• مصر لن تفرط فى نقطة واحدة من حقوقها فى مياه النيل

تقرير: أشرف التعلبى

لسنوات عدة ظلت مصر تتمسك بمبدأ التفاوض مع الجانب الإثيوبى بشأن سد النهضة، ولم ينفد فيها صبر المفاوض المصرى، رغم كل ما لجأ إليه الجانب الإثيوبى من مماطلة ومحاولات للتنصل من الالتزامات طوال تلك السنوات.

وكان آخر هذه المماطلة والخداع الإثيوبى فى المفاوضات الأخيرة التى حضرتها مصر، خلال الفترة من ٩ إلى ١٣ يونيو الحالى للتوصل إلى إتفاق كامل للملء والتشغيل.. بعد أن شاركت مصر فى هذه المفاوضات بين وزراء رى مصر والسودان وإثيوبيا، استجابة لمبادرة أعلنها رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك، بحضور المراقبين الدوليين الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الأوروبى وجنوب إفريقيا الرئيس الحالى للاتحاد الإفريقى، لاستئناف المحادثات الثلاثية والتى توقفت منذ فبراير الماضى بواشنطن، بعد رفض الجانب الإثيوبى التوقيع على وثيقة واشنطن.

مصر والسودان ترفضان ورقة أديس أبابا لتجاهلها حقوق دولتى المصب.. وتحايلها على اتفاق المبادئ

رسلان: القيادة المصرية تدير الملف باحترافية وتعرف كيف تحمى حقوقنا المائية وعلينا دعمها

نصر علام: إثيوبيا ستحاول إظهار أن فشل التفاوض هو بسبب تعنت مصر وليس بسبب تعنتها، ولكنها ستفشل فى ذلك لأن ألاعيبها أصبحت مكشوفة أمام الجميع

تحفظت مصر والسودان خلال المفاوضات الأخيرة على الورقة الإثيوبية التى تقدمت بها لأنها تمثل تراجعاً كاملاً عن المبادئ والقواعد التى سبق وأن توافقت عليها الدول الثلاث فى المفاوضات التى جرت بمشاركة ورعاية الولايات المتحدة والبنك الدولى، بل وتهدر كافة التفاهمات الفنية التى تم التوصل إليها فى جولات المفاوضات السابقة.

مصر منذ بداية المفاوضات موقفها واضح، وأكدت على استمرار تمسكها بالاتفاق الذى انتهى إليه مسار المفاوضات التى أجريت فى واشنطن؛ لأنه اتفاق منصف ومتوازن ويمكّن إثيوبيا من تحقيق أهدافها التنموية مع الحفاظ على حقوق دولتى المصب.

كما أكدت مصر على ضرورة أن تقوم إثيوبيا بمراجعة موقفها الذى يعرقل إمكانية التوصل لاتفاق، وأن تمتنع إثيوبيا عن اتخاذ أية إجراءات أحادية بالمخالفة لالتزاماتها القانونية، وخاصة أحكام اتفاق إعلان المبادئ المبرم فى ٢٠١٥، لما يمثله هذا النهج الإثيوبى من تعقيد للموقف قد يؤدى إلى تأزيم الوضع فى المنطقة برمتها.

فمصر المحبة للسلام والساعية لكل السبل التفاوضية لديها ثوابت واضحة لن تتهاون فيها وفى مقدمتها أن مياه النيل خط أحمر وأمن قومى ومسألة حياة أو موت، ولا يمكن أن تتنازل عن أى حق من حقوقها مهما كلفها ذلك، فمصر متمسكة بحقوقها التاريخية فى مياه النيل ولن تقبل المساس بنقطة واحدة منها.

الثوابت المصرية تتضمن أيضا أنها لا يمكن أن تقف ضد تنمية ورخاء وازدهار أى دولة من دول القارة الإفريقية، سواء إثيوبيا أو غيرها، بل إن مصر على أتم الاستعداد للتعاون مع الجانب الإثيوبى فيما يتعلق بملف سد النهضة، لكن هذا التعاون يجب ألا يتم على حساب الحقوق المائية لمصر.

