فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

في تأمّل تجربة الكتابة:

مع سلسلة كتاب مجلة "ميريت الثقافية"

فراس حج محمد/ فلسطين

مع الإصدار المجاني الثالث لسلسلة كتاب مجلة ميريت الثقافية، أيلول، 2021 تكون مجلة "ميريت" الثقافية قد خطت ثلاث خطوات نحو تعزيز مشروع مهمّ في توفير مجموعة من الكتب للجمهور مجاناً، فقد بدأت هذا المشروع بديوان للشاعر سمير درويش، رئيس تحرير المجلة بعنوان "ديك الجن"، ثم مجموعة "دفتر عائلية" القصصية للكاتبة العراقية إشراق سامي، وأخيراً ديوان "تدريبات يومية"، للشاعر والناقد الدكتور محمد السيد إسماعيل.

تتميز هذه الإصدارات في أنها صغيرة الحجم؛ جاءت في "92" صفحة في كل منها، ما يجعلها سلسلة مشجعة على القراءة، إضافة إلى أنها مبنية من نصوص قصيرة داخل المجموعة الواحدة، ما يجعل كتب هذه السلسلة خفيفة الظل للقارئ العادي الذي تغريه النصوص القصيرة والكتيّبات صغيرة الحجم. وإن ابتعادها عن التعقيد في مادتها أيضا منحها ميزة إضافية، وكأنها تصرّ على محاصرة القارئ وتسد عليه الذرائع من أجل دفعه لأن يقرأ. وبهذا تكون هذه السلسلة قد تجاوزت كل تلك الإشكاليات المصاحبة لكتب السلاسل الأخرى، وخاصة المجانية منها على ما سأبينه لاحقاً.

تذكّر هذه السلسلة بسلاسل كتب دورية مجانية مهمة، تستهدف تقديم الكتاب مجانا لقرائها، ويقف على رأسها المشروع العملاق الذي استمر لأكثر من عشر سنوات "كتاب في جريدة"، وكانت تقوم عليه منظمة اليونسكو، إذ استطاع تقديم هذه الخدمة للقارئ العربي أينما وجد، وأيضا سلسلة كتاب مجلة دبي الثقافية، وهو كتاب مجاني يصدر مع عدد المجلة كل شهر، وتوقّف المشروع بعد أن احتجبت المجلة عن الصدور. وهذان فقط مثالان يحضران بقوة للكتب المجانية التي صدرت مع مجلات عربية تصدر شهرياً في بلدان عربية متعددة، وهي عادة ثقافية عرفتها المجلات العربية منذ أمد بعيد، ولكن لا بد من أن يدخلها التطوير والتحديث؛ تبعا للحالة والعصر والمستجدات الأخرى.

سلسلة كتب مجلة "ميريت" الثقافية تتميز عن هذين المشروعين المشار إليهما أعلاه، على أهميتهما الكبريين، في أن هذا المشروع مجانيّ بالكامل، إذ يكفي أن يكون لك حساب على الفيسبوك لتستطيع الوصول إلى كتبه، بل إن من فلسفة هذه السلسلة كما أعلنت دار ميريت الثقافية على صفحتها الفيسبوكية أنها "تعتمد أساسا، وأولا، على التوزيع الإلكتروني، عبر إرسال الكتاب على نطاق واسع للقراء والمهتمين بواسطة الإيميل والواتس آب والماسنجر، ونشره على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ومواقع تحميل الكتب المجانية"، بينما كان يتحتم على القارئ العربي أن يشتري نسخة من الجريدة التي ينشر فيها "كتاب في جريدة" ليحصل على الكتاب، فلم يكن موزعو الصحف يمنحنون القارئ العربي الكتاب دون أن يشتري الجريدة، بل كان الكتاب محفزا للباعة المتجولين لأن يبعوا نسخا أكثر من الجريدة لوجود الكتاب معها. ولعلّ بعض من كان يشتري الصحفية لا يحفل بها، بل يحصل على الكتاب، ويتبرع بالصحيفة لغيره، كما كنت أفعل.

وكذلك كان على القارئ العربي أن يدفع ثمن نسخة من مجلة دبي الثقافية للحصول على الكتاب. لقد كان كتاب مجلة دبي الثقافية كتابا كبير الحجم، وأظنه ليس مغريا للقارئ العادي- غير النهم- أو غير الباحث، وإنما كتاب يتخذ الطابع النخبوي، لاسيما وأن النسخة الواحدة من المجلة- ومعها الكتاب- كانت تباع في الأردن مثلا بمبلغ ثلاثة دنانير ونصف أي ما يعادل خمسة دولارات، هذا جعل السلسلة من وجهة نظري نخبوية، وليست عامة للقارئ العربي العادي محدود الدخل الذي يفضّل في المقام الأول شراء الخبز على شراء الكتاب. وهذا أمر طبيعي، فلا تستطيع أن تكون مثاليا مع مواطن عربي يبحث عن تأمين الخبز وقوت عياله، لتقول له: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان".

