إنَّ الشجاعةَ ليستِ اندفاعَ
ما كلُّ من رفعَ السلاحَ مقاومُ
فكمْ بسيفِ الجهلِ هلكتْ عوالمُ
والحقُّ لا يُحمى بصوتٍ عاصفٍ
بل بالعقولِ إذا استنارتْ تُحكَمُ
إنَّ الشجاعةَ ليستِ اندفاعَ صاخبٍ
بل أن تُوازنَ ما يُقادُ ويُقدَمُ
لا خيرَ في فعلٍ يجرُّ على الورى
نارًا تشبُّ وبيوتُهم تتَهدّمُ
من قادَ شعبًا دونَ علمٍ ثاقبٍ
كمن ألقى في المدى سفنًا تُحطَّمُ
والأرضُ لا تُبنى على وهمِ المنى
إنَّ الهتافَ إذا خلاهُ دمٌ فمُ
ما فائدةُ التكبيرِ بينَ خرائبٍ
والطفلُ تحتَ الركنِ يبكي ويُظلمُ
إنَّ الكلامَ إذا افتقدْنا عقلَهُ
صارَ الرصاصَ وإن تلُذُّ تبسُّمُ
والنيةُ البيضا إذا لم تُقترنْ
بعواقبِ الأفعالِ تُصبحُ تَندمُ
كم من خطيبٍ بالجموعِ مُحرِّضٍ
ترك الديارَ رمادَها لا تُلملَمُ
قالوا بطولةُ من يموتُ مُقاتلًا
أيُّ البطولةِ والبراءةُ تُهدَمُ؟
لا مجدَ في دمِ الأبرياءِ إنّما
المجدُ في عقلٍ يحوطُ ويَرحمُ
يا من يُزيِّنُ للحماسةِ فعلَهُ
هل فكَّرَتْ قبلَ القرارِ العزمُ؟
من يزرعِ النيرانَ حولَ ديارهِ
حتماً ستحرقُهُ وما قدَّمتَ يدُمُ
كم خانَنا اسمُ البطولةِ مرةً
حتى غدا هذا الغرورُ هو السُّمُ
لا تُسمِّ موتَ الناسِ نصرًا عاجلًا
فالخرابُ تاجٌ بهِ المتوهِّمُ
إنَّ البطولةَ في حياةِ أحبَّتي
لا في رفاتٍ حولَهُ رايةٌ تُضرَمُ
من سارَ نحوَ الموتِ يعلمُ دربَهُ
أشجاعُ قومٍ أم جَريمٌ مقدِمُ؟
ما عادَ في التهوّرِ المجدُ الذي
كنا نراهُ إذا العقولُ تُعظَّمُ
فالعقلُ قائدُ كلِّ جيشٍ صادقٍ
وبدونهِ التضحياتُ لا تتجسَّمُ
بعضُ السكونِ حكمةٌ مستورةٌ
والكفُّ أسمى حينَ يُرشدُ ويُلهمُ
والانسحابُ إذا تُرادُ نجاةُ من
في القلبِ خيرٌ من فخارٍ مُدَّعَمُ
لا ترفعوا الأوطانَ فوقَ مقابرٍ
فالأرضُ تبكي إذ عليها يُظلَمُ
واصبرْ إلى أن تستقيمَ عزيمُنا
فالصبرُ مفتاحُ الحياةِ وأحكمُ
فالموتُ ليسَ بطولةً إن لم يكنْ
للعيشِ معنىً قبلَهُ يُترجَمُ
ومن رامَ القتالَ فليس يَصْلُحُ
حتى يُعِدَّ لهُ العُدَّةَ ويَعلَمُ
ويشدَّ للحكمةِ الرِّحالَ فإنّها
نورُ الطريقِ إذا تزلزلَ معظَمُ
فالعلمُ دِرعٌ قبلَ أيِّ سلاحِهِ
وبدونهِ العزمُ الجسورُ يُهزَمُ
صائغ القوافي الشاعر
فهد بن عبدالله فهد الصويغ
وزن القصيدة بحر الكامل


