حوار: أشرف التعلبى

 

"ألق بنفسك على باب الرضا، وانخلع عن عزائمك وإرادتك" حكمة قالها قطب الصوفية أبو الحسن الشاذلى، وهى واحدة من حكم كثيرة ضمها كتاب "البحث عن السعادة.. رحلة فى الفكر الصوفى وأسرار اللغة" للدكتورة ريم بسيونى، والصادر بداية هذا الأسبوع عن دار المعارف.

وهى كاتبة وروائية، أستاذة فى الجامعة الأمريكية، وفائزة بجائزة ساويرس الأدبية عن روايتها "الدكتورة هنا"، وجائزة أحسن عمل مترجم فى الولايات المتحدة الأمريكية عن روايتها "بائع الفستق" وجائزة نجيب محفوظ للأدب من المجلس الأعلى للثقافة عن روايتها "أولاد الناس ثلاثية المماليك"، وحصلت العام الماضى على جائزة الدولة للتفوق فى مجال الآداب عن مجمل أعمالها الأدبية، ومن الروايات لها "الحب على الطريقة العربية" الصادرة عن دار الهلال، ورواية "رائحة البحر"، و"سبيل الغارق الطريق والبحر"، و"القطائع ثلاثية ابن طولون"، و"الحلوانى ثلاثية الفاطميين".

فى كتاب "البحث عن السعادة" تأخذنا الدكتورة ريم فى رحلة تاريخية وفكرية عبر الصوفية من العصر الأموى وحتى العصر المملوكى لنتعرف أكثر على الفكر الصوفى.

ما سبب اختيارك عنوان "البحث عن السعادة" لكتاب علمى يتحدث عن التصوف؟

كلمة سعادة كلمة مهم جدا فى الفكر الصوفى، وفى الدنيا بشكل عام، وربما يعتقد الناس أن كلمة سعادة غير موجودة، لكنها فى الحقيقة موجودة فى الفكر الصوفى، لذلك هناك كلمة على غلاف الكتاب "إبراهيم ابن أدهم"- الملقب بأبى إسحاق، وهو واحد من أهم العلماء الصوفيين السنيين فى القرن الثانى الهجرى -: "نحن فى سعادة لو علم بها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف"، وبالتالى هم كانوا يشعرون بقربهم من الله، وأنهم فى سعادة كبيرة جدا، ولا أحد يشعر بها إلا بالتذوق، وتذوق هذه السعادة صعب للغاية.

وفى هذا الكتاب نحاول شرح المعانى والتحديات الموجودة فى الفكر الصوفى من خلال اللغة، لأن اللغة الصوفية لغة خاصة ومختلفة، خاصة أن تخصصى العلمى هو علم لغة اجتماعى، فعندما أتحدث عن اللغة أتحدث من الناحية العلمية والاجتماعية، فالصوفيون يعيشون بطريقة معينة ولهم أسرار لغوية خاصة فى استعمال الكلمات، ومن هنا أصبح للكلمات معانى مختلفة تماما عما نعرفه نحن، هذا أدى إلى سوء فهم للمعانى التى يقصدها الصوفيون، سوء فهم من كل الناس سواء كانوا مع الصوفية أو ضد الصوفية، لذلك كان لابد من توضيح السياق بالضبط من المعانى التى كان يقصدها الصوفيون، فى كتاباتهم، لذلك أعتبر الكتاب رحلة فى الفكر الصوفى وأسرار اللغة، لتوضح الأسباب التى جعلت هناك تحديات تواجه اللغة وتكشف بعض الغموض للأشخاص العاديين.

ما القضايا التى يتطرق له الكتاب بشكل تفصيلى؟

الكتاب يتطرق إلى الفكر الصوفى وتطور الفكر الصوفى، بداية من ظهور الفكر الصوفى فى العصر الأموى حتى العصر المملوكى، وينتهى بالضبط عند "ابن عطاء الله السكندرى"- هو أحد أركان الطريقة الشاذلية الصوفية- وبالتالى نرصد تطور الفكر الصوفى وكيف اختلفت كل تجربة من تجارب الصوفيين عن الأخرى، وأن كل تجربة هى بحث عن معنى السعادة، وما يميز هذا الكتاب عن الكتب الأخرى أنه مكتوب بطريقة علمية، وفى آخر الكتاب أسماء المصادر التى رجعت إليها أثناء الكتابة، وحاولت فى مقدمة الكتاب أو الفصول أن أضع كلمات أو جمل الصوفيين أنفسهم، وفيها بعض التحدى بالنسبة للقارئ أن يفهمها، مثل الفتوحات المكية لابن عربى، وشرح بعض المقاطع من الكتب وتوضيح لسياق هذه المقاطع ومعنى الكلمات.

