السيد احمد عبد اللطيف حسين

خدمة طلاب العلم

الأسلوبية مصطلح ظهر في العصر الحديث ، يدع ما يحيط بالنص ، ويلج إلى داخل مكنوناته، وعناصره الجوهرية ، وذلك للوصول إلى فهم أعمق لحقيقة النص من خلال دراسة اللغة عبر الإنزياحات اللغوية والبلاغية ، فأمام المتحدث أو الكاتب مادة لغوية ضخمة ومتعددة يتكلم بها ويكتب فيها ، فاختياره للكلمات والتراكيب مما يؤثره عما سواها لأنه يجد فيها أكثر تعبيراً عن أفكاره ورؤاه ، وأعمق تاثيراً في المتلقي ، فالأسلوبية كيفية القول أو الطريقة التي استخدمت فيها اللغة ، ومدى الأثر الذي تركته في المتلقي.

وفي تراثنا تظهر ملامح الأسلوبية ، وبداية من خلال التعريف المتداول للبلاغة بأنها " مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته " فمقتضى الحال يدل على تعدد وتنوع في الأساليب المستخدمة بين المفنن والمتلقي ، بمراعاة وضع المتلقي الثقافي والإجتماعي وحالته الصحية والنفسية وغير ذلك ، مع الأخذ بعين الإعتبار المناسبة التي يقال فيها ، أي مراعاة أدق الجزئيات حتى أن العرب قالت " لكل مقام مقال" . اذاً فالأسلوبية والبلاغة تنظران بأن في اللغة طرقاً متعددة للتعبير والقائل أو الكاتب يختار منها ما يراه مناسباً ومودياً للغرض الذي قيل من أجله.

فالأسلوب في العربية مقترن الصلة بالقرآن الكريم ، فهو يمثل الأسلوب الأمثل ، النموذج الأعلى ، فقد جاء إلى العرب في فترة كانت تفتخر أكثر ما تفتخر بلغتها وبيانها وفصاحتها ، ويتبارون في ذلك ، فوقفوا أمامه منبهرين حائرين عاجزين لا يقدرون على مجاراته بل لا عهد لهم بمثله من قبل ، ويفعل في قلوبهم فعل السحر ، هذا باعتراف أعداء القرآن من أهل الفصاحة والبيان ، فإذا كانت الحروف نفسها والألفاظ نفسها بل كثير منها مما تتداوله الألسن واللغة هي اللغة ، فما الجديد في ذلك ؟
الجديد في النسج والتركيب وطريقة النظم " الأسلوب".
ويلي القرآن الكريم أحاديث النبي " صلىالله عليه وسلم" الذي بلغ الغاية من الفصاحة والبلاغة والبيان ، وكأن البيان العربي قد مخضه الله وألقى زبدته على لسان سيدنا محمد " صلى الله عليه وسلم" الذي أوتي جوامع الكلم ، فيقول " أنا أفصح العرب بيد أني من قريش" ويتجلى فهمه للأسلوبية ، والعلاقة بين المتفنن والمتلقي في قوله:" أومرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم" وتطبيقاً من خلال مخاطبته لأصحابه وتوجيههم ، وضرب الأمثلة الواقعية المطابقة لحياتهم بطريقة جديدة سهلة مؤثرة .

ونشأت البلاغة العربية لخدمة القرآن الكريم ، بفهمه وإثبات إعجازه أسلوبياُ ، فالقدماء تحدثوا عن الأسلوب حين عرضوا لقضايا كثيرة في الدراسات القرآنية والبلاغية والنقدية والشروح الشعرية ، مثل :
"تأويل مشكل القرآن " لابن قتيبة و " الكشاف" للزمخشري ، و" مفتاح العلوم " للسكاكي ، وكذلك الرسائل الثلاث للرماني والخطابي والباقلاني ، بما فيها من موازنات بين القرآن الكريم ، وكلام الحكماء والبلغاء ، وشعر أجل الشعراء ، وبيان قصور ذلك ، بل السخرية والتهكم منه - كما فعل الباقلاني- إذا قيس ذلك بالقرآن الكريم .

وكل ذلك لإثبات إعجاز القرآن في نظمه ، وتميزه في جنسه ، وانفراده في نسجه ، المستقل عن غيره ، من خلال تدقيق في المفردات من تقديم وتأخير ، تعريف وتنكير ، وتكرار وغير ذلك من تتبع لتفاصيل التركيب اللغوي " الأسلوب" . وما قام به القدماء من موازنات بين الشعراء مثل ، " الوساطة بين المتنبي وخصومه" للقاضي الجرجاني ، " والموازنة بين أبي تمام والبحتري " للآمدي ، وكذلك شروح الدواوين الشعرية، بل شرح الديوان الواحد من عدد من الشارحين مع اختلاف في المنهج، إضافة إلى المعارضات والنقائض والمختصرات الكثيرة في تراثنا ، وهذا كله قراءات أسلوبية .

ومما يكاد يتصل بالأسلوبية الحديثة في تراثنا البلاغي نظرية النظم ، التي فصل الحديث فيها الإمام عبد القاهر الحرجاني ، وذلك من خلال دراسته للنحو دراسة جديدة ، لا تقوم على الإعراب كما يفعل الآخرين ، بل نظرة إليه نظرة جديدة من حيث التقديم والتاخير، التعريف والتنكير ، وغير ذلك من تغيير في التركيب يتبعه طريقة جديدة في التعبير، أي أسلوب جديد " فالجملة الواحدة تنتقل من ضرب إلى ضرب" . من إنشاء إلى خبر أو العكس ومن استفهام إلى تعجب وغير ذلك .

فتراثنا فيه من الإشارت والنظرات وبعض الدراسات مما يشكل نواة لأسلوبية عربية ، وبذلك فالذهنية العربية متشبعة بروح التطبيق ، والنص عندهم مصدر حركة في التحليل والتأويل لا ينقطع ومعين لا ينضب ، فأهل العربية أصحاب تطبيق لا تنظير فالإطار التطبيقي في الأسلوبية العربية واسع رحب ثري خصب .

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 177 مشاهدة
نشرت فى 25 إبريل 2011 بواسطة elsayedahmed

ساحة النقاش

السيد احمد عبد اللطيف حسين

elsayedahmed
اهتم بالكتب والمقالات والروابط وكل مايخص طالب العلم »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

125,048