فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

نشرت صحيفة الحوار الجزائرية النص على صفحتها (أفكار)، يوم الأربعاء 2/1/2013

 

--------------------------

أتلك أناقتها أم أناقة قهوتها؟ – بقلم / فراس حج محمد 

تلك أناقتها أم أناقة قهوتها؟ سؤال يفتح للقهوة معنى جديدا وخاصا، كما هي تماما، فلست أدري أيهما أكثر أناقة هي وهي في كامل تجلياتها وروحها وألقها ورقة حديثها، أم تلك القهوة وهي تركن برصانة أنثى حيية متربعة في فنجانها؟ معنى أثار في مخيلتي كل ذلك، آخذاً في سرد التفاصيل فتعييني الحيلة وتعجزني اللغة، وأيُّ لغةٍ تستطيعُ أنْ تجد لها ألفاظا لتحويَ تلك المعاني، إنها لا تُوزن بأي ميزان سوى ميزان الرهافة والمطلق، إنها قهوتها المرّة بطعم أنوثتها الحرّ.
لعلّ روحها حدثتني بأنّ القهوة دالّتها وسرّ حضورها، واستقامة وزن في قصيدة شعرية فارهة اللغة كمركب مزهو بالخدم والحشم والأماني الجامعة، لعلّ روحها حدثتني أنها شبيه القهوة في طعمها الذي لا يزول ولن يزول مهما تطاول اليوم، إنه يركن هناك ليتشبع في كل ذرات الجسم والعقل والروح، لتستطيع الحياة أنْ تسير، فلولا بوح بخار قهوتها في ندى الصباح لما كان للوقت معنى.
أستحضر المعنى ومعنى المعنى، وأدور حول اللغة لأحاول رسم مشهد بليغ أنيق يليق بأناقة قهوتها فلم أجد، أبتعد في اللغة قليلا، أحاول أن أكون كصوفيّ يرسم أشكالا في خيالات روحه، أحاول أن أسطر أناقتها وأناقة قهوتها ببعضٍ من اتزان الجمل، تأبى وتعاند، وتظلّ هناك راقية وأنيقة وتفتح المعنى على كل معنى، ولا أستطيع لها تفسيرا، إنها لَمَعَانات الفجر وإشراقات الأفكار في عقول الفلاسفة والمفكرين.
ربما تسلل الوهم إلى الروح فأصاب اللغة بعضٌ من مرضٍ لا تشفى منه إلا بالموت أو الحضور أو احتساء فنجان من القهوة في طقوس أعدتها على بوارج الكلام لتكون هي سيدة المكان والزمان، الكاتبة والمكتوبة، الآسرة المطلقة المغردة في فضاء الله، تاركة فنجانها قشرة ذائبة تشقيه الذكرى، ولا تنفعه أناقته إذ غادرته القهوة، فهل بمقدور الأغلفة أن تصنع معنى مجردة عن سرها ومكنونها، هذا ما حدث معي ومعها ونحن نحاول أن نسكب بعض ماء أرواحنا في دلّة الوقت لنعد قهوة مشتركة، فنضبت ماء الروح، والدلة أضحت مثقوبة، وتكسّر الفنجان، وتلاشت طقوس القهوة حرفا حرفا، وبقيت القهوة معنى مجردا سابحا في الخيال، فلا أنا شربتُ معها ولا هي أعدت لي ولو فنجانا واحدا.
كم أشقاني انتظار قهوتها، وأتعبني الشوق لرؤية أناقتها، وغادرت الفضاء، لتختبئ بعيدا حيث أسرار الروح وستائر السماء وحجب الغيب تحجب ذاتها، وصارت المسافات بعيدة، غزلها الوهم وأرذلها الجنون، والمنتصر الوحيد هو القهوة بأناقتها المعتادة، فقد بقيت هي تشربها مُرّة وتستذكر ربما ذكرياتِها، وأنا لم أزل أشربها مرة إكراما لها ولأناقتها وذكرى حضورها الطاغي.
لها وللقهوة الأغنيات القادمة والفرح المستكن في ذات الزمان لعل حنين الناي وأنينه يُرجعانها لتكون أبهى بفنجان أنيق يزداد أناقة وهو بين أصابعها ينعم بملمس دافئ من أنامل دافئة زخرفها النعيم والحسن، فتجلت أناقة كل شيء وصار الزمان والمكان يرقصان على أنغام تلك المُنَعّمة المزهوة بعبير أناقتها التي لا يحدها حدود، وتعجز اللغة أن تصفه، مكتفية بكلمة واحدة، في جملة واحدة، أنيقة، كأناقة الوقت عندما يزهر ربيعها ويتورد خداها اتقادا في موعد قد يأتي، فلن أيأس، ما دمت أشرب القهوة بأناقتها وأستحضر طيفها فيها.  

المصدر: الحوار/ فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 149 مشاهدة
نشرت فى 2 يناير 2013 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

582,172

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024.

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.