ماذا عن رحلة وطقوس الكتابة .. لماذا استغرقت 3 سنوات فى كتابة "البحث عن السعادة"؟

هذا كتاب بحث علمى، فمن الطبيعى أن يستغرق وقتا طويلا فى الكتابة، وبالنسبة لى الكتاب العلمى يستغرق من 3 إلى 4 سنوات فى كتابته، وهو أول كتاب علمى أكتبه باللغة العربية، كتبت من قبل كتبا علمية باللغة الإنجليزية عن مصر والهوية المصرية واللغة، وفى هذا الكتاب كنت سعيدة جدا أثناء كتابته، لأنه استغرقنى جدا، واكتشفت أمورا رائعة، وكيف أن الفكر الصوفى فكر راقى يسمو بالنفس الإنسانية، وهو تفكير تنويرى ممتلئ بالتسامح مع الذات والآخر.

دائما تكتبين فى الفكر الصوفى فى الروايات والكتب.. لماذا؟

الفكر الصوف يؤثر على فى نواحى كثيرة، وأرى أن الحركات الصوفية هى من أسمى وأعظم الحركات الفكرية الإنسانية على وجه الإطلاق، وهو فكر صعب وليس سهلا كما يوضح الكتاب، ويحتاج أن نفتح قلوبنا حتى نفهم عمقه وعمق التجربة الإنسانية فيه.. وهذا الفكر موجود فى كل رواياتى، بطريق أو بآخر، وأكثر رواية بها فكر صوفى هى رواية "سبيل الغارق"، من خلال بطل الرواية.

هل نحن فى حاجة للفكر الصوفى الآن؟

نحن فى حاجة للفكر الصوفى طوال الوقت، ليس الآن أو منذ زمن مضى أو فى وقت بعينه، نحن فى حاجة للفهم الصحيح لمعنى صفاء النفس ومعنى التسامح والرحمة، وكيف أن الأخلاق تساعدنا فى الوصول إلى السعادة، دائما نكون فى حاجة لذلك فى كل العصور، وهذه حاجة نحتاجها جميعا، المسلم والمسيحى واليهودى، كل البشر يحتاجون إلى أن يفهموا ويعرفوا معنى أعمق للدنيا، معنى أكثر روحانية.

هل يمكن اعتبار كتابك دعوة للتصوف؟ وهل  يرصد تطور الطرق الصوفية فى مصر؟

حاولت من خلال الكتاب التحدث بطريقة علمية موضوعية متخصصة فى علم اللغة الاجتماعية، عن تطور هذا الفكر على مر العصور، ولا أدعو الناس لطرق صوفية بعينها، حتى أن الكتاب نفسه لا يتطرق للحديث عن الطرق الصوفية الحديثة، وإنما ينتهى بفترة ابن عطاء الله السكندرى وهو العصر المملوكى، ويتحدث عن التجارب الإنسانية لعلماء الصوفية وبحثهم عن السعادة وهذا هو المهم فى الكتاب، ومن هنا فالكتاب لا يدعو لشيء ولا يتحدث عن الطرق الصوفية الحديثة، فقط هو يدعو للإنسانية والتسامح والرحمة واكتشاف النفس وتصفيتها.

وهل السعادة من وجهه نظرك تكمن فى التصوف؟

السعادة بالنسبة للصوفى تكمن فى تصفية النفس وتقبل الآخر والقرب من الله، وهناك أفكار كثيرة نحاول توضيحها من خلال عشرين فصلا فى الكتاب، وكل فصل من هذه الفصول يرصد تجربة لإنسان بحث عن السعادة، ويذكرنا أن السعادة لها علاقة بالأخلاق وأن الابتلاء ليس عقابا، ويذكرنا بأهمية الصبر بمعنى الصبر والقضاء والقدر، بمعنى السعى وتهذيب النفس.

ما حقيقة الصوفية؟ وهل حدثت إساءة فهم للصوفية؟

حقيقة الصوفية وإساءة فهم الصوفية له علاقة باستعمال اللغة بشكل مختلف، ولها علاقة بالصوفيين أنفسهم، بأنهم يهتموا أكثر بالصفاء النفسى عن رضاء الناس حولهم، فالكتاب يبين ما هو الفكر الصوفى وحقيقته وتطوره حتى العصر المملوكى، كما يوضح معانى الصوفية، ويرصد أيضا أن هناك علماء مسلمين مهمين جدا هم فقهاء ويعتبرون أنفسهم من الصوفية مثل جلال الدين السيوطى وأبو حامد الغزالى وعبدالقادر الجيلانى، وابن عطاء الله السكندرى، كما نحاول توضيح الفرق بين الفكر الصوفى والطريقة الصوفية.. والآن وبعد صدور هذا الكتاب أشعر أننى فى حاجة لمزيد من الكتابة لتوصيل العمق الموجود فى الفكر الصوفى.

 

 

 

elsayda

بوابة الصعايدة

رئيس التحرير: أشرف التعلبي

elsayda
نحارب الفقر- المرض- الامية -الثأر... هدفنا تنوير محافظات الصعيد- وان نكون صوت للمهمشين »

تسجيل الدخول

بالعقل

ليس كافيا أن تمتلك عقلا جيدا، فالمهم أن تستخدمه جيدا