فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

 

يا ليتهم يتدبرون أن العالم يحتاج المحبة والإنسانية واحترام الآخر!!

فراس حج محمد/فلسطين

وقفت مليا أمام ما حدث مؤخرا، وما أثارته الضجة الإعلامية حول فيلم "براءة المسلمين" المسيء لمشاعر المسلمين، والذي يتعرض لشخص الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام بمحاولة التفسير الفج لبعض محطات من حياته صلى الله عليه وسلم، وإزاء ذلك كله أوضح نقاطا مهمة في هذه الوقفة ضمن سياقاتها الواقعية والسياسية بالغة الدلالة.

أولا: لم يكن هذا العمل الدعائي أول ما تعرض له المسلمون والإسلام والرموز الدينية الإسلامية للانتقاد، ولن يكون الأخير بطبيعة الحال، بل إن هناك كما لا بأس فيه من المواد الثقافية التي تنتقد الإسلام وثقافته، ومنها وعلى رأسها القرآن الكريم، ومحاولات البعض التظاهر بأعمال مبهرجة للفت الأنظار مثل حرق نسخ من المصحف الشريف، كما حدث في أمريكا من ذي قبل أيضا، وكذلك فإن مؤلفات العديد من المؤلفين المغمورين تناولت الإسلام والمسلمين، ركضا وراء الشهرة وتحقيق مكاسب مادية، غير آبهين بالمشاعر الإنسانية للآخر المسلم الذي يشاركهم العيش في هذا العالم، وكأن كل مقررات التسامح الأممية لم تُجْدِ نفعا في صقل شخصية تحترم الآخر وتمنحه حق أن يمارس طقوسه وعباداته وأن يقدس رموزه كما يرغب وكما تمليه عليه ثقافته، ومن حقه على غيره ألا يستهزأ بها أو تهان.

ثانيا: تدور حول تلك الأعمال في مجملها أو بعضها على الأقل شبهات سياسية دقيقة، وذلك لو تمعنا في قراءة توقيت كل حادثة من تلك الحوادث التي يطبل لها الإعلام ويزمر، فعرض الفيلم الأخير أو مقاطع منه على شبكة الإنترنت جاء محققا منافع سياسية لمن يقف وراءه، إذ لا يقف وراء هذه الأعمال أشخاص دون أن يكونوا محميين من جهة لها سطوة وقوة، قد تكون حزبا أو جماعة متطرفة، وأحيانا تقف وراءها دول بكاملها، بدليل أنها توفر الحماية لصانعي مثل تلك القنابل التي تدمر نسيج الإنسانية، ففي الوقت الذي تناضل فيه الشعوب العربية من أجل إزاحة أشباح الدكتاتورية يجيء هذا العمل من أجل تحويل الوجهة إلى غاية أخرى بهبات شعبية سرعان ما تنطفئ إذ إنها لن تحقق أي مكسب، إلا أن تكون ألهيات مؤقتة لحين تدارك الأمور والتفكير في صنع قنبلة موقوتة جديدة، لتنفجر فينا أولا قبل أن يمس تلك الدول وأولئك الأشخاص أي مكروه.

ولعل الفيلم الأخير يستخدم كذريعة للتدخل في شؤون تلك الدول التي حدثت فيها هبات جماهيرية بحجة حماية السفارات الأجنبية، كما حدث وطلبت أمريكا من الحكومة السودانية إنزال قوات عسكرية من أجل حماية السفارة الأمريكية في الخرطوم، ولعل حادثة مقتل السفير الأمريكي في ليبيا تكون أكبر عامل للتدخل في الشأن الليبي ولو من تحت الطاولة، بعيدا عن التظاهرات الإعلامية، فما يريد أن يحققوه من نتائج يعملون له بصمت.

