الرياضيات: الرفيق المخيف
د. فيصل بن عبدالله المشاري آل سعود
مدير المركز الوطني للقياس والتقويم
يفاجأ عضو هيئة التدريس بالجامعة أو مؤسسات المجتمع التعليمية بعجز الطلاب في مراحل دراسية مختلفة عن إجابة أسئلة رياضية بسيطة لا تتطلب استحضار نظريات معقدة ولا حقائق مركبة، بل هي من أبجديات الحساب التي يمكن للشخص الأمي أن يجيب عنها. شدني مرة أداء طالب بالسنة الثالثة في كلية علمية بتكرار خطأٍ فادح أكثر من ثلاث مرات وهو (). وقد نسي الطالب العزيز أنه يجمع ( نصف + نصف) ليعطي النتيجة ( ربعاً ) بدلاً من الواحد !!. تفسيري لهذا الخطأ أن الطالب نسي أن القاعدة في جمع الكسور هو بجمع البسطين إذا كان المقامان موحدين فعكس الأمر وجمع المقامين ووحد البسطين. لوفكر الطالب في العبارة الرياضية ونظر إليها بشكل تطبيقي لما أخطأ ولكن يبدو أننا غرسنا بطريقتنا في التعليم حواجز وكره لأي شيء يسمى رياضيات.يطالعنا دائماً الكثير من الطلاب الذين تصيبهم الحساسية والصدود والخوف أحياناً حينما توجه لهم سؤالاً رياضياً بسيطاً يعتمد على أساسيات الجمع والطرح فقط، وتجدهم يعبرون بعبارات معتادة منها "أتريد أن تقلبها مدرسة" أو "يا أخي اتركنا من الرياضيات".في المدارس و يوم اجتماع أولياء الأمور مع المعلمين تجد الطابور أمام معلمي الرياضيات طويلاً، هذا يشتكي من ضعف درجة ابنة وهذا يريد مخرجاً لابنة حتى يتعدى مرحلة الصف الأول الثانوي ليودع الرياضيات من غير رجعة.منذ سنوات والمملكة تشارك في اختبارات "التيمز" القياسية ومراراً وتكراراً لا نحصل إلا على درجات متأخرة في هذه الاختبارات بما يضيف معلومة مهمة وهي أن لدينا خصوصية سلبية في تعليم وتعلم الرياضيات مقارنة بغيرنا.كثير منا تكلم في الموضوع ولكن أغلب كلامنا موجه للنقد السلبي الذي يصف الواقع بالسوء دون أن يضع الحلول. وان كان هناك من يقترح الحلول فإنها إما أن تكون حلولاً جزئية أو حلولاً لاتصل إلى موضع التنفيذ، وإن كنا محظوظين فإن حلولنا تنقصها التكاملية والمصداقية، فليس كل المبادرات والمقترحات قابلة للتطبيق وبعضها قد لا يؤدي بالضرورة إلى حل المشكلة، وذلك لإهمالنا لتحقيق عوامل النجاح في مقترحاتنا ومبادراتنا بعدم دراستها وصياغتها بالشكل الصحيح.ولعل من أكبر أسباب تدني مستوى الرياضيات لدى أبنائنا هو عدم حبهم لهذه المادة من الأصل وما غرسناه فيهم عبر السنوات من أنها مادة جامدة لا علاقة لها بالواقع وأنها من تسلط المسئولين عن التعليم بهدف تقييد الطلاب والإضرار بهم !!مناهج الرياضيات وأسلوبها في العرض والتطبيق أحد العوامل، ومعلمونا وعدم تدريبهم على الأساليب الصحيحة من أهم العوامل التي تساعد على الانفصام النكد بين الطالب والرياضيات.يعجبني أحد معلمي الرياضيات في الصف الخامس الابتدائي حينما طلب من طلابه تطبيقاً على درس مساحة المربع والمستطيل بأن طلب منهم أن يرسم كل واحد منهم مخططاً لبيته يوضح فيه الغرف والصالات والمطبخ وجميع المرافق وأن يقيسوا أبعاد كل غرفة ويحسبوا مساحاتها، ويقدموها كواجب منزلي. أنظروا كيف حقق هذا المعلم عدة أهداف منها ، أولاً: إحساس الطالب بما يمثله المتر والمترين والثلاثة أمتار من الطول. فبعض الطلاب بالجامعة لا يوجد عنده حس بالمتر أو الكيلومتر ولا يمكن أن يقدر طول الغرفة أو المسافة بينه وبين المسجد أو بين مدينته و مدينة أخرى. ثانياً: استفاد الطالب درساً عملياً متكرراً لمعرفة الطول والعرض وحساب المسافة وتطبيق ضرب الأعداد الصحيحة وغير الصحيحة في تطبيق عملي متكرر. وأود التأكيد على التكرار لأنه في اعتقادي الوسيلة الناجحة لتكريس المفهوم. ثالثاً: ربط المعلم الطالب بالدرس في البيت وأشرك عائلته من أب وأم وإخوان في نشاط مفيد يتعلم منه الجميع ويعلم الكبير الصغير ويراجع الكبير معلوماته السابقة، كما اكتسب الطالب درساً إضافياً وتطبيقاً بعيداً عن رسمية التعليم بالمدرسة.هذا مثال واحد لما يمكن أن يقوم به المعلم ولا أدعي أن هذه الفكرة جديدة بل قد تكون موجودة كنشاط في الكتاب المدرسي لكن من يطبقها من المعلمين؟!باختصار فالشأن في تعليم وتعلم الرياضيات ذو شجون وهو مجال ملح وهام ونعتقد أن بإمكاننا أن نبدع فيه وأن نخرج مجتمعنا من أسر و رهبه الرياضيات. ولعل الأهداف التي وضعها مركز التميز لتطوير تعليم العلوم والرياضيات بجامعة الملك سعود، وغيره من المراكز المشابهة، أهداف كبيرة ويجب أن تجتمع هذه المراكز وجميع المهتمين للمشاركة في مشاريع إيجابية ومبادرات عملية وبرامج سهلة وميسرة للنهوض بمستوى الرياضيات عند أبنائنا ومجتمعنا.
Twitter AL- Enazi
ساحة النقاش