فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

حول حوادث الاعتداء على الأدباء والكتاب:

إلى من يدافعون عنهم: لم تقرؤوا تلك الكتب أنتم أيضاً

فراس حج محمد| فلسطين

على خلفية ما تعرض له سلمان رشدي من اعتداء عليه، بالطريقة ذاتها تقريبا التي تم فيها الاعتداء على نجيب محفوظ، طعنات متعددة منها في منطقة العنق، انهالت بكائيات الكتاب في تمجيد حرية التعبير، شرقا وغربا، واصفين العمل بأنه عمل إرهابي وحشيّ. حادثة الاعتداء على رشدي أعادت إلى الواجهة ما حصل مع نجيب محفوظ، أو ما تعرض له الدكتور  حامد نصر أبو زيد وحيدر حيدر، ونسي القوم- على ما يبدو- فرج فودة الذي ذهب ضحية الجماعات المسلحة. لكل واحد من هؤلاء قصة لا يمكن أن تجتمع كلها معا إلا عن طريق التلفيق وإجبار الجمل لأن يدخل في سم الخياط، وأما بخصوص سلمان رشدي تحديدا، فلا بد من بيان النقاط الآتية:

- لا يصح تحميل النظام الإيراني مسؤولية الاعتداء عليه، لأن الفتوى بمقتله تجاوزها النظام وحكامه ولم يعودوا يحفلوا بها، بل جاء الاعتداء على رشدي في قلب أمريكا، في نيويورك في مؤتمر، وعلى الهواء مباشرة. لقد تمكن الإرهابي من طعن رشدي 18 طعنة، قبل أن تتمكن الشرطة من السيطرة عليه، سلمان رشدي كان يعيش في بريطانيا باسم مستعار وتحت حراسة مشددة ما الذي جعل هذه الحراسة معدومة، بل ويتمكن المعتدي من الوصول إليه بهذه السهولة ويستمر في تسديد الطعنات. غالب الظن أن الأمر لم يكن أكثر من ورقة ضد النظام الإيراني، ولعل مفتعلها ممن لا يريدون للاتفاق النووي أن يتم، فلم يكن محور الأخبار الموالية لأمريكا عربيا ودوليا إلا فتوى الإمام الخميني، وتسجيل قديم للسيد حسن نصر الله يحرض فيها على مقتله، فهل تستطيع أمريكا أن تذهب في تحقيق مستقل للكشف عن الفاعل الحقيقي؛ من يقف وراء المعتدي؟ على عائلة سلمان رشدي أن يطالبوا بمثل هذا التحقيق وأن يطلعوا على أدق التفاصيل فيه.

- كل ما قرأته من مقالات صحفية تتهم المعتدي أنه لم يقرأ رواية رشدي موضع الجدل، بل إنني على يقين أنهم أيضا هم هؤلاء المدافعون عن رشدي لم يقرؤوا تلك الرواية التي وصفها نقاد بالبائسة، ولم تكن رائجة في الأوساط الثقافية، وحسب علمي أنها غير مترجمة إلى العربية، وهي رواية- كما جاء في أحد التقارير الصحفية- مؤلفة من أكثر من (500) صفحة. ومن يستطيع قراءة رواية بائسة تمتد إلى مثل هذه المساحة؟ وأنه ثمة ما هو أكثر أهمية منها صدر قبلها، ولم يكتسب شهرته الأدبية منها بل من أعمال أخرى أكثر فنية، أيضا كما جاء في بعض التقارير.

- إن هذه المقالات الواقفة مع رشدي تكاد تكون نسخة واحدة مكررة، المعنى نفسه، والتهمة واحدة، وهي نفسها التي كنت قرأتها في حادثة الاعتداء على نجيب محفوظ، بل إن كثيرين ممن دافعوا عن نجيب محفوظ لم يقرؤوا روايته تلك موضع الجدل أيضاً كما لم يقرأها المعتدي. لقد باتت هذه المقالات تعاني من البؤس الشديد إلى درجة الملل، فما عليك إلا أن تغير أسماء الأعلام لتكون صالحة في حادثة قادمة مشابهة. إن تهمة عدم القراءة لاحقت المرشد العام للثورة الإيرانية الإمام الخميني رحمه الله، كما جاء في تقرير لفضائية عربية موالية لأمريكا.

لا أحد يستطيع أن يوجه لكاتب يقف ضد الاعتداء على رشدي سؤال: هل فعلا قرأت الرواية؟ وهل بإمكانك أن تعطينا- نحن الجهلة الكسالى- نبذة عن الرواية تؤكد أن الروائي لم يمس معتقداً؟ على كثرة تلك المقالات لم يتطوع أحد ليزيل جهلنا، بل ظل الجميع سادرين في غيهم، يمجدون الضحية ويشطنون الإرهابي المعتدي، ويتحسرون على العالم.

