فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

وشيءٌ من سردٍ قليل

ما يرويه عن ربّه الماء

فراس حج محمّد/ فلسطين

(1)

حدّثني النّهرُ وقال:

فيما يرويه عن رَبِّه الماءْ

فيما يكتبه في جذع الشّجر العالي

فيما تحفظه الغزالة المنسيّة في سفوح الجبالْ

فيما تركته الأغاني الطّويلةُ من لحنٍ

على شفاهِ الرّواة الرّعاةِ

الشّاردين من رصاص الهواةْ

فيما نشرته الصّور الغريبة من دعاية للنّساء الحواملِ

في فكرة الاختزالْ

حدثني النّهرُ وقالْ:

"كلّ ما تراه منّي ههنا

محاولة كي أعيش حياتي كنهرٍ بعيداً عن منطق الاعتقالْ

وأن أداعب حصوتين في المجرى

وأرى وجوه الفتية النضرةْ

تغازلُ الفتياتْ

تمسدّ شعرهنّ الناعم المبلول

ويقطفون القبلة الدافئةْ

ويقذفون النّار في عمق المياهْ"!

(2)

تراودني الأحلام عن نفسي

أن أصبح طيناً مجبولاً بعرق الشّجرةْ

أو شمساً دائرة على وجوه النّساء تشرب دفء أسرتهنّ

أغنيةً تأكل قلب شاعرها على الطّرقات

تراودني النّفس عن أحلامها

أنشودةِ الصّبح في حديقتيَ البكرِ

تطلّ عليّ العصافيرُ بريشها النّاعم

تدسّ صوتها في القصيدةِ

أراك الآن تضاجعين عنّي الضَّوْء

(3)

لو كنتِ معي في المدينة الآنْ

لاستمع الهواء إلى حفيف شهوتنا

وحفّتنا الملائكُ في فردوسنا الأعلى

لو كنّا معاً في هذي اللّحظة بالذاتْ

لكان شاعرٌ آخرُ يكتب هذي القصيدة عنّي

وعاشقة أخرى تقف أمام جلوتها على المرآةْ

وشاعرةٌ غيركِ تلبس نظارتها لتكتب وحيها

وتمتدحَ الكلام الشّاعريّ

لو كنتِ هنا الآن لصار الورد يضحكُ في الشرفاتْ

ولصرتُ غيري

عاشقاً ممسوساً برعشة وردكْ

(4)

أراك هناك حيث يلتقي الماءُ بالماءِ ليطفئا النّارَ الّتي اتّقدت هنا في وصلٍة ماطرة

أوزّع الوقت بين لحظتينِ جميلتينِ تشتبكانِ في لحظةٍ واحدةْ

أثرثر طفلا لا يستر عيبه إلّا احتمال الهوى في الجلسة الشّاهدة

أُوْدِعُ الأسرار الّتي ازدحمت على شفتي لتزهر ضحكةٌ ورديّةٌ في الشّفاهِ الفاتنةْ

أرتّب الأغنياتِ على وتر القصيدةِ في السّهرةِ الجامعةْ

أحلّلُ نجمتينِ فائرتينِ على صدر السَّماءِ لتغدُوَا نجمةً راضيةً في خفقةٍ والهةْ

"أنام ملء جفوني" بين ذراعيكِ يحرسني صدرُك اللّؤلؤيُّ في غمرةٍ دافئةْ

(5)

أتعرفين متى أشفى من مرضي بك؟

عندما يتحدّثُ الآخرون عنكِ

بحبٍّ ولا أغارْ

أو يؤلّفون عنك الإشاعاتِ

ولا أمتعضْ

أو أعترضْ

ولا تتغيّر ملامح وجهي

يسألني صديقي ساعتئذٍ إن كنت أحبّك

يتأكّد كذبي في كلّ مرّةٍ

وأنّني ما زلت مريضاً لن أشفى…!

(6)

ما أقبحني!

ما أجملَ كلّ من سوايْ!

النار تأكل بعضها فيّْ

وتنتهي منّي أنايْ

وظلّي الأعوج في الصّورةِ

في المرآةِ

يسخر من وِقفته على عتباتها

ويلهو في هوايْ

صوتي يؤرجحني على نغماتها الولهى

ويصيح في وَلِهٍ صدايْ

(7)

في اللّيلة الفائتةْ

تفتت القمر النٌّحاسيُّ

والحسناءُ غرقت في ضوْءِ أبيضها

وملائكٌ وقفت على رمشَيْ ذهولْ

هناك عند اتّحاد الوجودِ اكتمل النّاقص فينا

الأبجديّةُ صارت ثلاثين حرفاً

تشبّعت بملامح الأزهار والأطيارِ والأشياءِ

والاسم أصبح قوّة متمرّسةْ!

