بقلم: بهاء الدين حسن

على عكس ما يقوم به بعض المبدعين ، من اتخـاذ الغُربـة والسفـر إلى بـلاد النفط سببــا لتوضيح مدى تأثيره على الروابط الأسرية ، التى تجعل رب الأسرة فى حالة غياب وترحال ، بحثـا عن لقمة العيش ، جعل القاص والروائى أشرف التعلبي بطل روايتــه " حربى " فى حالة ترحــال دائم ، ولكن ليس إلى بـلاد النفط ، وإنمــا إلى الصحـراء ، حيث يعمـل " حربى " دليــلا ، يرشد بخبرتــه المسافرين عبر الجبـال والوديـان ...

" لقد تركتنا وعشت فى الصحـراء ، لا نراك إلا كل شهر لمدة ثلاثـة أو أربعة أيـام أين حقى وحق أبنـائى من رعايتـك واهتمامك ، أنت ياحربى تهتم بالجمل أكثر منىترعى الجمل وتنسانى ، تتحدث للجمل وتتجاهلنى " !!

من الواضح أن أشرف التعلبي فى روايته " أبي سروال " يحاول أن يسلط الضوء على أسباب انحلال الأســرة ، فالزوج فى حالة ترحـال دائم بحكـم عمله كدليــل فى الصحراء ، وهو يرى أن حياته فى الصحراء ...

" كيف يمكن للمـرء أن يعيش بلا روح ، أجـد روحى هناك فى الصحـراء ، يمكننى العيش هنــا فى هــذا البيت الضيق ، لكننى سأكــون مثـــل هــذا الحـائط ، جسد بلا روح " !!والزوجــة تشتكى وتتألم لبعـده " لقد نسيت وعدك إلى أبى ياحربى ، ألا تتذكر أنك قلت لـه بالحرف الواحد ستكون بجوارى ولا تتركنى ، ألم تقل له أنك ستضعنى فى عينيك ، ألم تقل لــه أنك لن تغضبنى أبــدا ، ألم تقل لـه أنك ستوفر لى كل ما أطلبه لماذا نسيت الوعد ياحربى " ؟

لم يكتف " حربى " بترحالـه ، بل ويفكـر فى اصطحاب ابنـه الأصغر ، ليدربه على الصحراء ويعرفه مسالكها ودروبها ، حتى يتسلم منــه الرايـة كمـا تسلمها هو من والده ، لكن الزوجة ترفض " لماذا تريده أن يبتعد عنى ، وأنت تعلم أنى أحبه أكثر من نفسى " ؟يأتى تشبث الزوجـة بالابن وعدم موافقتها على سفره إلى الوادى مع أبيه ، كتعبير عن رفض الترحال والبعد والسفر إلى المجهــول ، حتى بعــد أن وافقت على سفره بعد دنو الزوج من الزوجة والتصاق جسده بجسدها فى لحظة تناغم ، كأن الروائى يريد أن يقـول : أن كل شىء يأتى بالتفاهم ، إلا أن قلب الأم لــم يرتح لسفــر الابن عبر درب " أبى سروال " بالوادى الجديد !!

وفى مشهد حزين يصـور لنــا الروائى لحظــة وداع الأم لولدهـــا وزوجها " مازال الجملان يسيران ببطء ، ولم يبتعدا كثيـرا ، الزوجة ثابتة مكانها ، تنتظر أن يختفى الجملان من محيط رؤية العين ، لتسيـل دموعها التى حبستها ، فى حين كان الابن الصغير يلتفت برأسه الصغير للخلف ، نحو أمه ، يلوح لها بيده ، ومن بعيد تبادله الأم نفس الاشارات " !!

لا يفـوت الكاتب أن يصـور لنا حيـاة الباديــة ، وكأنه يأخذنا فى رحلة عبر الدروب والوديــان ، مرورا بالزرع الذى تفوح منـه رائحة النسيـم والجَمال الرباني ، الذى حبا الله به الطبيعة !!رحلة الابن مع أبيـه تجعل الأب يسترجع أول رحلة له هــو الآخر مع أبيه ، فــراح يقص على ولده طرفــا من حياة جده مع الصحــراء " كان جدك يعمل كدليل لرجال الحكومة فى تعمير الصحراء، يساعدهم فى الوصول للواحات عبر" درب بولاق " وعبر هـذا الدرب " أبي سروال " الذى نسير فيــه الآن ، كان يعرف كل شىء عن " جبل الرمال " و " جبل العجوز " و " جبل أم الغنايم " و " جبل الطير " !!

