فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

لماذا يصمت اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين عن أعمال السلطة الفلسطينية القمعية؟*

فراس حج محمد/ فلسطين

يبدو أن كل شيء في فلسطين مختلف تماماً، ويشكل حالة خاصة في كل شيء، حتى في التخلص من الخصوم السياسيين والثقافيين، فحادثة تصفية نزار بنات حالة تندرج ضمن هذه الحالة الخاصة التي أصبحت عادية في فلسطين، وما تبعها من تداعيات وخاصة من الأذرع الداعمة للسلطة الفلسطينية التي تسكت عما يحدث في كل مرة.

لقد ترك الاحتلال بصمته على عمل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وذلك واضح في عملية المداهمة؛ الوقت، والكيفية، والتعامل مع المطلوب. وليس الاحتلال فقط، بل أيضا تركت العقلية الأمنية العربية أثرها المقيت في عقلية عنصر الأمن الفلسطيني في أنه نسي للحظة أنه فلسطيني وأنه ينفذ الأوامر، كأن نزار بنات زعيم تنظيم إرهابي، ألقي القبض عليه بعد ملاحقة ومطاردة، ونسيت تلك العناصر أن نزاراً كان آمنا مطمئنا في بيته ينام ملء جفونه، وربما يحلم في أمر أبنائه الصغار وابنته التي ستذهب إلى امتحان الثانوية العامة. هنا أصبح رجل الأمن الفلسطيني "عاهة" مركبة احتلالية صهيونية مع أنظماتية عربية وقحة، لتنتج رجل أمن بطراز مركب يشتمل على كل السيئات التي يمارسها الطرفان، وكأن أجهزتنا الأمنية "مصرف" تتجمع فيه كل قاذورات الأنظمة العربية والأجنبية والاحتلالية.

هذا المشهد الاعتقالي، التصفوي فيما بعد، استتبع صمت رهيب من كل الاتحادات التي تنضوي تحت جناح منظمة التحرير الفلسطينية التي لم تعد تعنى بالتحرير إطلاقا، بل كل ما يعنيها أن تكون ظلا للسلطة الفلسطينية في سياساتها القمعية، في المظاهرات السلمية، وفي الخطوات الاحتجاجية والاعتصامات، وما ينجم عنها كذلك من مقالات وآراء معارضة. لقد تخلت كل الاتحادات عن دورها، بسبب الامتيازات الممنوحة لأمنائها العامين؛ نقابة الصحفيين، واتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين، واتحاد العمال، وغيرها. فلم نسمع ولم نقرأ لهذه الاتحادات أي شجب أو إدانة لما جرى، وصمت أمناؤها ونقباؤها صمتاً مخزيا محزناً. هنا أيضا تثبت تلك الاتحاد أنها ذراع آخر للسلطة. فاتحاد الكتاب الذي فُرض أمينه العام فرضا على الكتاب من المستوى الأمني السياسي لن يجرؤ على أن ينتقد ما حدث لنزار بنات أو لغيره، بل إنه لا يرى السلطة الفلسطينية وهي تضرب الناس في الاعتصامات إلا أنها تؤدي أعمالا وطنية، ويجرّم كل تلك الاحتجاجات التي يراها "ذات أجندة خارجية"، ويسارع إلى استحضار "شماعة الاحتلال" بلغة إنشائية محفوظة ومعلبة، تدعو إلى القرف والتقزز.

في كل مرة يبرهن اتحاد الكتاب الفلسطينيين أنه ليس على قدر المسؤولية ليحمل لواء الدفاع عن حرية التعبير والحقوق المدنية الأخرى، وحق الحياة والعيش بكرامة، فلهذه الحقوق جانب ثقافي أيضا، ولم نسمع من الاتحاد استنكاره لما يتم من اعتقالات سلطوية على خلفيات سياسية أو فكرية، لكنه "يتبجح" بخطاب شعبوي مقيت ضد الاحتلال. وجاهل جدا من يظن أنني أدعم الاحتلال أو ألا نقف في وجه العربدات الهمجية والاعتقالات التعسفية أو الأحكام الإدارية الجائرة، ولكن أنا ضد أن يتحول الاحتلال إلى شماعة أو مَذبّة يضرب بها الاتحاد وجوهنا ويحاول إخراسنا بها كلما طالبنا وقلنا "إن الحرية مسألة لا تتجزأ إطلاقاً".

عليك أن تنتقد كل ما يشوش فكرة الحرية سواء من الاحتلال أو من السلطة أو من الأنظمة العربية التي تعتقل كتابنا مثل اعتقال أشرف فياض في السعودية وغيره في دول أخرى، وألا تكون انتقائياً أيها الاتحاد. الانتقائية هنا حالة خاصة مذمومة جدا، وهي انحياز ضد الله والوطن والشعب وكل الأخلاق النبيلة، وبذلك فهي حالة إجرامية لا تخدم الأفكار العامة التي ينادي بها المثقف العربي والفلسطيني المنضوي تحت مظلة اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين.

أعلم علم اليقين ألا شيء سيتغير نتيجة هذا المقال، وأنه سيجلب المزيد من الحقد الثقافي والأمني عليّ من الاتحاد وغيره، ولكنني لا أستطيع أن أظل صامتاً. فلعل وعسى أن يأتي يوم يتمرد فيه الكتّاب جميعا على هذا الاتحاد المتجمد السلطوي، ويدعون إلى اعتصام أمام "رئاسة الوزراء"، تنديدا بما حدث ليس لنزار بنات وحده بل لكثيرين غيره ممن تطالهم يوميا أذرعة الأمن المدربة على الأذى، ولا تعرف غير أن تؤذينا نحن فقط معارضي سلطتها، اعتقالا، وضربا، وتصفية جسدية.

تلفيت/ نابلس
2021-06-25

ملاحظة: نشر المقال في موقع أمد للإعلام (المقال)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أصدر الاتحاد بيان إدانة بعد الحادثة بأربعة أيام، نشره على صفحته الرسمية في الفيسبوك بتاريخ: 28/6/2021، وموقع بــ 27/6/2021. (بيان الاتحاد)

 

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 169 مشاهدة
نشرت فى 28 يونيو 2021 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

725,228

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.