في اللّيلة الفائتةْ

كانت الأساطير تأخذ بعداً حيويّاً

وتُكتب من جديدْ

(8)

عندما نلتقي لأوّل مرّة بعد غياب عنيفْ

لي عليها شهوتان

شهوة المتعة في مفاتنها

وشهوة الفرح المؤجّلْ

مذ عرفتُ طعم سمائيَ الأخرى

أفرغت في الوقت

غيم حمولة زادت عن شهوةٍ تشتاق دفء دمي

رقصت عيناي في فرحٍ

فرّت من الشّفتين جملة عاشق مشتاقْ

وجعي المعجّلُ شهوة أخرى تربّيه التّغاريدُ

ربّما في شهوة أخرى نفيض على جنون من عناقْ

(9)

أجدّد الذّاكرةَ، الكُتّابَ والأفكارْ

أجدّد القلبَ والشّفتينْ

أجدّد الرّسائلَ والأغنياتِ

رائحة الورد في الشُّرفةْ

أجدّد الجمل القصيرة في القصائدِ

أرفع هامة الزّهرة فوق رأسي الأشيبِ المحنيِّ مثل عبّادِ شمسْ

أجدّد هذا الهواءَ الأسودَ الفاسدَ في رئتيّْ

رطوبةَ الغرفةِ

بيتَ العناكبِ في السّقف الأيمنِ من غرفةِ النّومْ

أجدّد الأقلامَ والأفلام والأحلام والقهوةْ

السّجائرَ والدّمْ!

ما قد يجدّ عليّ لحظيّاً؛ لأولدَ من جديدٍ كلّ يومْ!

(10)

إحدى عشْرةَ نجمةً للحبّ

شفقيّة ترنو بضحكة سحريّة في القلبْ

ملساءُ ناعمة لتُكتب الذّكرى بعيد الحبّْ

هيفاءُ فارعةٌ شرقيّة اللّفتاتِ لوَّنها الذّهبْ

ليلاءُ نهرِ مدينةٍ يسبّحُ في أماسيها الطّربْ

شمّاءُ بارعةٌ كروح الأغنياتِ بقلبِ صبّْ

إحدى عشْرةَ نجمةً تغازلُ القمر البهيَّ كالمرايا الفاتناتْ

تغسله بأشواق السُّحُبْ

هدوءٌ ناعمٌ في شفتينْ

مشوبٌ بالحذرْ

كأسٌ وموسيقى وعنقودُ عنبْ

أمنح الشّهوة قوّة أخرى على تخوم الرّبّْ

علّ الصّهيل الحيَّ يخلق رعشة كبرى بعمق الجُبّْ

(11)

كوني الفوضويّة

كي يعيد العالم ترتيب النّظام الدّاخليّ

واستريحي في امتداد الشّجرةْ

ثمْرة ناضجة ونشوى نضِرةْ

واكتبي نقش السّماء على ليالي السّحرة

واستعملي حَجَري ورودا مشبعاتٍ

ليلة متعطِّرةْ

وتغلغلي في داخلي يا داخلي

مثل الرّياح الممطرةْ

(12)

كنتُ قبلَ اليوم

أمقتُ اجتماع الحروف باسمك الرباعيّ

أكرهك حرفا حرفاً حتّى انتهاء اسمكَ العائليّ المخيّب ظنّ الهدوءْ

أتحاشى كلّ ما يذكّرني صوتكَ، شَعركَ، شَكلكْ

الصّحيفة الّتي تشتريها وتكتبُ فيها

ولم نكن أصدقاء على الفيسبوكْ

الآن، ومنذ هذي اللّحظة من نور الحقيقة السّرمديّ، أحبّكَ

حتّى لو سرقت منّي حبيبتيَ الوحيدة وراقصتها ليلة الجمعة في البارْ

أو همست لها في اللّقاء الأخير بكلْمتينِ وضحكتينْ

وشربتما كأس نبيذْ

ولوِ انتبهتَ لفتحة صدرها وتأمّلت مثلي خطّ نهديها السّاميينْ

أو تلوت لها سردك العبقريّ

وراجعت لها قصائدها مثلي تماماً

وعدّلت وضع الهمزة في كلماتها على الكرسيّ أو منفردةْ

أو مثلي تماماً صوّبت أخطاء النّحو في قصيدة تُلقي إيقاعَها على كتفيكَ في المطعمْ

لن أكرهك بعد الآن حتّى وإن ضاجعتها بكامل شهوتها

هيَ لم تخنّي ساعتئذْ

إنّما كانت تجرّب الحبّ معكْ

وتشكوني إليكْ!

أعدكَ؛ لا أسألها عنكَ كيْ لا أزعجَكْ!

وأبقى أحبّكَ

متواطئاً معها عليكْ

نظلُّ دائرة ندور في هذا الفلكْ

(13)

أفتش في صورتها عن مسرب نحو نهديها

أقاتل الفراغ والظّلّ كي يفتحا لي كوّة في صدرها

أقرّب الصّورة

أُبْعد الصّورة

أستجدي الضّياء والعدسةْ

لا شيء ممّا يدور في مخيّلتي تلك اللّحظة الحرجةْ

أكفر بالتّكنولوجيا والضّوءِ والاحتمالات السّمِجَةْ

أهشّم ما تخايل منها في شاشة العرضْ

تبصق في وجهي الشّياطينُ الّتي مزّقتني

وأنام بين أسنان القلقْ

(نيسان، 2019)

_________________
* من مجموعة شعريّة معدّة للنّشر بعنوان "وشيءٌ من سَرْدٍ قليل".
** نشرت في صحيفة الاتحاد الحيفاوية، الخميس: 23-5-2019، وفي جريدة "العراقية الأسترالية"، الأربعاء: 3-11-2021

 

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 178 مشاهدة

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

743,088

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.