رفض مصر للطرح الإثيوبى

وفقا لهذه الثوابت جاء الرفض المصرى القاطع للطرح الإثيوبى الأخير الذى تضمن ١٣ بندا وفقا لاعتراف وزير الموارد المائية سيلشى بيكلي، حول قواعد الملء والتشغيل، أسباب الرفض كشف عنها المتحدث الرسمى باسم وزارة الرى محمد السباعي.. أولها أنه فى الوقت الذى تسعى فيه مصر والسودان للتوصل لوثيقة قانونية ملزمة تنظم ملء وتشغيل سد النهضة وتحفظ حقوق الدول الثلاث، فإن إثيوبيا تحاول أن يتم التوقيع على ورقة غير ملزمة تقوم بموجبها دولتا المصب بالتخلى عن حقوقهما المائية والاعتراف لإثيوبيا بحق غير مشروط فى استخدام مياه النيل الأزرق بشكل أحادى وبملء وتشغيل سد النهضة وفق رؤيتها المنفردة وليس بما يضمن حقوق ومصالح الجميع.

الثانى: أن الطرح الإثيوبى يهدف إلى إهدار كافة الاتفاقات والتفاهمات التى توصلت إليها الدول الثلاث خلال المفاوضات الممتدة لما يقرب من عقد كامل، بما فى ذلك الاتفاقات التى خلصت إليها جولات المفاوضات التى أجريت مؤخراً بمشاركة الولايات المتحدة والبنك الدولى.

الثالث: أن الورقة الإثيوبية لا تقدم أى ضمانات تؤمن دولتى المصب فى فترات الجفاف والجفاف الممتد، ولا توفر أى حماية لهما من الآثار والأضرار الجسيمة التى قد تترتب على ملء وتشغل سد النهضة.

الرابع: أن الورقة الإثيوبية تنص على حق إثيوبيا المطلق فى تغيير وتعديل قواعد ملء وتشغيل سد النهضة بشكل أحادى على ضوء معدلات توليد الكهرباء من السد ولتلبية احتياجاتها المائية، دون حتى الالتفات إلى مصالح دولتى المصب أو أخذها فى الاعتبار.

السباعى وصف الورقة الإثيوبية بأنها محاولة جديدة واضحة لفرض الأمر الواقع على دولتى المصب، لأن الموقف الإثيوبى يتأسس على إرغام مصر والسودان إما على التوقيع على وثيقة تجعلهما أسرى لإرادة إثيوبيا، أو أن يقبلا بقيام إثيوبيا باتخاذ إجراءات أحادية كالبدء فى ملء سد النهضة دون اتفاق مع دولتى المصب. وقال المتحدث الرسمى إن هذا الموقف الإثيوبى مؤسف وغير مقبول ولا يعكس روح التعاون وحسن الجوار التى يتعين أن تسود العلاقات بين الأشقاء الأفارقة وبين الدول التى تتشارك موارد مائية دولية.

الخيارات كثيرة:

الدكتور هانى رسلان، رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يرى أنه علينا أن نأخذ قضية سد النهضة دون تهويل أو تهوين، وعلينا أن نتذكر أن لدينا قيادة لا تفرط فى جزء بسيط من حقوق مصر وتعرف كيف تحمى هذه الحقوق وتدير الملف باحترافية وفهم شديدين، وبالتالى علينا مساندة القيادة ودعمها دون قلق.

ويوضح الدكتور هانى أن الجانب المصرى يؤكد دائما على ضرورة جدية المفاوضات، وأن تكون هناك إرادة سياسية حقيقية لدى إثيوبيا للتسوية والتوصل لاتفاق، لأنه ثبت خلال المفاوضات المتوالية أن هذه الإرادة لم تكن موجودة، وأن إثيوبيا كانت تتفاوض بسوء نية، وهذا أمر لم يعد مقبولا لأنه ليس من المعقول بعد ١٠ سنوات من التفاوض أن نعود إلى نقطة الصفر مرة أخرى ونهدم كل ما مضى.

وللأسف إثيوبيا تسير على نفس السلوك المخادع، ولهذا أعدت طرحا كاملا كبديل لوثيقة واشنطن، وهذا الطرح يعنى أن إثيوبيا تريد العودة بالمفاوضات إلى نقطة الصفر فى كل الأمور، وهذا الأمر يدخل فى إطار عدم اللياقة والتصرفات «الصبيانية» والاستخفاف بالأطراف الأخرى، وهذا السلوك غير معهود فى العلاقات الدولية بأن تتصرف دولة بانعدام مسئولية لهذا المستوى.

وحسب بيان وزارة الرى السودانية فإنه أثناء المفاوضات حدثت مشاحنات فى الاجتماعات نتيجة الطرح الإثيوبى، وكان الطرف المقابل لإثيوبيا فى هذه المشاحنات هو الوفد السودانى، الذى كان له رأى قوى ضد الموقف الإثيوبى، وهذا أمر مهم وتغيير كبير فى الموقف السودانى يؤكد مدى التعنت الإثيوبى.

