فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

وشيء من سرد قليل*

صُوَرٌ مجرّدةٌ ليس أكثر

فراس حج محمد/ فلسطين

صورة (1)

لا أثقُ بالنّساء الإلكترونيّات

إنّهنّ يخدعنني بشكل ظريفٍ

مملّ ومغفّل بعض الشّيء

أنا الآن أكثر قدرة على التّمييز

أصبحت راشدا قليلا، وغير مراهق

أصدّ الرّياح العاصفة تلك الّتي تأتي دوما مع الخريف

النّساء الإلكترونيّات إنّهنّ دوما غبشُ الشّاشة

وحليب الاحتلام في اللّيل المخيف

النّساء الإلكترونيّات نصفهنّ صورةٌ

والنّصف الآخر صورة محتملة أيضا

وقد لا تكون

إنهنّ مجرد نساء إلكترونيّات

لسن أكثر من كهرباء في سلكٍ مكشوف

عارٍ تماما عن الضّوءْ

إنّهنّ مجرّد كائنات غير خياليّة

صورة (2)

-1-

هناكَ في الزّاويةِ البعيدة جدّا عن الجمهورِ في القاعةِ امرأة تتابعُ باهتمامْ

وحيدةً وقريبةً جدّا من المشهدِ الكلّيّ

تعرفُ ما تريد

لا تَرَدّى في شراكِ "السّفلةْ"

تتابعُ نفسها، وتحيطها بعنايةٍ الأضواء في أعلى البروجْ

لم تفتتحْ بقصيدها مدحَ الذّكور من الرّعاة الخائبينْ

تقرأ كلّ شيءٍ

وتقطفُ في النُّصوص رحيق الزّهر

فتعظمُ في السُّطورِ المُثقلةْ

-2-

وهناك أيضا في قلب القاعة بين أسراب الذِّئابِ (شاعرة) جميلةٌ متأنّقةْ

تصاحبُ كلّ الشّعراءْ

وتأخذهم بضحكتها

تصافحهم بحرارةٍ

يبادلونها النّكات السّاذجةْ

وتضمّهم لألبوم الصُّورْ

كلّ ما معها أحاديث السّهرْ

وكلّ عدّتها صورْ

وآلام الحديث وأوهامُ المطرْ

هيَ تعرف الكتّاب كُلّا من هنا حتى أقاصي العالمينْ

وأسطرها الفقيرة شاحبةٌ تعاني السّلّ والصُّفرة الشّاحبةْ

صورة (3)

ما حاجتي لامرأةٍ لا تُريني صدرها العاري

ولم تلعبْ معي

ولم تُقضمنيَ التّفاحَ بعد المغفرةْ

ولم تجعل من النّهدين خمراً يصيب الرأسْ

بالفكرة المحرّرةْ

ولم تغرقْ معي

وتغرقْني

في مياه المحبرةْ؟

ما حاجتي لامرأةٍ لم تمدّ لي يدها لتنقذني

من جحيم الكفرةْ؟

صورة (4)

لغتي المريضة لا تسطيع حمل علامة الإعرابْ

تسير ببطء لتموت آخر نقطة في السّطرْ

وقصائدي في الحبّ تشبه بعضها

لا شهوةَ فيها أو شهيّةْ

مفرغة من الإيقاع

ليست حرّة من ثقلها الواقعيِّ أو الخياليّ

خيل القصيدة عطشى تحمحم عند أوّل قافية

لا ماءَ بين أصابعي سيملأني عند انشقاق الصّوَرْ

أظنّ أنّي انسكبتُ بعيدا منذ وقت بعيدْ

ولذا فإنّ صديقي القابع باب رأسي

سيشتمني كلّما حاولت أن أكتب في الحبّ

أحاول ههنا عقد صلح معه طويل الأمدْ

أن يقرأني بصمت دون رميي بحجرْ

صديقي يساريّ عنيدٌ لن يسايرني قليلاً

سيبول على كلّ القصائدِ دفعة واحدة بحقد طبقيّ لئيمْ

ويمسح عضوه المشقوق نصفين بما نجا من حروف اسمي

وينخع باصقاً على قلب القصيدةْ

ويلعن الإلهام والوحي وعشتارَ وكلّ آلهتي الوثنيّة العمياءْ

ويكتب لي جملتين قصيرتين؛ إحداهما:

"كُفَّ عن قتل العصافير بهذا الهراء"

ولأنّا صديقان منذ عامين ونصف العام تقريباً

بل ربّما أكثر من ذلك

ستتّسع رئتاي أكثر من ذي قبل

وأقتبس الجملة الأخرى في قصيدة عن "الحبّ أيضاً"

لعلّه في المرّة القادمة يصفعني

أو يركلني برجله اليمنى

أو أنّه سينتحرْ...

