مقال للكاتب الأسير هيثم جابر:
يوسف الصديق بين الدراما والسياسة
بقلم الأسير: هيثم جابر
في زحمة الأعمال الدرامية التي تشهدها الشاشات العربية في هذه الأيام وما يتخلل هذه الأعمال من غث وسمين وأعمال لا تستحق المتابعة، ولا حتى الاهتمام، حيث درج في الآونة الأخيرة الكثير من المخرجين والمنتجين التوجه إلى الأعمال التجارية التي ليس لها هدف، لا تثقيفي، ولا حتى ترفيهي، ناهيك عن الأعمال التي تمجد اللصوص والحشاشين وتجار المخدرات وتقديمهم للمشاهد بصوره إيجابيه مما دفع الكثير من الشباب إلى تقليد أبطال هذه الأعمال الدرامية التافهة، وقد رأينا الكثير من الشباب يقلدون جبل في طريقة قصة شعره ولبسه ومن طريقة تدخينه السجائر إلى آخره.من سلبيات وخواء وابتذال.
في خضم هذه الأعمال البائسة التي ليس لها مضمون إعلامي ارتقائي، كما أسلفت، لفت انتباهي مقالة نقدية للأستاذ الرائع المتميز فراس حج محمد يتناول فيها العمل الدرامي الإيراني يوسف الصدّيق والتي اعتبر فيه العمل أنه يسئ إلى الانبياء، وأنه حدث خلل عقدي نتيجة تجسيد النبي يوسف عليه السلام، وأنه لا يخرج من إيران سوى الدمار والخراب، وما صدرت إلى أمتنا سوى كل شيء سيء، وهنا يخلط الصديق العزيز فراس حج محمد بين السياسي والفني بين الكره المذهبي وبين المهنية والجماليات الفنيه.
أنا تابعت هذا العمل الرائع وفي الحقيقة أنه من أروع ما شاهدت، له هدف واضح لا لبس فيه بكل ما جاء من سيرة عطرة للنبي يوسف عليه السلام، وجاء هذا العمل بكل تفاصيله كما ورد في سورة يوسف لا أقل ولا أكثر، أما مسألة تجسيد النبي من قبل ممثل قد يجسد شخصية أخرى قد تكون قضيه خلافية، ورغم أنني ضد تجسيد الأنبياء في الأعمال الدرامية إلا أن هناك أعمالاً لا تصلح إلا إذا كانت كل شخصياتها حاضرة، كما أن هناك فرقاً بين النبي والرسول، بين من يحمل رسالة ليعمل بها، ومن يحمل رسالة ليبلغها للناس مثل سيدنا محمد عليه السلام.
أنا ضد تجسيد شخصية سيدنا محمد (ص) من أي طرف كان، لكن يبدو أن صديقي العزيز فراس حج محمد آثر في مقالته النقدية كرهه وبغضه لإيران، وكثير من الكتاب للأسف تبدو مواقفهم السياسية أو الدينية أو الحزبية واضحة وجلية في كتاباتهم وأعمالهم رغم أن الناقد الأدبي أو السينمائي، أو من يكتب في مجال النقد يجب أن يكون موضوعيا حتى لو كان يكره أو يبغض من يكتب عنهم.
النقد يجب أن يكون موضوعيا، وليس هجومياً، هناك أعمال درامية وسينمائية صنعت التاريخ وساهمت في نشر الإسلام مثل فيلم الرسالة للمرحوم "مصطفى العقاد"، وهناك أعمال أساءت إلى العمل نفسه، وكان الهدف منها طائفيا أو مذهبيا، ولم يعط الشخصية المجسده حقها مثل العمل الدرامي "عمر" الذي من وجهة نظري أساء لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أكثر مما قدم له وللإسلام شيئا، حين تناول العمل أكثر من عشرين حلقه لحياة عمر في الجاهلية وعشر حلقات فقط في الإسلام. عمر الذي بنى الإسلام واكتملت الدولة الإسلامية في عصره.
تُختزل حياته في ثلاثين حلقه فقط، عشره منها في الإسلام، أستغرب كيف وقع الأستاذان الكبيران في هذا الخطأ، الأستاذ المرحوم حاتم علي والأستاذ الدكتور وليد سيف حفظه الله.
العمل الدرامي الإيراني "يوسف الصديق" تناول حياة النبي في مراحلها بكل تفاصيلها ،كما جاءت في السورة القرآنية الكريمة حتى لو كان هناك شيء من التفصيل في كتابة السناريو، ولن ترد في السورة الكريمة، فهذا ليس فيه خلل عقدي أو ديني، فلم ترد مثلا اسم امرأة العزيز في السورة الكريمة ولا أسماء إخوته، لكن وردت في كتب سماوية أخرى ومصادر أخرى وعرفنا اسم زليخة من مصادر غير القرآن الكريم، وهذا لا يضر العمل شيئا.
كنت أتمنى أن أرى رأي الأستاذ فراس حج محمد في مسلسل عمر، وكذلك في العمل الدرامي"أرطغرل" التركي الذي احتوى على أخطاء تاريخية كبيرة ناهيك عن الخيال الكبير فيه. كذلك مسلسل عمر الذي جعل من وحشي بطلاً قومياً وإسلامياً، رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب منه أن لا يريه وجهه طوال ما هو حي، ولم يره النبي الكريم طوال حياته، أما أن إيران تصدر لنا كل شيء سيء ولم يأت خير من ثورتها الإسلامية فهذا كلام سياسي وطائفي وخلط السياسي بالفني والإبداعي، وهناك الكثير يختلفون مع صديقي فراس حج محمد من هذا الجانب.
ملاحظة: نشر مقالي في كتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، الفصل الثامن، ص195. ونشر مستقلا في موقع رابطة أدباء الشام.