ويستمر الأب فى تزويد الابن من حكاوى الجد، بجانب معلومات يمد بها الابن عن البلد الذى يرحل إليه " جدك ربيع قال لى ذات مرة، أن واحة الخارجة كانت فقيرة جدا ، لكن بــدأ الاهتمــام بهــا بعد أن قام جمال عبدالناصر بإنشاء محافظة الوادى الجديد فى الستينات " !!ولا يتوقف الروائى أشرف الثعلبي عند التعريف بالمكان ، فهو يقدم المنتجات التى تشتهر بها محافظــة الوادى الجديــد كالبلــح والقمـح والفاكهــة والفريك وغيرهــا لم تكن الرحلة سهلة ، فهناك المرتفعــات والجبــال والصخــور والرمــال والشمس الحـارقــة ، غير الثعـابين والعقــارب والذئــاب والصقـــور الجـارحـــة ، التى تقلق الرحالـة !!

يحصر أشرف الثعلبي شخـوص روايتــه فى حربى الأب ، وربيع الجـد ، والأم التى يتضح فى نهاية الرواية أن اسمها " عوالى " ، والابن الصغير المسمى " ربيع " على اسم جـده ، ورفيقه فى الترحال " حامد " ، الذى تخلف عن مصاحبتـه لزواج ابنته ، والذى لم يظهر له أثر فى الرواية فيما بعـد !!

فعلى عكس ماهـــو متعارف عليــه ، من أن الروايــة تتفرع إلى أحداث وشخوص عديدة ، فلم يقدم لنا أشرف التعلبي من خلال الروايـة غير الأشخاص المعلن عنهم ولم تخــرج الأحداث عن رحلــة " حربى " وولـده إلى " أبى سروال " ، ربما لأن أشرف التعلبي أراد أن يخرج عن المألوف ، ويخلع ثوب الرواية التقليدية ، وربما لأنه فى المقــام الأول هو كاتب قصة قصيرة ، فكتب الرواية بروح القصة القصيرة الأمــر الذى جعــل الروايــة لا يزيد عدد صفحاتها عن 155 صفحـة ، فى الوقت الذى تصل فيه عدد صفحات بعض الروايات إلى 200 و 300 صفحة ، ويزيد !!

يضع التعلبي القــارئ أثناء رحلــة " حربى " إلى " أبي سروال " فى حالـة ترقب وتوجس ، فالسير فى الصحــراء تحفه المخاطـر ، وعلى الرغم من أن التعلبي نجّا بطلــه " حربى " وابنــه من كل ما يحيــق بـهمــا من مخاطـر، إلا أنه فاجأ القارئ بموت الجمل ، الذى تبعــه توقف الرحلــة ورجــوع " حربى " ، ثـــم تعرض الابن الصغير أثنـاء العـودة لدور حمى أودت بحياتـه !!

وعلى الرغم من أن الرواية تحتمل السـرد ، إلا أن السـرد الذى تمادى فيه الروائى بعد موت الابن الصغيـر ، جعــل خاتمة الروايـــة تدخــل فى حالة ترهل واستطراد من شأنــه أن يصيب القــارئ ( إن لم يكن قد أصابه بالفعــل ) بالملل ، فبعد صدمة القـارئ بموت الابن ، لم يعد القارئ مهيئا لأن يتقبل أى تفاصيل أو شروحـات ، إذ ماذا ينتظر القارىء بعد موت من هو من المفترض أن يحمل الراية من أبيه ؟ ولكن يبــدو أن أشرف التعلبي شعـر بالذنب ، فأراد أن يضمد جراح القارئ ، وأن يقول له، أن الله الذى أخذ من" حربى " ابنه الصغير ، عوضه بابنه الآخـر ، الذى أصبح تاجـر غَنَم ، وجعل من " حربى " معلما لفنـــون الصحراء ، يعلّم الناس فى نجعه والنجوع المجاورة.

المصدر: جريدة القاهرة
elsayda

بوابة الصعايدة

رئيس التحرير: أشرف التعلبي

elsayda
نحارب الفقر- المرض- الامية -الثأر... هدفنا تنوير محافظات الصعيد- وان نكون صوت للمهمشين »

تسجيل الدخول

بالعقل

ليس كافيا أن تمتلك عقلا جيدا، فالمهم أن تستخدمه جيدا