فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

على هامش يـوم الكـتاب العالـمي (23 أبريل):

لمن يكتب الكتّاب كلّ هذه الكتب؟

فراس حج محمد| فلسطين

سؤال يُلحّ عليّ اليوم كلما تجولت في مكتبة عامّة أو خاصة، أو متجر لبيع الكتب أو البسطات المعنية بالكتب المقرصنة وغير الشرعية، مئات العناوين، وملايين الأفكار، متى سيجد الإنسان وقتا لكل هذا الكم الهائل من الصفحات ليُقرأ، أعتقد أن هناك ملايين الكتب في العالم منشورة ولم يقرأها سوى مؤلفيها أو الناشرون، حتى الناشرون لم يقرؤوا كل الكتب التي نشروها، أكّد لي ذلك أصدقاء ناشرون لا يكذبون، قد يقرؤون منها وليس كلها. على الكتّاب أن يكفّوا عن الكتابة. وعليهم أن يقرؤوا كل ما كُتب من كتبٍ أولا. هل من جديد باقٍ في عقول الكتّاب الحاليين والمحتملين، حتى هذه المقالة، لا بد من أن أحدهم في مكان ما وزمان ما قد سبقني وكتبها. فلا يفرح أحد ويدعي أسبقيته وأحقيته بأي فكرة أو أي موضوع.

يا ألله كم أكون محبطا من منظر الكتب كلما رأيتها تتصافّ على الرفوف وتتراصّ نزقة تشعر بالملل! كثيراً ما أشعر بعدم الجدوى من الكتابة، نكتب ولا قرّاء، ما الفائدة؟ هل يفيد في ذلك أن نعزي أنفسنا بالقول "يكفينا قارئ واحد" كما تقول ملهمتي لي دائماً؟ بالتأكيد لا يكفينا. كم نويت أن أشتري مجموعة من الكتب أختارها وأتراجع عن ذلك من شدة ما يصيبني من الإحباط. يزيد من هذا الإحباط زيارتي عدة مكتبات في اليوم الواحد، لاسيما المكتبات العظيمة. آلاف من الكتب في كل المواضيع. يتحشرج السؤال في حنجرتي، وتتلبد سحابته أمام عيني، لمن تطبع هذه الكتب؟ من سيشتريها؟ من سيقرؤها؟ ماذا فيها من أفكار؟ كل ما يفكر فيه الناس مكتوب، الأفكار العظيمة مكتوبة والتافهة أيضاً، كل ما يخطر في البال مكتوبٌ مكتوبٌ، مكتوب.

يا ألله كم هي خسارة فادحة أن تكتب في فكرة مسبوقة، وتعيد صياغتها. الجاحظ شخص رؤيوي عندما قال الأفكار مطروحة في الطريق، ولو شاهد الانفجار في عالم الكتب اليوم لقال أيضا إن الأساليب مطروحة في الكتب. كم هو متعب البحث عن فكرة طازجة وأسلوب غير مستعمل. هل يوجد فعلا أسلوب كتابي غير مستعمل؟ أشكّ في ذلك كل الشكّ، بل إنني على يقين أن كل الأساليب منتهكة، وأصبحت قوالب بالية، بدءا من وحداتها الصغرى وانتهاء بالتركيبة الكلية للنصوص. غدت مهمة الكتّاب الاجترار والتكرار.

لا شك في أن هناك الكثيرين من الذين يشبهونني من الكتّاب، أنا ضائع بينهم، عليّ أن أجد نفسي بينهم، عليّ أن أقرأ كل ما كُتب لأعرف أشباهي لأقتلهم فيّ. هذه هي مهمتي ككاتب أولا أن أغرّب نفسي عن أشباهها، يا لتلك العملية كم هي صعبة، وصعبة للغاية بل إنها مستحيلة. عليّ أن أقرأ كل كتب العالم، بكل لغات هذا العالم. يا ألله! وهل من وقت لكل تلك الكتب؟ مرعبة هذه الفكرة ومحبطة أيضاً.

مع الوقت، توالدت لديّ فكرة مهمة أن الفكرة الجيدة هي "الفكرة غير المسبوقة"، وأن الأسلوب الجيد هو "الأسلوب غير المنتهك". هل يمكن أن يكون هناك أفكار وأساليب غير مسبوقة وغير منتهكة؟ هل بقيت أفكار عذراء لم ينتهكها الكتاب حول العالم ولم يكتبوها وبما لا يحصى من الأساليب؟ أنا أعرف أن الكُتّاب- وأنا واحد منهم- يتغاضون عن هذه الحقيقة؛ لأنهم لا يريدون أن يقرؤوا، فالقراءة متعبة وشاقة، وقد تتحوّل إلى مرض أو هوس. إذاً، الكتابة هي الأسهل! وأقرب سبيل للغرق في وهم المعرفة هو الكتابة، وليس القراءة. هكذا يقول الواقع المقلوب.

في تأمل عالم الكتابة، سنكتشف جميعاً أننا "أغبياء" فعلا، وندفن رؤوسنا في الرمل، ليس من حل إلا التمادي في هذا الغباء المطلق. أن تكتب شيئا جديداً هو أكبر أوهام الكتابة حضوراً. لو كنت صاحب سلطة لمنعت إصدار أي كتاب جديد لمائة عام قادم. ولعملت على تبويب الكتب جميعها في العالم، وإن وجد ساعتئذ كتاب لم يكتب مثله، فليكن! ولكن هل سيقتنع الكتّاب "العظماء" بأفكاري، إنهم سيرمونني عن قوس واحدة ويشتمونني على الرغم من أنهم لن يضيفوا جديدا حتى في شتمي، من المؤكد أن آخرين قبلهم قد فعلوها في هذا العالم وشتموا آخرين غيري بالألفاظ والأساليب نفسها وبكمية الحقد ذاتها، وبالإيماءات والإشارات عينها.

من قال: إن الكتابة إبداع؟ إنها في ظل هذا الكم الهائل من جنون الكتابة عمل عبثي وكارثي وليست إبداعا مطلقاً، رضي من رضي وسخط من سخط. الله جل قدره، وهو العقل الكليّ لهذا الكون، لم يكتب إلا كتابا واحدا، ونسخ كل الكتب السابقة، فالله لم يرد أن يعترف الناس له إلا بكتاب واحد فقط، بعد أن ألغى كتبه السابقة وطلب من الناس إهمالها وعدم الاهتمام بها. لقد سبق الكتّابُ ربَّهم، في كثرة ما يكتبون. وهذا ما يجعلهم يتمادون في الغباء. لا تظنوا أنني لست من هؤلاء، بل إنني أشد منهم غباءً، لأنني أعرف هذه الحقيقة، وها أنا أكتب دافناً رأسيَ في الرمل، مدّعياً أنني آتٍ بجديد كلّما مارست الكتابة.

 

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 285 مشاهدة

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

723,805

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.