والشيء نفسه يقال عن سلاسل كتب مجانية أخرى تصدر مع مجلات عربية، كالمجلة العربية الصادرة في المملكة العربية السعودية، وككتاب مجلة الدوحة قبل أن تتحول المجلة إلى الرقمنة بشكل كليّ، وككتاب مجلة الرافد أيضاً.

أعتقد جازما أن البعد الاقتصادي عامل مهم في إشاعة الكتاب والإقبال عليه، وليس صحيحا أن "أمة اقرأ لا تقرأ"، إن قناعتي المبنية على خبرة عملية وواقعية تقول: "إن هذه الأمة تقرأ، وتقرأ كثيرا"، ولكن ما حيلتها إن وُضعت في سياقات البحث عن لقمة الخبز لتحتل هذه اللقمة الحافّ كل تفكير المواطن العربي؟ عدا متطلبات الحياة الضرورية الأخرى؛ فكيف لهذا المواطن أن يشتري كتابا ويقرأه وأبناؤه جوعى، عرايا، يضربهم البرد والحر، مهما كان الكتاب مغرياً في موضوعه وطباعته ورخيص الثمن؟

ميّزة أخرى تضاف إلى سلسلة ميريت الثقافية غير ما سلف، وتتمثل في أن الكتاب الذي يقدّم هو كتاب جديد يُطبع لأول مرة، وليس كتابا تعاد طباعته، كما في سلسلتي مجلة دبي الثقافية وكتاب في جريدة وغيرهما من الكتب المجانية لبعض المجلات، فهو- إذاً- ليس إعادة تدوير للمعرفة، هذا التدوير الذي يأخذ شكلين، أحدهما ما ذكرت آنفا في هذه الفقرة، وأما الآخر فيتمثل بما كانت تقوم به مجلة العربي الكويتية في إصدارها "كتاب العربي"؛ إذ كانت تقوم فلسفة الكتاب على إعادة طباعة مقالات سبق "للعربي" أن نشرتها في أعدادها السابقة لكاتب معين في كتاب مستقل، وإما أن تجمع مقالات كتّاب متعددين كتبوا في موضوع واحد. إنها إعادة تدوير- على أية حال- وإن لم تخل من فائدة للباحثين، إلا أنها لا تقدم معرفة جديدة للقارئ العربي غالباً سوى إحياء ما كان قديماً، وربما فقد هذا القديم أهميته بحكم التطور المعرفي المتسارع، وخاصة فيما يتعلق بالعلوم المحضة أو النظريات الفلسفية والعلوم الإنسانية.

إن سلسلة "ميريت" بما توافر فيها من خصائص تراعي التطور التكنولوجي، وانتماء القارئ إلى عالم سريع ومتطور، وارتماءه في أحضان الأجهزة اللوحية والحاسوبية والهواتف الذكية ستنجح في تعميم الكتاب وانتشاره، وستساهم في التعريف بسلسلة من الإبداعات والمبدعين الجدد، لتُقدّم في كتب ظريفة وخفيفة الظل، تُقرأ على مهل بمصاحبة فنجان من القهوة صباحا أو مساء.

إنه مشروع عبقريّ؛ إن استمر في المحافظة على خصائصه التي تساعده على الشيوع والانتشار: حجم المادة، وطبيعتها، وجدّتها، ومجانيتها وتكنولوجيتها المطلقتين، سيكون له شأن عظيم بلا شكّ، وخاصة إن أعطاه الكتّاب اهتماماً ورعوه ونشروا إبداعاتهم الجديدة فيه، وإن حققت أسرة تحرير المجلة التنوع التجنيسي للكتب، ونقّبت عن مبدعين حقيقيين لا يملكون المال الكافي ليدفعوه لدور النشر لتحقق لهم أحلامهم في طباعة كتبهم؛ إذ يقدم فرصة للتنافس الشريف للحضور الإبداعي في سلسلة أدبية ثقافية راقية، لعلّ القارئ يستمتع بما يُقدم له خلالها، كما استمتعتُ وأنا أقرأ الكتب الثلاثة التي صدرت حتى الآن، فتساعد القارئ على تشكيل وحدة انطباع تجاه هذا العمل الذي يقرأه دفعة واحدة دون انقطاع.

 

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 266 مشاهدة
نشرت فى 3 سبتمبر 2021 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

739,135

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.