كان لابد من دراسة هذا الكتاب لتحديد منهجه ومدى اتصاله بما يسمى بالأسلوبية كمصطلح حديث وكان لابد من العمل الجاد للتوصل إلى نتيجة تؤكد صحة ارتباط الأسلوبية كمصطلح حديث بما يسمى بالبلاغة العربية وهذا ما عكفت على دراسته ومحولة معرفته خلال عرض هذا الكتاب للتحليل و الدراسة الممحصة راجية من الله أن أكون قد وفقت فيما توصلت إليه من نتائج.
عندما طلب منا حضرة الدكتور محمد بركات حمدي أبو علي قراءة مؤلفه كيف نقرأ تراثنا البلاغي وتصنيفه أسلوبيا أحسست في بداية الأمر بأن الفكرة ستكون محاطة بشيء من الصعوبة وأنني لن أستطيع موافاة الكتاب حقه من التصنيف المطلوب لكنني وبعد قراءته لمرات عدة وجدت انه ليس ببعيد عن منحى الأسلوبية بل أنه على اتصال وثيق بها حتى لا يكاد كل فصل فيه يشهد على هذا الاتساق والاتصال المتين.
إن المتأمل لفصول هذا الكتاب يجد من البداية الدلائل القوية على صلته بالأسلوبية كمصطلح بلاغي محدد.فالمؤلف أخذ يثري الكتاب بملامح بلاغية كثيرة ليجعل الباب مشرعا أمام كل من يتساءل عن صلته بالأسلوبية.فمثلا في باب البلاغة العربية وتحديات العصر قام الدكتور الكريم بعرض البلاغة باعتبار أنها نقل ما في نفس المتفنن إلى المتلقي بتأثير وعندها توقفت قليلا لأتأمل أليست عملية نقل ما في نفس المتفنن إلى المتلقي بأسلوب؟.خاصة أنه يتم فيها مراعاة حال المتلقي لتقريب الفكرة لديه وإيصال المضمون وذلك من خلال الوظيفة الدنيوية المتصلة بفن القول والأخرى الدينية المعنية بالكشف عن الإعجاز القرآني والبيان النبوي الشريف .
إضافة إلى مسيرة التتبع البلاغية على مر العصور و التي تمثل تعدد الأساليب مبتدئين بها بالنابغة الذبياني الذي كان شعره بمثابة سياسية أمنية لقبيلته حيث كانت بلاغة كلماته المؤثرة في قومه بمثابة الأسلوب مرورا بالأعشى قيس - صناجة العرب - الذي جعل من آلته و شعره بين القبائل خدمة غنائية وذلك من خلال أسلوبه الذي استخدمه من خلال الصور الشعرية المؤثرة بما تحتويه من إيقاع ووزن إضافة إلى وجود المعلقات وتم إتباعه فيها من أساليب بهدف معالجة القضايا التي لم يتم التطرق إليها من قبل وننتهي بهذه المسيرة البلاغية في الحديث عن أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم وبفصاحته التي لم يصل إلى درجتها أحد وبذلك نلاحظ انه لولا تعدد هذه الأساليب البلاغية لما نجحت فكرة إيصال الفكرة بطريقة مؤثرة .
أما في الحلقة المفقودة في بلاغتنا العربية فإنني عندما أمعنت النظر وفي قراءتها وجدت أن سياسة البلاغة العربية عند الجاحظ إنما هي تمثيل آخر على الأسلوبية وتأكيدا على ارتباطها العميق بالبلاغة العربية وخير ما أتمثل به في هذا الباب هو حديث الجاحظ عن تمام الآلة المتمثلة من تمكن المتلقي من الوسيلة وعندها أيقنت أيضا أن هذه الوسيلة التي يتحدث عنها إنما هي أسلوب من الأساليب التي يتم بها تقديم البلاغة إضافة إلى التركيز على فهم التراكيب اللغوية والنحوية والصرفية للشواهد البلاغية وما في ذلك من اعتماد على أسلوب المتفنن ونجاحه في توصيل الفكرة للمتلقي بتأثير و لا أنسى المرور على طريقة القزويني وأسلوبه في إيصال الفكرة للمتلقين بأثر وخير دليل على ذلك ما قام به من تقديم كتاب السكاكي المفتاح أول مرة من خلال كتاب التلخيص وبعدها عندما راجع نفسه واختبر مستوى المتلقين وتفاوت تأثرهم بالمضمون أعاد شرح بعض الإيجاز في كتابه الإيضاح.وهذا كله حتى يظل الطلع على صلة تامة بالحدث وهذا يدل على تعدد الأساليب .
أما في باب الجديد في التشبيه عند السيوطي فقد عرضه صاحب الكتاب بطريقة لطيفة ميسرة تسهل على القارىء عملية الفهم من خلال القراءة الفاحصة والنظرة المتأملة .وقد استطعت ملاحظة ما يربط بين سمات منهج السيوطي في التشبيه من خلال تركيزه على هذا الوجه باعتباره أفضل أنواع البلاغة إضافة إلى طريقة تصنيفه البلاغة وما هذه الطريقة إلا أسلوب من الأساليب.
وفي باب ترتيب الاستعارة عند عبد القاهر الجرجاني لاحظت أن ما تطرق إليه عبد القاهر الجرجاني من عملية ربط بين الاستعارة و التطبيق تارة وربطه لها مع التشبيه تارة أخرى ما يؤكد على اتصال الأسلوبية بالبلاغة العربية.
أما في سياسة البيان العربي فإن التركيز على اللغة وأهميتها ووصف ما لها من أثر في جماليات الصورة الأدبية فإن هذا خير تأكيد على الأسلوب الناجح في عملية إيصال الفكرة من خلال اللغة وطريقة التحكم بها.إضافة إلى تشكله سياسة البيان من جمالية في الأسلوب وما يعكسه هذا الجمال والترتيب على أداء المؤلفين والذي يؤثر بالتالي على أسلوبهم وطريقة عرضهم لأفكارهم البلاغية المؤثرة.وبالتالي فإنه كلما تنوعت سياسة البيان في اختلاف الأساليب فإن هذا يؤكد لنا النظام التركيبي المصنف أسلوبيا و المعتمد على التأليف في اللغة وعلى طريقة الوصف و العرض.
أما الباب الذي تحدث فيه المؤلف عن الإمام البخاري وفن الاختيار فقد لفت انتباهي كثيرا لأنني سألت نفسي لأكثر من مرة ما شأن الإمام البخاري والأسلوبية والفن البلاغي ؟لكن عندما دققت النظر في القراءة وجدت أن لديه من الأسلوب ما يؤكد اتصال الأسلوبية بالبلاغة العربية والتقائها معها حيث أن عقد النية على العمل الصحيح الهادف بالدرجة الأولى إلى إصلاح المجتمع من خلال التراكيب القرآنية و الأساليب المتصلة بالحديث الشريف إنما هي خير دليل على نجاح أسلوب البخاري في إيصال الفكرة بطريقة سلسة محببة للنفس الإنسانية .
هذا ولا أنسى القائمة الرائعة من المصادر والمراجع التي قام المؤلف بوضعها مشكورا ليتسنى لنا التعرف عليها عن قرب وهذا إن كان يدل على شيء إنما يدل على سعة اطلاعه وخبرته التي لا يستطيع أحد إنكارها........
نشرت فى 25 إبريل 2011
بواسطة elsayedahmed
السيد احمد عبد اللطيف حسين
اهتم بالكتب والمقالات والروابط وكل مايخص طالب العلم »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
125,167
ساحة النقاش