من الأمسيات الشّعريّة:
كيف أنجو من الأيدولوجيا؟*
إلى الشّاعر الفلسطينيّ المعتقل في السّعوديّة أشرف فيّاض
فراس حج محمد/ فلسطين
سيتّفقُ الطّغاةُ عليَّ ليجعلوني نائماً حيث أنا الآنْ
لا يطلبون منّي أن أزاولَ مهنةً أخرى
سوى صيد الذّباب الكبير على المنضدةْ
سيشجّعون النّبش في أخيلتي الهادئةْ
ويسعدهم أنّي هناك على السّريرْ
أقتلُ الملل الكثيفَ بخطوتينِ في الغرفة المظلمةْ
سيتّفقُ الطّغاةُ عليّ مع بائعِ الكتب القديمة
كي يخفيَ عنّي ما قاله الثّوار في أدغالِ الجزيرة النّائيةْ
وسيزوّرون لون الشّمسِ
اتجاهَ الرّيحِ
شكل الدّائرة
طعمَ الجملةِ الحبلى بقلب المحبرةْ
ويصعدون على خيالي سلالم من حبال المشنقةْ
ويحدّدون طقوس ديانتيَ الأخيرةْ
ويسحبون الماء من غيم السّماءِ
ويقتلون أخوّة القمر الشّهيد على حكايتيَ الجريحة في بطون السّاسة المتغوّلين مثل النّارْ
سيتّفقُ الطّغاةُ على الجدول الحيويّ في قريتنا
على النّهر الّذي سيفصلني عنّي وعن طفلي الّذي أعمّده هناكْ
سيشرّعون القوانينَ الّتي تجعلني فريسة لأسراب الخيالِ على وسادتي عند ارتكاب الحلمِ
مرّة واحدة، خلسةً، عفويّة، في كل عامْ
سيتّفق الطّغاةُ مع اللّيلِ عليّْ
ليمكث بين يديّ أكثر ممّا ينبغي في عُرْف الرّاصد الفلكيّ
سيشوّهون الصّبح لي
ويخلطون مع الرّصاص صوت الهديلِ مع الزّعيق، مع النّقيق، مع العويل، مع زقزقات النّعيِ في صحف البلادْ
وسيكتبون بحبر دمي بقيّة اليوم حتّى مساء الآخرةْ
ويرتّلون سفرَ تفوّقِ المرض العنصريّ على نوّارة لوزٍ تمرّ في عيون الكادحين الفقراءْ
سيتّفق الطّغاةُ على جثّتي في نهاية الحفلةِ الفارقةْ
ولا يختلفون عليَّ فيّْ
لكنّهم سيقتتلون بعنفٍ إذا شعروا بأنّي حيّْ
أفكّر بافتتاح المشهد اليوميّْ
بعزف أغنيةٍ محفوظة منذ الطّفولة
عند إلقاء الحجارة كي أسدّ فوّهة المدافع الجوعى لمذاق لحمي!
وأنا أنسلّ من غرفتي لأقبّل الشّهداء
وأقول: إنّ الطّغاة قد اتّفقوا عليّ
على الضّوء والشّجر الحيّ المسبّح للطّبيعة في فضاء اللهْ
سيقتتلونَ عليّ فيّْ
وأنا أقذف في وجوههم دخان الأيدولوجيا
وأعلن أنّي نجوتُ من الذّبابْ
وأكتب في جدار الخوفِ ذاكْ
أغنيتينِ عن بلدي
وأصير عصفورا يزقزق في بحيرته ويغسل ريشهُ
ويطير....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ألقيت في أمسية مدينة نابلس يوم الجمعة 21/6/2019 ضمن فعاليات المبادرة الشّعريّة للمهرجان العالمي للشّعر "لا للحرب.. نعم للحرّيّة والسلام". ونشرت القصيدة في العدد (152) من مجلة فلسطين الشباب، آب/2019.