{ وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } عندما يكون الانسان ظالم لنفسه ولغيره ، وجاحد لنعمة الله : يرى مايستحق من ظلم وحياة متعبة ومزعجة . أنَّ الله تعالى إنَّما يولي على النَّاس بأعمالِهم إن كانَ خيرًا ولَّى عليهم خيارَهم وإن كانَ شرًّا ولَّى عليهم شرارَهم وهذا من بابِ أنَّ الجزاءَ من جنسِ العملِ وتأمَّلْ حِكمَتهُ تعالى في أنْ جَعَلَ مُلوكَ العبادِ وأُمراءَهُم وولاتَهُم من جنسِِ أعمالهم، بل كأنَّ أعمالَهم ظَهَرَت في صورِ وُلاتِهم وملوكهم؛ فإن استقاموا استقامَت ملوكُهُم، وإن عَدَلُوا عَدلتْ عليهم، وإن جاروا جارَت مُلوكُهُم وولاتُهُم، وإنْ ظَهَرَ فيهم المكرُ والخديعَةُ فَوُلاتُهم كذلكَ، وإنْ منَعوا حقوقَ اللهِ لديهم وبَخِلوا بها منعَتْ ملوكُهُم وولاتُهم ما لهم عندَهم منَ الحقِّ وبَخِلوا بها عليهم، وإنْ أخَذوا ممَّن يستضعفونُه ما لا يستحقُّونه في مُعاملتهم أخذت منهم الملوكُ ما لا يستحقُّونه وضربت عليهم المكوسَ والوظائفَ، وكُلُّ ما يَستخرجونهُ من الضَّعيفِ يستخرجهُ الملوكُ منهم بِالقوَّةِ، فعمَّالُهم ظَهَرَتْ في صُوَرِِ أعمالِهم. الحذرَ الحذر يا مَنْ تظلمُ نفسَكَ وغيَرك إنَّك على خطر، توشِك لِأنْ تصلَى سقر، وما أدْراك ما سقر، لا تُبقي و لا تذر، لواحةٌ للبشر، عليها تسعة عشر والله تعالى قد حرَّمَ الظُّلمَ على نفسِه و حرمَّهُ على عباده ،وتوعَّد أهلَه بأنْ يُذيقَهم ألوانَ العذابِ في الدُّنيا والآخرةِ، وقد جاءَتْ هذه الآيةُ الكريمةُ متضمنةٌ العقابَ الدُّنيوي للظَّالمينَ بتسليطِ مَن هُم كأمثالِهم عليهم. وهذا تهديد للظالم إن لم يمتنعْ من ظلمِه سلََّطَ اللهُ عليه ظالمًا آخر. و جميعُ مَن يظلمُ نفسَه أو يظلِمُ الرَّعيَّة ، أو التَّاجرُ يظلمُ النَّاسَ في تجارتِه أو السَّارقُ وغيرُهم. وقالَ فضيلُ بنُ عياض : إذا رأيتَ ظالمًا ينتقمُ مِن ظالمٍ فَقِفْ، وانظرْ فيه مُتعجِّبًا. وقالَ ابنُ عبَّاس : إذا رَضِي اللهُ عن قومٍ ولَّى أمرَهم خيارَهم ، وإذا سَخِطَ اللهُ على قومٍ ولَّى أمرَهم شِرارَهم والمقصود ايضا من ذكر الآية الكريمة : أنه كما ولَّيْنَا الجن المردة وسلطناهم على إضلال أوليائهم من الإنس وعقدنا بينهم عقد الموالاة والموافقة، بسبب كسبهم وسعيهم بذلك. كذلك من سنتنا أن نولي كل ظالم ظالمًا مثله، يؤزه إلى الشر ويحثه عليه، ويزهده في الخير وينفره عنه، وذلك من عقوبات الله العظيمة الشنيع أثرها، البليغ خطرها. والذنب ذنب الظالم، فهو الذي أدخل الضرر على نفسه، وعلى نفسه جنى {وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} ومن ذلك، أن العباد إذا كثر ظلمهم وفسادهم،ومنْعهم الحقوق الواجبة، ولَّى عليهم ظلمة، يسومونهم سوء العذاب، ويأخذون منهم بالظلم والجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله، وحقوق عباده، على وجه غير مأجورين فيه ولا محتسبين.كما أن العباد إذا صلحوا واستقاموا، أصلح الله رعاتهم، وجعلهم أئمة عدل وإنصاف، لا ولاة ظلم واعتساف ....... كفانا الله وعافانا شر الظلم والظالمين بقلمى عاطف البرديسي