فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

رسالة إلى جمهور التافهين جميعاً:

قلبي معك يا غادة

فراس حج محمد| فلسطين

هذه رسالة لكل التافهين، ولا أرجو المعذرة من أحد على هذا الوصف. ومناسبة هذه الرسالة ما تعرضت له الكاتبة السورية غادة السمان بعد موت ميلان كونديرا، إذ افترض هؤلاء أن غادة السمان على علاقة بميلان كونديرا وأنها ستقوم بنشر رسائله لها، على غرار ما فعلت مع غسان كنفاني، وأنسي الحاج، وأعلنت عنه أيضا بوجود رسائل لبليغ حمدي ونزار قباني كانا قد أرسلاها لها.

هؤلاء القوم لا يعرفون كيف يتصرف الرجال في مثل هذه الظروف، أو أنهم يعرفون ويغضون الطرف، ادعاء للمثالية والحكمة، أو لمجرد المشاكسة غير اللطيفة، إن هؤلاء الكتاب لا يتركون امرأة دون أن يراسلوها، ويحبوها، ويتمنوا أن يناموا معها، بل إن هذا الصنف من الرجال، يعتبر أية امرأة هي محصلة حاصل عشيقة ضرورية له، لا تصلح حياتها دونه، لذلك يدخل عليها بالعالي، من بداية المحادثة ويطلبها لفراشه، وما عليها هي إلا أن تلبي طلبه، وتحضر له هدية بهذه المناسبة اللذيذة!

من المؤكد جدا أن كل هؤلاء وآخرون غيرهم قد راسلوا غادة السمان، وعشقوها، ولو سألت أية كاتبة في العالم، ومنه العالم العربي عن عدد الرسائل التي تتلقاها يوميا من كتاب ومثقفين لسمعت العجب العجاب. كثيرات من صديقاتي الكاتبات ضقن ذرعا بهؤلاء العشاق المولهين، فقائمة الحظر لديهنّ طويلة جدا أطول من قائمة الأصدقاء، فالرجال مهووسون بالنساء بشكل لا يكاد يوصف بالكلام وبالكتابة، فهذا أمر يعاش فقط، ولا يكتب، لأن الكتابة ناقصة لا تستطيع أن تفيه حقه!

ليس ذنب غادة السمان أنها امرأة جميلة وجذابة، وليس ذنبها أنّ رجالا كثيرين راسلوها وأحبوها، وليس ذنبها أيضا أنها أعطتهم ريقا في الحديث، وأرخت لهم الحبل قليلا، فمن حقها كامرأة أن تنتصر لأنوثتها فتدغدغها وتدللها، بكلامهم عبر رسائلهم منذ غسان كنفاني وحتى ميلان كونديرا وما بعد كونديرا، فأين المشكلة في ذلك؟

إن لغادة السمان فضل السبق في الكشف عن النفسية الذكورية في تعامل الرجال المثقفين (المحترمين) مع المرأة. لقد صدمت السمان المجتمع الثقافي والسياسي إلى حد اتهامها بتشويه صورة المناضل غسان كنفاني عندما نشرت رسائله. وليس مطلوبا منها أن تنشر رسائلها للكتاب والمعجبين وإن كانت بحوزتها، فهي حرة بما تنشر ومتى تنشر، فمن كتب لك رسالة خاصة هي بمثابة هدية، لقد غدت ملكك الشخصي، ومن حقك التصرف بها كيفما أردت، بحرقها أو بيعها أو نشرها، فهي للمرسل إليه وحده قطعا لا خلاف على ذلك، وهذا ينطبق على رسائلها للآخرين، فهي لهم، فإن رغبوا بنشرها فليكن، ولا يتطلب النشر إذنا من أي أحد.

فلا يجوز أن نلوم غادة أو أي كاتب أو كاتبة على نشر الرسائل التي تصله من الطرف الآخر، فهي له، ومن حقه وحده، لقد فعلتُ ذلك في كتبي السابقة، وسأفعله في مجموعة الرسائل التي أنوي نشرها. فمن كتبتْ لي رسالة فلا يحق لها مصادرة حقي في نشرها، مهما قالت عني ووصفتني بعدم النبل، وأنها لن تسمح بذلك، فلتضرب رأسها بأقرب جدار، ولتشرب ماء البحر، فلم يعد لها حق برسائلها إليّ.

