فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

جنون مخيلة لفاطمة نزال

جنون مخيلة لحب موهوم لن يكون واقعا!

النص:

{جنون مخيلة
تلك القطرة، تحمل في رحيقها نواة عشق، قد تتفتق زهرا، ينبت على هامش نصٍ، فاضت به مخيلة أجهدها التصور لما بعد تلك الخصلة الغجرية.
يكفيك سوادها ليتلألأ في فضاءات حكاياتها حلم قد راودك.}

*****

القراءة:

النص الجيد هو نتاج تلاقح ما بين عناصر شتى، أولها الإحساس المرهف النقي المتحفز للإبداع، وثانيها لغة سهلة ميسورة تشعر بقدرتك على الفهم أو الهذيان، وتفتح مخيلتك المجنونة ليتفتق زهرٌ ما في نص، هذا ما جادت به مخيلة الكاتبة فاطمة نزال في قصتها القصيرة جدا "جنون مخيلة" لنكتشف أنها كانت تعاين مخيلة أخرى واعية تستبطن الحقيقة وترجو لها إيضاحا، وليس هناك من صراحة أعظم من صراحة المخيلة عندما تبوح عبر جنونها المتصبب إبداعا في نص ما.

يتشكل النص جسدا من ثلاث محطات، أولها العنوان، وقد أشرت إلى بعض جمالياته فيما سبق، وما زاد في رونقه وحسن إخراجه تلك البنية التركيبية بين متضايفين نكرتين، فهل إذا أضفت النكرة إلى نكرة ستعرف، لعل النحاة يقولون إنك ستخصص، ولكن الإحساس بالعنوان يجعلك لا تعرف تخصيصا ولا تحديدا، بل تستباح الذاكرة على مطلق آخر له شكل خاص من الدلالة التي زاد العنوان اتساعا وتبئيرا في الوقت ذاته.

وثاني أطراف هذا النص السطران الأوليان (تلك القطرة، تحمل في رحيقها نواة عشق، قد تتفتق زهرا، ينبت على هامش نصٍ، فاضت به مخيلة أجهدها التصور لما بعد تلك الخصلة الغجرية.)، وقد ابتدأته بجملة اسمية متوسلة باسم الإشارة البعيد تلك، أهي المخيلة المجنونة التي رأت القطرة بعيدة أم أن الواقع الفعلي هو ما يجعل القطرة بعيدة وحتى وإن كانت قريبة منا؟ فبُعْدُ منال الأشياء يجعلها أبعد ما يكون ولو كانت في ملمس اليد ومتناولها، بدأت الجملة بتلقائية، وكأنها تحمل عنصر المفاجأة أيضا، فعندما يفاجئك شيء ما فإنك تتخلص من كل الزوائد لتعبر عن دهشتك مباشرة، لذلك كانت تلك القطرة جملة كاملة معتمدة على محذوف، واستحقت بعدها أن تكون علامة الترقيم فاصلة بين جملتين وحالتين، فتتبدل حالة الدهشة والانفعال إلى حالة أكثر هدوءا أو هكذا نظن، أو هكذا أرادت الكاتبة أن تنقلنا من جو مشاعري محتدم إلى آخر أكثر هدوءا، ولعله جنون المخيلة التي تلعب بصاحبها، فتراه هادئا رزينا مرة ومنفعلا مرات!!

بعد تلك النفرة الانفعالية القوية في (تلك القطرة)، يبدأ السرد بتوظيف الأفعال المضارعة (تحملُ، تتفتق، ينبتُ)، وهي أفعال تشير إلى معنى الولادة، والولادة في الأدب وأفعالها تكتسب في الأغلب معاني إيجابية، حملت فتفتق الرحم ونبت العشق، ولكنها محملة بمعنى الاحتمالية المراوغة غير القاطعة، فكان استخدام حرف التشكيك (قد) سبيلا للتأرجح بين المعنيين، ويأتي دور المخيلة المجنونة لترسم بعدا آخر، ولكنها مجهدة متعبة في تصورها، وكأن ما رأتها أكبر من الجنون، وماذا رأت، إنها لم تر سوى خصلة من الشعر الغجري، وهنا تقفز للمخيلة قصيدة نزار قباني بكامل مشهديتها (قارئة الفنجان)، إنك تلمح طيفا، ولكنه يثير ويثير، ويجعلك عاشقا في لحظات.

وأما المحطة الثالثة من جسد هذه القصة القصيرة جدا فهو (يكفيك سوادها ليتلألأ في فضاءات حكاياتها حلم قد راودك.)، يتحول الخطاب، وتتحول اللغة إلى استخدام ضمير المخاطب، إنها تجترح لغة المنطق البعيد عن المخيلة المجنونة، وكأنها انتبهت من غفوة حلم، أو راقبت حالما أو عاشقا تعسا مهووسا بخصلة شعر غجرية، فيأتيه صوت العقل، ردا على صوت الجنون يكفيك سواد تلك الخصلة، يكفيك لونها وما شاهدتها منها، فلا تحلم بأبعد من ذلك يا مسكين، فلتصحُ من حلم قاتل راودك وجعلك تمارس جنون مخيلة لن ترحمك، وهنا يكتشف القارئ أن ثمة حواراً خفيّاً، بين اثنين، وربما كانت نجوى نفسية وحوارا داخليا، فهذا هو المجنون يكلم نفسه ويحاورها أكثر ما يحاور الآخرين ويناقشهم، وخاصة إذا كان مجنون عشق، واستولت عليه فتاة ذات شعر غجري مجدول يسافر في المطلق ليحلق في أبعد البعيد حلما لا ينال ولا يطال.

لك الله كم أثرت فيّ جنون التفسير والتأويل في قصة لا تتعدى (33) كلمة، ولكنها الفكرة العاقلة في فضاء مجنون يفتح الروح على مصراعيها لتقول في هامش النص بعض كلمة، ليبقى النص متوهجا شفافا فلزيا مشعا في كل قراءة، لن تنضب له رؤيا ولن يجفّ به الحنين!!

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 190 مشاهدة
نشرت فى 5 يناير 2014 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

722,537

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.