وبتعثر هذه المفاوضات بسبب التعنت الإثيوبى تكون المدة التى حددتها مصر انتهت، ويكون من الثابت وقطعيا أمام المراقبين وفى حضورهم أن إثيوبيا تماطل وليس لديها نية للتوصل لاتفاق، وستعلن مصر أن إثيوبيا هى المتسبب فى التوصل إلى انسداد كامل، وأن أديس بابا إذا شرعت فى عملية الملء فستكون عملية غير متفق عليها، وبالتالى تكون غير مشروعة من الناحية القانونية وسيظل التعامل معها على هذا الأساس.

رسلان يرى أيضا أن الموقف السودانى سيستمر على وضعه الحالى، وهذا سيضع إثيوبيا فى حرج ومأزق وفى حالة انكشاف كامل أمام المجتمع الإقليمى والدولى وأيضا أمام القارة الإفريقية، لأن كل ما تفعله هو كذب وخداع وسوء نية واضح، وستصبح دولة فاقدة للمصداقية تماما، وهذا أيضا يعطى لمصر بعد أن استنزفت كل سبل التعاون الحق فى الدفاع المشروع عن كل مصالحها بالطريقة التى تراها مناسبة وفى التوقيت الذى تراه مناسبا.

سألت رسلان.. ماذا ستفعل مصر وما الخيارات؟.. فقال إن تحركات مصر ستكون متشعبة فى المجالات الدبلوماسية والقانونية وفى المجتمع الدولى وفى الإطار الإقليمى، وستكون حالة من الصراع، لأن العلاقات الدولية إما أن تكون فى اتجاه التعاون وإما فى اتجاه الصراع، ومصر حريصة على التعاون لكن إثيوبيا هى التى تدفع للصراع، وإذا انتقلنا لحالة الصراع فهذه طائفة واسعة من الأدوات والوسائل وعلينا أن نترك التقديرات فيها وحرية الحركة كاملة للقيادة السياسية التى تمتلك كل التفاصيل والتى تدرس مسرح الأحداث بكل معطياته لكى تتخذ القرارات المناسبة فى الوقت المناسب والقيادة السياسية تعرف تماما كيف تحمى حقوق مصر.

وعن سبب اشتراك مصر فى المفاوضات الأخيرة رغم وضوح التعنت الإثيوبى.. يقول الدكتور هانى إن الإعلام الغربى يتعاطف مع إثيوبيا لنقطتين الأولى أن إثيوبيا تقدم نفسها عبر القرون أنها مرتكز المسيحية فى إفريقيا، وثانيا أن هناك أساطير إثيوبيا تقول إن الأمهرة الإثيوبيين منحدرون من نسل النبى سليمان والملكة بلقيس، وبالتالى هناك رابط باليهودية والصهيونية العالمية، لذلك هناك تعاطف متعمد فى الإعلام الغربى ومواقف الاتحاد الأوروبى والأمريكان مع إثيوبيا، بالإضافة أنها دائما تتحدث أنهم فقراء ويحتاجون تنمية ومحرومون من استخدام مواردنا.

فمصر لا تستطيع دخول حالة صراعية إلا بعد أن تستنزف كل الفرص المتعلقة بالتعاون وكشف كذب وخداع إثيوبيا أمام العالم وتجريدها من التعاطف ووضعها فى صورة الدولة المعتدية العدوانية، فلابد من تجهيز المسرح الإقليمى والدولى وإظهار التعنت الإثيوبى أمام العالم وإثبات أنها ليست كما تصور نفسها، وبدلا من أن تشكو مصر بأنها تحرمها من التنمية نوضح للعالم أن مصر مدت يدها لإثيوبيا وسعت إلى التعاون بكافة السبل لكن إثيوبيا تكذب وتريد إنشاء بنك للمياه وتبيع وتشترى.

وهذا الموقف ينطبق على وثيقة واشنطن، عندما قمنا نحن بالتوقيع عليها وهم لم يوقعوا عليها فأصبحوا فى موقف الكذاب والمماطل، كما أن المراقبين فى المفاوضات الأخيرة شاهدون على التعنت الإثيوبى والأطروحات التى تهدم كل ما توصلت إليه المفاوضات خلال عشر سنوات مضت.

مخاطبة الإعلام الغربى:

من جانبه وضع الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الأراضى والمياه بكلية الزراعة جامعة القاهرة، عددا من المقترحات يمكن من خلالها مخاطبة الإعلام الخارجى بشأن سد النهضة وإثبات التعنت والإصرار الإثيوبى على الإضرار بالمصالح المصرية.. أولها أن إثيوبيا تقول إنها دولة فقيرة فكيف بدولة فقيرة تهدد بالحرب وبحشد مليون جندى.

