أطلق الشعب المصرى أمس ثورة جديدة لتصحيح مسار ثورة ٢٥ يناير، ودوّت فى جميع ميادين القاهرة والمحافظات هتافات موحدة لملايين المتظاهرين، تطالب بإسقاط نظام الرئيس محمد مرسى، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
ففى ميدان التحرير «أيقونة ثورة ٢٥ يناير»، كان المشهد منذ ساعات الصباح الأولى حاشداً ومهيباً، إذ اكتظت جنباته بالمتظاهرين الذين لم تمنعهم حرارة الشمس الحارقة أو الزحام الخانق عن البقاء ثابتين فى أماكنهم لترديد هتافات: «الشعب يريد إسقاط النظام»، و«ارحل»، و«يسقط يسقط حكم المرشد».
«كان لدينا حلم فى يناير ٢٠١١، لكنه تحول إلى كابوس مع وجود محمد مرسى رئيساً للبلاد، والذى حاول أن يقتل فينا ذلك الحلم، لكننا نعود اليوم إلى الميدان لنقول له (واهم إذا حاولت إعادة عقارب الساعة إلى الوراء).. فنحن شعب لن يركع لحاكم ديكتاتور».. هكذا قال أحد المتظاهرين الشباب الذى شكل مع رفاقه «لجاناً شعبية» لحماية رافضى حكم مرسى وجماعة الإخوان المسلمين.
الميادين الأخرى بالقاهرة والجيزة كانت بمثابة «رحم لثورة العاصمة»، حيث خرجت منها مسيرات تقدمها ناشطون وسياسيون بارزون، مثل: محمد البرادعى وحمدين صباحى وغيرهما، لكنها سرعان ما ذابت بين أبناء الشعب، وكذلك رجال الشرطة الذين انضموا لهم واحتضنوا هتافاتهم، لتشهد ثورة ٣٠ يونيو شعاراً جديداً وهو «الشعب والشرطة إيد واحدة» حيث صرح وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم لـ«المصرى اليوم» قائلاً: «سندافع عن المتظاهرين بمنتهى القوة، ولن نسمح بالاعتداء عليهم، حتى بالقول».
وتتحول المسيرات فى ظل هذه التطورات إلى كتلة بشرية هائلة مثل «كرة الثلج» التى يزداد حجمها كلما تدحرجت من فوق الجبل، ثم صبت بشكل حضارى مخزونها الثورى فى ميدان التحرير ثم قصر الاتحادية الرئاسى.
القصر كان بالفعل مكتظاً بمن حوله، فمئات الآلاف من الشعب انتشروا فى محيطه، تلبية لنداء حملة «تمرد»، وأغلقوا- فى إشارة لا تخلو من رمزية- بوابته الوحيدة، التى لم يحصنها الحرس الجمهورى بالحواجز الخرسانية، بصورة كبيرة تطالب مرسى وقادة الإخوان بالرحيل الطوعى عن كرسى الحكم.
فى المحافظات، لم يكن المشهد بعيداً عن حالة الغليان الثورى إن لم يكن أكثر، إذ لم تقتصر على المظاهرات الحاشدة المنددة بالنظام والمطالبة بإسقاطه أو حتى رفعها الكارت الأحمر لـ«مرسى»، بل تخطى الأمر إلى حد فرض العصيان المدنى بـ«أمر الشعب»، وتمكن المتظاهرون فى الدقهلية وكفر الشيخ والمنوفية والشرقية والقليوبية من حصار مبانى المحافظات والمكاتب الحكومية، وإغلاقها بالجنازير وطرد محافظى «الإخوان»، حتى يسقط النظام. لكن اللافت أكثر فى المشهد الثورى خارج العاصمة هو رفض كثير من محافظات الصعيد تهديدات حلفاء مرسى، وخرجوا للمطالبة بإسقاط النظام.
ونشبت اشتباكات بين مؤيدين ومعارضين للرئيس مرسى، أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات، ففى أسيوط قتل ٤ أشخاص برصاص مسلحين يستقلون دراجة بخارية، ومقتل آخر ببنى سويف ينتمى للجماعة الإسلامية بطلق نارى بطريق الخطأ.
وكشف مصدر عسكرى لـ«المصرى اليوم» عن تقدير طائرات المراقبة الجوية عدد المتظاهرين المطالبين بسقوط الرئيس مرسى بـ«الملايين» مؤكداً أنها أكبر تظاهرة فى تاريخ البلاد، فى وقت ألقت طائرات الجيش الأعلام على المتظاهرين بالميادين.
«الخروج الكبير للشعب» شكّل نوعاً من «المفاجأة الصاعقة» للنظام ومن يدور فى فلكه، دفعتهم إلى اقتراح يقضى بتكليف الفريق أول عبدالفتاح السيسى، القائد العام، وزير الدفاع والإنتاج الحربى، بتشكيل الحكومة، لكن القوات المسلحة التى حلقت طائراتها العسكرية فوق أماكن المظاهرت «حماية ودعماً» رفضت الوقوع فى الفخ الذى سيجعلها فى «مواجهة شعب ثائر»، وخرج أحد المصادر العسكرية ليقول بكل وضوح: «إنها محاولة ملتوية لإبعاد السيسى عن وزارة الدفاع.. العبوا غيرها».
من جانبه، عاد الرئيس مرسى إلى لغة التهديد وكرر «استنساخ» القول المأثور لسلفه حسنى مبارك، الذى كان يُخيّر الشعب «أنا أو الفوضى»، وقال فى تصريحات لصحيفة «الجارديان» البريطانية: «استقالتى المبكرة ستقلل من شرعية من سيأتون بعدى، وبالتالى تدخل البلاد فى فوضى لا نهائية»، مشيرا بثقة ليست فى وقتها: «لن تكون هناك ثورة ثانية فى مصر».