لا حلّ مع الرّداءة غير حلّ رديء أو تموت في السّكتة الزّاجرةْ

صورة (5)

أنتِ والنّصّ صديقاي الوحيدان هنا

تتصارعان عليّ

تأكلان الفكرة النّاضجة

تبتسمان لي حيناً وحيناً تعبسان

تستبدلان شهيّتي للخلودِ

تأتمران بي كلّ حينٍ

تشجّعان الشّياطين كي تمرّ عليّ

وتقيم عرساً للجحيم على جسدي المتيبّس في البرد

وحدي أفكّر فيكما:

كيف أخسر مرّتينِ في حفلةٍ واحدة

وحدك من يخسرني في كلّ نصّ

والنّصّ وحده الباقي يذكّرني خسارتكِ الفادحةْ

صورة (6)

عندما تكون الثّقافة امرأة عاهرة وددت لو أستطيع قتلها

أمثّل بجثّتها المغتصبة

وأطعم جلدها لذئاب الغابة الشّرهةْ

أقطّع ثدييها

وأسلّ ما بين فخذيها النّتنين

وأفتح فوهة البحر لعلّها تطهُر من أرجاسها

أشعل النّيران لداء السّرطان الثّقافيّ المزمن في البقعة المحترقة من هذا العالم

عندما تصبح الفكرة حبلى بمولود السِّفاح

خذ لك فأسا واحتطب كلّ ثقافة نجسةْ

صورة (7)

من أنتما حتّى أفكّر فيكما؟

من أنا حتّى لا أفكّر فيكما؟

كاتبان عظيمان

صاحبا جمهوريةِ معجبين وقارئين

معلّقين ومادحين

وأنا مثل ضمير مستترٍ غثائيّ

يزوف على المعدةْ

ويجلب ما سيجلب كانقلاب الأمزجةْ

أزيد انتقاصا

فقيراً في البلاغة كنتُ، وما زلتُ فقيرا

وتزيدانِ ازديادا فاقَ قدرتيَ الضّعيفة أصلاً

أثرياءُ في المحبّة والحبّ والصُّورة الطَّاغيةْ

والبسمةِ الغاويةْ

مع أنَّ فخامةَ الاسمين تكفي

وأنّ أناقة الرَّسمين تكفي

وأنّ روائحَ الجسدِ الجميلِ على سرير الحبّ تكفي

وأنّ مهابة الفخذين في انتصابهما على البثّ المباشرِ تكفي

وأنّ كلَّ شيءٍ منكما بهذا اللّيل المنصّصِ بالكلام الشّاعريِّ

على النّهدين حتما سوف يكفي

من أنتما؟

بل من أنا؟

فلتقضما بضحكةٍ وتزدردا بسخريةٍ حروفي الوقحةْ

صورة (8)

يظنّون أنّني لو اقتربتُ أكثرَ

سيستمني منّي السّورُ وتحبلُ منّي البوّابة

في العقل الأجوف بؤرة سوداء لن يملأها الكرسيّ اللّفافُ إلّا باللّحم وعظم الجثّة الحيّة

من أدراني أنّ الجثّة حيّةٌ أم أنّها ميّتة؟

لعلّي أتوهم أشياءً أخرى من هذا النّحو

سقط النّحوُ

سقط الصّرفُ

سقط الإيقاع في حفرة للامتصاص

بقي الباقون في درج العتمة يسمعون عنّي ما لا يلذّ ولا يطيب

ويرفعون السّور أكثر

والبوابة صارت تحكّ فخذيها من تلاصق دفتيها وتطلب حلّاً

البوابة تفضح نفسها باصطقاق القفل

البوابة ليست بكرا

هي حبلى

والسّور يمدّ إليها..... ويستمني

والكلّ ينتظر القيامة كي تطهّر فعل الباقينَ ذوي العاهات العقليّة

لا شيء يستدعي أن تثوري أيّتها البوابة

ابقي صامدة لا تبعدي الفخذين كي لا تنسلّ النّطفة نحو السّور

لا تقلق أيّها السّور الطّويل الكبير المتعالْ

النّطفة في أمان ما دام الكرسيُّ اللّفاف تحتلّه جمجمة فارغة تعلو الجثّة الحيّة.

صورة (9)

أوصلتني بسناها لسناها

ثمّ دارت في دمي مثل خمرٍ وطقوسٍ وقمرْ

أوجعتني مثل طيرٍ باحثٍ عن بعض ماءٍ في "الصُّوَرْ"

أفرغتني في جنوني واصطخابي واضطرابي واستطالت مدّ حلمٍ مختصرْ

ثمّ غابت واستراحتْ، ألقمتْ عريي الحجرْ

ها أنا ليلي طويلٌ عابثُ الخطواتِ مُرّْ

صورة (10)

كوني حاضرة بحذرْ

كأيّ شيءٍ تريدين

لستِ تلك الغزالةَ السّهلةَ الصّيدْ

لا تثقي بالصّفات الأنثويّةِ في اللّغةْ

وابتعدي قدر ما في كلّ مسافة من ضوْءْ

نصوصنا شركُ افتراس الظّباء المستريحة بينَ أغصان الشّجرْ

واضحكي مثلما أنت الآنَ، ساخرةً وغامضةً

كبركانٍ تأهّبَ للغضبْ

(نيسان، 2020)

___________________

* من مجموعة شعرية معدة للنشر.

 

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 331 مشاهدة
نشرت فى 10 إبريل 2020 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

722,555

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.