الرسالة الثانية والثلاثون:
ما أسرع أن يبرد كل ساخن في هذا الشتاء القارس!
الخميس: 17-1-2019
فراس حج محمد
عزيزتي الدافئة أسعدت أوقاتاً:
أتمنى أن تكوني بحالة جيدة ونشاط أدبي وفكري حيوي رغما عن هذا الشتاء المتراكم، فها هو الشتاء يتقدم أكثر ويورطنا في البرد، لا مجال لأن تحتال على الشتاء وبرودته إنه لا يعرف المجاملة ولا التصالح، كأنّهُ شخص مسكون بالانتقام منا. هكذا أشعر بالبرد هذا العام، لا أدري كيف تقضين أوقات الشتاء، منذ مدة طويلة لم تكتبي لي ولو حرفا واحدا، يبدو أن مزاجيتي قد أعتبتك كثيرا وتنازلت إلى غير رجعة عن الكتابة لي. أسمع الريح تزمجر في الخارج فتتوعدني بمزيد من الألم.
ها أنا أقضي معظم الوقت كما أخبرتك سابقا أمام التلفاز، عاد يعوّضني عن القراءة كثيرا، لكن البرامج الثّقافيّة مملة جدا، وهي نادرة على كل حال، مدسوسة كبهارات الطعام بين البرامج الأخرى، والأخبار السياسية مقززة، ما زالت الحرب على الإرهاب تغذي الصحف والفضائيات. والأخبار الطريفة سطحية وبلهاء.
أعجبني قول بول بولز في هذه الحرب وأنا أقرأ في كتاب "الحوار الأخير" الذي يرد فيه على اتهامات محمد شكري له: "القطب الرأسمالي يرى أن الإسلام لم يروض ولم يخضع للتدجين الكافي"، لذا ستكون هذه الخرب طويلة وغنية بالضحايا قتلى ومشردين ومتنوعة السيناريوهات الروائية والسردية والمسرحية التي تصيب الإنسان بالإعياء.
أتمنى ألّا يطول الشتاء كثيرا، وأعود إلى معتزلي وأمارس غواياتي الشقية. أكتب لك هذه الرسالة وأنا أعاني من الحنين الشديد للدفء، كفّ يدي تكاد تتجمد من البرد وهي تكتب، والكلمات تعاني من الكسل والتثاؤب تحتاج إلى مدفأة قوية لتعود إليها الحياة.
ربما أشعرتك رسالتي أنني أعيش في سيبيريا، أراك تضحكين، ونحن نتفق على هذه النتيجة، صدقيني أنني وإن لم أجرب برد سيبيريا فأنا أعاني من شدة البرد كأنّني ملقى هناك على مساحة من الثّلج عاريا لا شيء يسترني من هذا البياض المخيف.
يصحبني الآن إبريق من الشاي أسرق شيئا من حرارته التي لن تدوم طويلا، فيا لله ما أسرع أن يبرد كل ساخن في هذا الشتاء القارس! تخيلي لو أنك الآن معي تشاركينني اللحظة، لن أقول على مبدأ الرومانسيين وتفكيرهم: "لن أشعر بالبرد". من المؤكد أن صلف الشتاء هذا العام سيقضي على كل أفكار الرومانسيين وتخيلاتهم العاطفية. لو كنت معي الآن ستشعرين أيضا بالبرد، ولكنك ستكونين قادرة على احتضاني، ربما لأشعر بمزيد من حرارة دمك تجري في عروقي!
تقفز إلى ذاكرتي تلك الحركة التي مثّلتِها يوما في مقهى المدينة، عندما كنا نعمل على واحد من الكتب، وتمنيت فيها احتضاني كان يومها شوقك عارما شبقيا، وكنت في أبهى صورة وأشهاها، لكن تلك الحركة ماتت في الفراغ، ولم تحدث وبقيت أعاني من البرد والشّوق منذ ذلك الوقت إلى أن يشاء الله، وإن داويتُ وجعي حينها بقصيدتين وقصة قصيرة بائسة طلبتِ مني عدم نشرها، وقد التزمت بذلك ولم أنشر كل ذلك البؤس حتى الآن، أظن أن القصيدة ستكون في ديواني الجديد الذي تأخر في "المونتاج".
عزيزتي الدافئة: كم أتمنى لو أن قبلة منك تقضي على هذا الشتاء القارس؛ لكنت شعرت ببعض التحسن، ولكنت كتبت أجمل مما أكتب الآن! يا لهذا الهذيان أين أخذني!
علي أن أصحو من سكرة التخيل المستحيلة، وأسألك إن كانت الكتب قد وصلتك أرجو أن تبلغيني بذلك كي أرتاح من هاجس ضياعها أو رجوعها إليّ خائبة وقد ضلت طريقها.
أقبّلك لعل شمسا تشرق بين بسمتيك لنشعر ببعض الدفء فنهزم هذا الشتاء البليد.
المشتاق لدفء صدرك
فراس حج محمد