أما الملاحظة الثالثة التي يجب أن نفكر بها مليا، هي ردود الأفعال التي يقوم بها المسلمون احتجاجا على تلك الأعمال العنصرية، فمهما بلغت تلك الأعمال من قوة وعنف فإنها لن تحقق ما يرجوه المسلمون من نصرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه ببساطة شديدة هي هبات للتفريغ النفسي، ثم تخمد، ويتابع الكل حياته وكأن شيئا لم يكن، ورب سائل يسأل هل يظل المسلمون مكتوفي الأيدي وهم يرون مقدساتهم تنتهك وحرمات دينهم يعبث بها اللاهون والغوغائيون؟

إن حركة المسلمين التلقائية العفوية ضد هذه الأعمال مبررة، بعيدا عن التخريب والأعمال التي تدمر نصاعة الاحتجاج وإيصال صوت تلك الشعوب، ولكنها غير كافية إذا لم تتخذ الدول القائمة في العالم الإسلامي ردودا ومواقف صلبة تجاه تلك الأعمال، وأن يكون هناك قدرة سياسية فاعلة على مستوى العالم من أجل تجريم وتحريم الإساءة للأديان بشكل عام، ولا يجوز أن تتذرع دولة من الدول بأن ذلك من حرية التعبير، فشتم الناس والاستهزاء بمشاعرهم الدينية المقدسة لا يمكن أن يكون يوما ولا في أي منطق سليم حرية تعبير، وأن تطالب هذه الدول بصفتها دولا تنص دساتيرها على أن دين الدولة الإسلام وبأن الشريعة الإسلامية مصدرا من مصادر التشريع، وبأن حكامهم مسلمون ويحكمون شعوبا جل أفرادها من المسلمين، أن تطالب بمحاكمة مقترفي مثل تلك السخافات التي هي – فعلا- تغذي الإرهاب الدولي، وتهدد السلم العالمي، فإن كانت الدول الكبرى معنية بالأمن والأمان العالميين عليها أن تسارع لمنع تلك الأعمال قبل أن يجتاح العالم طوفان لن يستطيع أحد رده أو دفعه، فالضعيف لن يظل ضعيفا أبدا، والقوي لن تدوم له قوته دهرا متطاولا، فقد علمنا التاريخ أن الأيام دول، فهل لهم في التاريخ عبرة وعظة؟؟

وأخيرا أقول: إن تلك الأعمال مهما بلغت من سوء واستهزاء وإثارة العواطف والاشمئزاز والقرف فإنها لن تؤثر في عظمة الرسول الكريم الذي شهد له بتلك العظمة مفكرو الغرب والشرق، وما هي إلا فرقعات إعلامية، تدغدغ مشاعر النقص عند منتجيها، ولن يكون الرد من المسلمين بمثلها لسبب بسيط وهو أن كل الأديان السماوية هي إرث للمسلم، فإنه يعترف بنبوة عيسى وموسى والأنبياء جميعا، لا تفريق بينهم، وهؤلاء جميعا جزء من عقيدة المسلمين، مثلهم مثل محمد صلى الله عليه وسلم، فلم يحدث على امتداد التاريخ الإسلامي الطويل أن قام أحد من المسلمين بازدراء نبي مرسل، وإن حدث فإنه كان يتعرض للمساءلة والمحاكمة العادلة التي تنسيه وتنسي غيره وساوس الشيطان، لذلك ظل الأمن والسلام العالميان متحققين في ظل تلك المجتمعات، فهل للغرب من وقفة مع تلك التجربة التاريخية المتميزة بتسامحها واحترامها للآخر؟؟

يا ليتهم يفعلون ويتأملون، ويا ليت المدعين والمبهرجين والمهرجين يكفون عما يؤجج الصراع، فالإنسانية محتاجة لما يساعدها على أن تعيش بهدوء، فإراقة الدماء من أسوأ الأفعال وأرذلها، يا ليتهم يتأملون يا ليتهم يتدبرون!!     

 

المصدر: خاص بالكاتب فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 216 مشاهدة

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

723,807

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.