المقدّمة
{شهرزاد ما زالت تروي: مقالات في المرأة والإبداع النسائي}
منذ اخترعت اللغةُ تاء التأنيث ونون النسوة، صار للغة والفكر انحياز جماليّ خاصّ، وصار للمرأة حضور لافت، في كلّ مجالات الحياة الإنسانية، وهنا في هذا الكتاب محاولة تبدو طريفة في الاحتفاء بتاء التأنيث ونون النسوة، في الوقت الذي يحتفي العالم بالمرأة على طريقته الخاصة في الثامن من آذار من كل عام، أحاول كذلك الشيء نفسه، ولكن بطريقة خاصة أيضا، إذ أبرز في هذا الكتاب الأصوات النسائية الأدبية، شعرا ونثرا، بعرض جوانب من الإبداع النسويّ، غير منحاز على أي حال إلى مصطلح النسوية وجندرة الإبداع، وتقسيمه إلى ذكوري وآخر نسائيّ.
لم تكن هذه المقالات هي كلّ ما كتبته عن المرأة الكاتبة، بل سبق لي أن كتبت مقالات متعددة عن المرأة في كتابي ملامح من السرد المعاصر في جزأيه الأول والثاني، ولم أكن أتعامل مع تلك النصوص باعتبار الجندرية، إلا ما كان النص يفرضه على القارئ، عندما ينطلق النص من فلسفة خاصة أو موضوعا خاصا بالمرأة، فلا مندوحة إذن عن أن يتم مناقشة مثل تلك القضايا الفكرية، وانعكاساتها على النصوص المدروسة.
ينقسم هذا الكتاب إلى ثلاثة فصول. طرحت في الفصل الأول عبر مجموعة من المقالات التي كتبت في فترات معينة، ونشرت في حينه مجموعة من القضايا التي تتعلق بالمرأة سواء الاجتماعية أو الفكرية أو الأدبية، وقرأت في الفصل الثاني مجموعة من المؤلفات الشعرية والنثرية لسبع وعشرين كاتبة، من فلسطين ومصر ولبنان والجزائر والعراق، ومن إيران وتركيا، وخصصت الفصل الثالث للحديث بالتفصيل عن كاتبتين؛ الفلسطينية فاطمة نزال واللبنانية مادونا عسكر. ولم أدرج ما كتبته عنهما ضمن الفصل الثاني لعدة اعتبارات، منها أنني لم أقرأ لهاتين الأديبتين كتبا، فهما لم ينشرا إلى الآن أي كتاب، كما أنه ربطتني بهما صداقة طويلة ممتدة لسنوات، وكتبت معهما كتابات مشتركة، وكانت طبيعة ما كتبته عنهما مختلفا عما كتبته عن الكاتبات الأخريات، فارتأيت أن يكون ذلك في فصل مستقل.
لقد أدرجت مقالة واحدة عن الفنانة اللبنانية فيروز ضمن الفصل الثاني، مع أنها ليست من الكاتبات، ربما لارتباطها بمزاج كتابيّ لديّ أولا، ولدى كثير من الكاتبات، فعلى الرغم من أنني كتبت عن فنانات كثيرات كأم كلثوم ونجاة الصغيرة وميادة الحناوي ونجوى كرم وشرين عبد الوهاب، إلا أنني لم أدرجهن ضمن هذا الكتاب لانعدام الصلة الفكرية، على ما أظن، بين هؤلاء الفنانات وبين عوالم الكتابة بشكل عام، وقد أكون على نحوي ذاتيّ أيضا منحازا لفيروز، متّبعا هوى ما لا أستطيع منه فكاكاً.
على أي حال، فإنني أحاول في هذا الكتاب أن أعزز النظرة الفكرية للمرأة، التي ما فتئ كثير من (الذكور) يحرفون البوصلة في التعامل معها، فالمرأة كيان إنساني في الدرجة الأولى والأخيرة، وليست صيدا وفريسة لكلّ من تشدق بالأدب، وقال هأنا الذكر الفحل، فهلمّ إليّ يا معشر الإناث!
فإلى كلّ نساء العالم أهدي هذا الكتاب، مرددا بحبّ كبير: كل عام والمرأة بخير، ليكون العالم أجمل.