أراكم تكأكأتم عليّ كتكأكئكم على ذي جنّة فافرنقعوا عني"، وقد ساغ للكاتب توظيفه لهذه الطرفة كونها لم تعد غريبة، فقد أضحت مشهورة بين المثقفين، وتؤدّي غرض الكاتب تماما، وهو ربما النيل من النقاد، أو توجيه رسالة إبداعية لهم، معترضا على طريقتهم في تناول النصوص.

وبسلاسة وعفوية وبمعمار فني جميل يوظف الكاتب رحلة الإسراء والمعراج، فقد غدا النصّ (البطل) هو المُسرى به ليعرج إلى قلوب القُرّاء المحبين المتذوقين، ويحمد للفاخري هذا التوظيف، إذ جعل النص نبيّا أو وحيا مقدسا ولم يجعله، على ما هو متعارف عليه، من إيحاء الجنّ، كما هو معهود العرب أن تقول، فهل كان ذلك لأنه يتحدث عن نصّ نثريّ؟ فهل كان النثر أعلى مرتبة؟ ربما ينحاز الفاخري للنثر، أليس القرآن نثرا، وبه الوحي قد نزل؟ وهنا يمكن أن يكتسب النثر دلالة مقدسة ووظيفة روحيّة، إنه الاندماج في الصنعة وخبرة الهداية الأدبية ما يوحي للكاتب نصّه هذا.

وأما الطرف الثالث الشاخص في هذه "الكأكأة" فهو الكاتب الذي يقف موقفه غير مدافع عن النصّ، تاركا النصّ ليثبت جدارته في معركة النقد، وكأنه يُحيي عنترة العبسي الذي قال يوما:

وَلَو أَرسَلتُ رُمحي مَع جَبانٍ       لَكانَ بِهَيبَتي يَلقى السِباعا

ولذلك يكون موقف الكاتب طبيعيا في نهاية هذه المُلحة البلاغية المكتنزة أدبا وفكراً وفصاحة، وحقّ له أن يفرنقع عن كل ناقد، لا يعرف من أين تؤكل الكتف، أو ناقد مدّعٍ يهرف بما لا يعرف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

<!-- شاعر وقاص من ليبيا من مواليد مدينة أجدابيا عام 1966.

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 155 مشاهدة

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

718,331

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.