حول التعليم الإلكتروني:
تعقيب على مقال الدكتورة أفنان دروزة بخصوص التعلم الإلكتروني
فراس حج محمد/ فلسطين
نشرت جريدة القدس الفلسطينية في عددها الصادر يوم الأحد (18/10/2020، ص13) الجزء الأول من مقال بعنوان "التعليم الإلكتروني: النشأة والمفهوم والمشاكل والحلول" للباحثة التربوية أ.د أفنان دروزة، ثم نشرت الجزء الثاني يوم الأحد الذي يليه (25/10/2020، ص13) ولي على هذا المقال، بجزئه الأول ملحوظات من واقع عملي في سلك التربية والتعليم، وأمارس مهنة التعليم لما يقارب 25 عاما؛ معلما أولا، وثانيا مشرفا تربويا، وثالثا متدرّبا، ورابعا مدربا للمعلمين، وخامساً وليّ أمر لطلاب جامعيين، وفي المدرسة:
* التعليم الإلكتروني لم يكن وليد العام 2020، قبل نصف سنة كما تقول الباحثة، فقد عرف العالم بشكل عام والعرب وفلسطين التعليم الإلكتروني منذ مدة طويلة، وقد سبق لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية أن دربت المعلمين على بعض أنشطة التعليم الإلكتروني من خلال برامج نوعية، منها: دورة في الــ (ICT)؛ توظيف التكنولوجيا في التعليم (مدارس عبر الإنترنت)، وبرنامج WLAR، وبرنامج لبنات التعلم بالتعاون مع وحدة التعلم المستمر في جامعة بيرزيت، وبرنامج التعلم الذكي، وسبق أن دربتِ الوزارة المعلمين على دورات عامة إلكترونيه تحت برنامج اسمه (INTEL)، وكان منه دورتان متتاليتان منذ 2008 على أقل تقدير. ويبدو أن الدكتورة التي تعد نفسها خبيرة في التعليم والتعلم في فلسطين لم يكن لها اطلاع على هذه البرامج إطلاقا، وليس لها اطلاع كذلك على الجهد المبذول في المنظمة العربية للعلوم والثقافة أو تلك الخطوات المتقدمة لبعض دول الخليج العربي، وخاصة قطر، ولم يكن لديها اطلاع على الكتب التربوية الحديثة، وخاصة كتب المصطلحات التربوية، وهي كتب مؤلفة قبل جائحة كورونا، وبعضها متاح ومتيسر على الشبكة العنكبوتية مجانا، ويمكن للدكتورة وغيرها الاستفادة منها، كهذا الكتاب المفيد "المُعْجَم المُوحّد لِمُصْطَلحات الاستراتيجيات التربوية والتعليمية" الذي يعرّف ويشرح "592 مصطلحا باللغات الثلاث (العربية والفرنسية والإنجليزية)، وفهرسا عربيا وفرنسيا مصاحبا".
* أشارت الدكتورة إلى أن التعليم المفتوح وجد في بريطانيا منذ أوائل السبعينيات، ولم تتطرق من قريب أو بعيد إلى الجهود الفلسطينية في التعلم المفتوح، ووجود جامعة القدس المفتوحة، هذه الجامعة الوطنية التي حققت توفر فرص التعليم لآلاف الطلاب والطالبات وخاصة فئة العاملين والعاملات وربات الأسر، والفقراء ذوي الدخل المحدود. لقد كان لهذه الجامعة الفضل الكبير في توفير تلك الفرص، بما تقدمه من برامج التعليم عن بعد وتوفير تعليم أرخص في تكاليفه المادية سواء في الأقساط أو في حضور المحاضرات، مع نوعية تعليم عالية المستوى، تضاهي بل تتفوق على برامج جامعات محلية وعربية متعددة.
كما أن هذه الجامعة يتوفر فيها وحدة للتعلم الإلكتروني، وهي وحدة متميزة عالميا وعربيا ووطنيا، وأحرزت الجامعة في ذلك قصب السبق، وفازت بجوائز وأحرزت تصنيفات متقدمة بفضل تلك الوحدة في التعلم الإلكتروني، ودرّبت محاضريها على استخدام التعلم الإلكتروني قبل الجائحة بسنوات؛ منذ عام 2006، كما وفرت بوابة إلكترونية متطورة.