وهل يعتقد هؤلاء الأغبياء أن جمهورا واسعا يثور ضد كاتب أو قضية لا يعرف عنها شيئاً؟ يكفي هنا في هذه المسائل أن يقف الناس وقفة جادة بناء على رأي صحيح من شخص تثق فيه الجماهير، كما تفعل هذه الجماهير في السياسة؟ إنها تنصاع للحاكم لأنها تثق فيه أو لأنها تخاف منه، إنهم يتناسون "سيكولوجية تحريك الجماهير"، ليس مطلوبا من كل فرد أن يطلع على خيانات الحاكم ليثوروا ضده، إنما قام به أحدهم والجماهير تثق فيه، وعليه تقاد الجماهير وتتحرك.

عندما اشتعلت فتنة "حيدر حيدر" وروايته "وليمة لأعشاب البحر" في التسعينيات، قرأت من بعض من دافعوا عن حيدر حيدر عن روايته، وفسروا المواقف الإشكالية فيها فنيا، لقد كان الكتّاب في ذلك الوقت أكثر رصانة وحكمة ومقولية، على ما يبدو مما هم عليه الآن. في حالة حيدر حيدر لم تكن السيطرة على العقول بهذه السهولة التي نقع فرائس لها هذه الأيام.

- على أية حال، من يتحمل مسؤولية نفخ سلمان رشدي هو تلك الفتوى الشيعية التي جاءت بناء على مصدر معارضة سنية في باكستان، ولعل ظروف نشأتها كانت سياسية، فمعروف عن الخميني أنه كان ضد كل ما يفرق بين السنة والشيعة، وقام بإجراءات متعددة حتى لا يؤذي المشاعر الدينية للمسلمين السنة في إيران، وكان بحاجة والثورة في بدايتها تقريبا إلى تعزيز الثورة ومكانة إيران الإسلامية، هل معنى ذلك أن الإمام تسرع في إصدار الفتوى؟ وهل إلى هذه الدرجة يتم إهدار دماء الناس؟ هنا يجب ألا نصدق أن رجلا كالخميني اكتفى بكلام عابر ليصدر فتواه، بل إن عنده من الأدلة الكافية لفعل ذلك. لقد سعى الإعلام الأمريكي المتصهين شيطنة الخميني وتجهيله، وهذا أيضا من دائرة الحرب على النظام الإيراني الذي يخوض معركة ليست سهلة مع العالم من أجل إثبات حقه في أن يكون له مشروعه النووي. إنه صراع سياسي محتدم، وكل الأسلحة فيه مشرعة وشرعيّة.

- أعتقد أنه لا أجمل ولا أنفع من ألا يدخل الأدب في معمعة الصراع السياسي، وقتل الأدباء، وأفضل طريقة للخلاص من رشدي وأمثاله هو السكوت عليهم وعدم منحهم فرصة أن يكونوا أيقونات حرية، فمثل هذه الأحداث تصنع منهم تماثيل حرية خاوية، تمرر من خلالها كثير من الأهداف. لذلك فإن ما حدث أيام طه حسين في الرد عليه وعلى أطروحاته في كتابه "في الشعر الجاهلي" هي أسلم طريقة، مواجهة الحجة بالحجة، بل إنه أنتجت الكثير من المؤلفات النافعة التي ما زالت مراجع ومصادر إلى اليوم، لكنني أعود وأكرر بصريح العبارة: أنه من الممكن أن يكون وراء هذا الحادث والأحداث المشابهة أيدي مخابرات قذرة، لتحقيق مصالح سياسية. فلا تدري كيف يدار هذا العالم، وأي آلهة خفية تلعب به، حتى أنني أكاد أكون على يقين أنه لو انقطعت الكهرباء في قريتنا النائية التي تقف على طرف العالم الهش سيكون وراءها يد تعمل لصالح الإرهاب العالمي التي تقوده أمريكا، وينفذه عملاؤها، فهل كثير عليهم أن يهيئوا الأجواء ليطعن رشدي 18 طعنة قبل أن ينقل إلى المشفى؟

- أتمنى لرشدي السلامة فعلا، لكن عليه وعلى أمثاله ألا يقعوا فرائس النظام العالمي المجرم، فهل سيتعلم هؤلاء القوم الدرس؟ أم سنعيد الأسطوانة مع كل صنم حرية جديد لنظل ندور في الحلقة المفرغة ذاتها، ونعيد إنتاج ما لم يعد صالحاً للحياة من أصله.

 

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 287 مشاهدة
نشرت فى 20 أغسطس 2022 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

721,039

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.