هكذا علينا أن ننظر للمسألة، ولا يجوز التندر على غادة السمان ونفترض افتراضات غبية في أن أديبا ما كتب لها رسائل، لقد وصلت التفاهة حدها المفضي للغباء المطلق عندما تم تعديل غلاف كتاب "رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان" ليصبح رسائل ميلان كونديرا إلى غادة السمان، واستبدال الفاعل بصورة غسان صورة كونديرا.

غادة السمان كاتبة عالمية، وترجمت كتبها إلى لغات متعددة، وحضرت مؤتمرات دولية، وتعيش في باريس، مواطنة لكونديرا، ولا بد من أنها التقت بكتاب عالميين، ومن المرجح أنها لفتت بجمالها وذكائها بعضهم أو كلهم، فكل الأدباء واحد في شرق العالم وفي غربه، ويفكرون بالنساء بالطريقة ذاتها، ويعبرون عن رغبتهم بها بالكلمات نفسها تقريبا، لماذا يستكثر التافهون على غادة السمان أن يكتب لها ميلان رسائل؟ ومن هو ميلان كونديرا هذا ليقارن عندي شخصيا بغادة السمان؟ إنها عربية وقومية وكاتبة، وأحبَّها أنبل رجل في تاريخ ثورتنا المعاصرة، كل ذلك يجعلها أفضل في نظري من كونديرا وغير كونديرا. عدا أن كونديرا نفسه كاتب ذو إشكاليات سياسية كثيرة، تجعله غير كفء لغادة أو لغيرها من الكاتبات المحترمات.

والشيء بالشيء يذكر، فلم تقف تفاهة هؤلاء عند هذا الحد، بل تعدت إلى أن يكتب أحدهم؛ كاتب من الجيل الجديد، ناعياً كونديرا ويصفه بأنه صديقه، على الرغم من أن كونديرا ابن أربعة وتسعين عاماً. هذا جانب بسيط من "حفلة التفاهة" التي يصدمك بها أمثال هؤلاء، وليس فقط التنمر على غادة السمان، على الرغم من أنهم لم يكونوا قرأوا لكونديرا أي كتاب.

أنا لم أقرأ له بالمناسبة أي كتاب، ولن أقرأ له تحت الضغط النفسي، بل إنني لم أقرأ كل تلك الكتب التي يتبجح بها الكتاب أنهم قرأوها للكتاب الموصوفين بالكتاب العظماء الأجانب، من أمثال ديستوفسكي وماركيز وهاروكي موراكامي وآخرين، هذا الأخير لا أعرف كيف ينطق اسمه، ونسخته نسخا عن WEB SITE، بل إنني لا أحب كل عمل شائع بين هؤلاء المزيفين، وأبعد عنه وأنفر منه، جمعت في مكتبتي أعمالهم، ولم أستطع نفسيا قراءتها، اشتريت دان براون وماركيز ولم أقرأ لهما صفحة واحدة. لماذا لا يعترف هؤلاء التافهون بهذا؟ فليس عيبا أنك لم تقرأ هذا الكاتب أو ذاك. فلا أظن أن هذا يقدح بشخصيتك أو ينتقص من قدرك الثقافي إن كنت مثقفا فعلا.

أما الكاتبة غادة السمان فأقول لها: إنّ قلبي معك، وأنا على علم أن خزائنك حافلة بالأسرار المدهشة الصادمة التي لا يحتملون وهجها، وما فيها من لوعة ولهفة تغصّ برسائل هؤلاء لتكوني لهم عشيقة وحبيبة. أيتها الغادة امضي، ولا تلتفتي، وأشعلي جميع المصابيح، ولتعشَ العيون الكليلة، وليموتوا بحسرتهم، فهم يستحقون من التفاهة ما يستحقون، فليشربوا منها حد الثمالة...

الكاتبة غادة السمان؛ وحدك من بين هؤلاء جميعاً تستحقين الاحترام؛ ليس لما تمتعت به من جرأة في محيط غبي، بل لأنك كنت المرأة الأشد واقعية في حياتنا هذه؛ الطافحة بالخيال المريض.

 

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 994 مشاهدة

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

722,373

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.