* أشارت الدكتورة أفنان دروزة إلى أن من معيقات التعليم الإلكتروني هو عدم تدريب الطلاب والمعلمين على أدوات هذا النوع من التعليم ومنصاته، وهنا لي ملحوظتان مهمتان؛ إذ يبدو أن الدكتورة دروزة غير متابعة للوضع التعليمي في فلسطين، حيث قامت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية عبر كوادرها المؤهلة لذلك بتدريب المعلمين والمديرين والمشرفين التربويين، على برنامجي ZOOM، وMicrosoft office Teams، بل لقد وفرت الوزارة نسخة مرخصة ومعتمدة من البرنامج الأخير لتكون منصة تعليمية متاحة لكل قطاعات التعليم الفلسطيني بدءا بولي الأمر والطالب وانتهاء بوزير التربية، ووفرت حسابات مجانية للطلاب والمعلمين والمديرين والمشرفين التربويين، ليتمكنوا من ممارسة العملية التعليمية بكل مراحلها بسهولة ويسر، وقد أتمت الوازرة عملية التدريب هذه في وقت قياسي، وانتهت في أوائل شهر أيلول من عام 2020.
وعلى الرغم من أن هذه المنصة (Microsoft office Teams) سهلة في الاستخدام، وتتيح لأي كان التعامل معها، فهي ليست بحاجة إلى تدريب ابتداء، وإنما إلى توفرها وإتاحتها، وكل ما في الأمر أن هذه الخبرة تكتسب أولا بأول خلال العمل، فقد أصبح العالم كله مثلا يستخدم تلك المنصات، فهل تم تدريب العالم من باحثين ومثقفين ومنظمي الندوات على ZOOM أو Teams أو غيرهما؟ ومع ذلك وحتى لا يحتجّ أحد على الوزارة، ولتكمل دورها على أتمّ وجه وأكمله، هيّأت كل العاملين في قطاع التعليم إلى التعامل معها بسهولة، وجعلت وحدات التقنيات التربوية في الوزارة وفي المديريات تحت تصرف طالبي المساعدة لإنجاح العملية التربوية.
* تسرد الدكتورة عدة مشاكل للتعلم الإلكتروني، وأغلب تلك المشاكل متوهّمة في عقل الكاتبة، تفترضها هي ذاتها لتجعل من القسم الثاني من مقالها حلولا لتلك المشاكل التي ليست هي في الحقيقة مشاكل أو معيقات لو كانت الباحثة باحثة فعلا ومطلعة على الواقع التربوي في فلسطين والدول العربية. وهذا لا يعني أنه لا يوجد مشاكل في هذا النوع من التعليم، بل له مشاكله التي أبرزتها الكاتبة، لكنها مشاكل ملموسة وحقيقية، وليست بخافية على أحد، فالكل يدرك تلك المشاكل ويعيها جيدا، من أولياء الأمور والطلاب وحتى التقنيون والفنيون الخبراء. ولم تأت الباحثة بجديد في هذا الجانب، فكررت ما ملّ الناس سماعه وحفظوه عن ظهر قلب، بل إنهم واقعون فيه.
* وأخيرا لم أكن لأشير لهذه الملحوظة لو كان المقال رزينا رصينا، ولكن التقى مع كل هذه الملحوظات التي سردتها آنفا هنات لغوية ونحوية، ولا يحق لباحثة بدرجة بروفسور أن تقول إنني غير متخصصة باللغة العربية، فقد كان بإمكانها أن ترسل مقالها لمدقق لغوي، عدا أنه ليس مقبولا من باحث مهما كان تخصصه أن يقع في أخطاء في اللغة التي يكتب بها، سواء أكانت العربية أم غير العربية. فما بالنا نبيح الخطأ ونتجاوز عنه في لغتنا الوطنية، ولا نسمح لأنفسنا بالخطأ إن كتبنا بلغة أخرى؟
وللحق أقول إن الباحثة قد حرصت في الجزء الثاني من المقال على ألا تقع في أخطاء لغوية ونحوية، ولم يرد في المقال سوى خطأ واحد، لعل مدققها اللغوي غفل عنه ولم ينتبه إلى الخطأ فيه، وربما دفعها الاهتمام بالتخلص من الأخطاء قراءتها لهذا المقال عندما نشر أول مرة بصيغته الأولى. اكتفت الدكتورة بالقراءة والتعلم وسماع النصيحة، فالتزمت وطبقت، وهذا جيد بل ممتاز، مع أن الباحثة أصرت على عدم الإشادة بالوزارة ومنجزاتها في هذا الجانب، وأهملت الحديث تماما عن ذلك، وأدخلت جزءا من تلك الإنجازات كأنها مقترحات حلول لبعض المشاكل التي طرحتها.
أرجو أن تقرأ الدكتورة أفنان هذه الملحوظات، وتحاول ما وسعها الوقت أن تطلع أكثر على الواقع، بجدية الباحث الرصين، وتأخذها بعين الاعتبار في مقالاتها القادمة، فهي على ما يبدو لم ترد أن تسمع النصيحة كاملة.