ثانيا أن كهرباء السد للبيع الخارجى وليس لأهل إثيوبيا ولم تعرف دولة فى العالم بنت اقتصادها من حصيلة بيع الكهرباء. ثالثا أن ربط التنمية بالمياه خطأ متعمد ومغالطة وإلا كانت دولة الكونغو بنهرها العظيم هى أغنى دولة فى إفريقيا وكانت كندا التى تمتلك خُمس مياه العالم هى أغنى دولة فى أمريكا الشمالية والبرازيل بنهر الأمازون هى أغنى دولة فى أمريكا اللاتينية.

رابعا أن مصر تعانى عجزا مائيا يبلغ ٤٢ مليار متر مكعب سنويا حيث لا يمتلك ١٠٤ ملايين نسمة من شعبها إلا ٦٢ مليار متر مكعب بدلا من ١٠٤ مليارات متر مكعب، وبالتالى فهى فى حاجة لكل قطرة مياه ويجب تقدير عدم قدرتها على الاستغناء عما تعودت على استلامه من المياه عبر تدفق حر للنهر منذ آلاف السنين.

سادسا أن بحيرة تانا فى إثيوبيا والتى تبلغ سعتها ٥٥ مليار متر مكعبا والتى ينبع منها النيل الأزرق تضمن وحدها لإثيوبيا حصة مائية أكبر من جميع دول حوض النيل ولا أحد يشاركها فى مياه البحيرة وأسماكها ومعالمها السياحية.

وسابعا أن مصر تستورد ٦٥ بالمائة من غذائها الأساسى بسبب شح ونقص المياه مقابل اكتفاء ذاتى لإثيوبيا. وثامنا أنه لا يصل إلى النيل الأزرق أكثر من ١بالمائة فقط من موارد وأمطار وبحيرات حوض النهر. تاسعا أنه يسقط على إثيوبيا ٩٣٦ مليار متر مكعب من الأمطار مقابل جفاف وقحط دائم فى مصر.

والنقطة العاشرة أن إثيوبيا تمتلك تسعة أحواض أنهار، ويتكون كل حوض من عشرات الأنهار والروافد مقابل نهر وحيد بلا روافد أو فروع فى مصر، وبالتالى تمتلك إثيوبيا بدائل عديدة لنهر النيل ولا تمتلك مصر أى بدائل للنيل.

كما تضمنت الروشتة أن نصيب الفرد من المياه الجارية المتجددة فى مصر ٥٠٠ متر مكعب/سنة مقابل ١٦٥٠ متر مكعب/سنة فى إثيوبيا، وأن مصر تعيش على ٧بالمائة فقط من مساحة بلدها والباقى صحراء جرداء بينما تمثل إثيوبيا نافورة مياه إفريقيا ويعيش شعبها على أغلب مساحتها.

والنقطة الأخيرة أنه لا يصح استخدام المياه لأهداف سياسية ولا بغرض الريادة الإقليميةـ ولا يصح بناء السدود من أجل السيطرة على بلد جار والتحكم فى مقدراته، لأنها مورد طبيعى للحفاظ على الحياه وإنتاج الغذاء ومياه الشرب والحفاظ على حياة البشر.

فيما يؤكد الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية والرى الأسبق، أن الهدف الرئيسى لإثيوبيا هو عدم الوصول لاتفاق نهائى بل اتفاق فقط حول ملء السد؛ لتتصرف بعدها كما تشاء فى التشغيل وفرض السد كأمر واقع يحقق المخططات الإثيوبية لبيع للمياه وبناء سدود إضافية للكهرباء والزراعة واتباع السياسة البريطانية أى سياسة العصا والجزرة للتحكم فى مصر ولو نسبيا.

ويرى وزير الموارد المائية والرى الأسبق أن إثيوبيا ستتراجع تدريجيا فى تعنتها لكى تستمر المفاوضات لأطول وقت ممكن، كما أنها ستحاول إظهار أن فشل التفاوض هو بسبب تعنت مصر وليس بسبب تعنتها، ولكنها ستفشل فى ذلك لأن ألاعيبها ووسائل المماطلة والخداع التى تلجأ إليها أصبحت مكشوفة أمام الجميع.

elsayda

بوابة الصعايدة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 74 مشاهدة

رئيس التحرير: أشرف التعلبي

elsayda
نحارب الفقر- المرض- الامية -الثأر... هدفنا تنوير محافظات الصعيد- وان نكون صوت للمهمشين »

تسجيل الدخول

بالعقل

ليس كافيا أن تمتلك عقلا جيدا، فالمهم أن تستخدمه جيدا