موقع مزيف احذر الدخول فيه

موقع مزيف احذر الدخول

 

ثمّة حاجة لإعادة النظر في أسباب احتكار الغرب للمعرفة المُنتجَة عن الوطن العربي. لكن يبدو أن "النشر الدولي"، هو أحد الأمثلة التي تظهر كيفيّة تكريس هذا shirine abou el najaالاحتكار، ولاسيّما في وطننا العربي، حيث تبدو نسبة مَن ينجح في نشر أبحاثه في مجلة أو دورية دولية ضئيلة مقارنةً بحجم ما يتمّ إنتاجه في الوطن العربي بشكل عام... كيف يمكن إذاً، زعزعة هذا الاحتكار وكسر حلقاتة؟ وماذا عن مقولة إدوارد سعيد "الرحلة في الداخل"، التي تحثّ على التدخّل في الخطاب المهيمن والسائد بآلياته ومصطلحاته؟
"النشر الدولي" هو أحد شروط جامعات عربيّة عدّة للحصول على درجة علميّة في ميادين العلوم الإنسانية بعامة، بل أصبح أحد الشروط في الجامعات الغربيّة مع حذف كلمة "الدولي". بشكل عام تبدو نسبة مَن ينجح في نشر أبحاثه/ها في مجلة أو دورية دولية ضئيلة إذا ما قورنت بحجم ما يتمّ إنتاجه في الوطن العربي بشكل عام. والسبب ليس عائداً، وكما قد يتبادر إلى الذهن، إلى عدم إتقان اللغة؛ فالترجمة قد تطوّرت بشكل جعلها الناقل الرئيس للأفكار والمواقف. وعلى الرغم من ظهور كتاب "الإمبراطورية تردُّ بالكتابة" في العام 1989، والذي اشترك في كتابته الناقد الأسترالي "بيل أشكروفت"، و"هيلين تيفين" و"جاريث جريفيث"، والذي غطّى فيه مؤلّفوه، من خلال مصطلح "ما بعد استعماري"، كلّ مجالات الثقافة المتأثّرة ماضياً وحاضراً بالعملية الاستعمارية، على الرغم من ذلك إذاً، تبقى الإشكالية حاضرة بقوّة: هل تمكّنت الإمبراطورية (أي المجتمعات التي تخلّصت من الاستعمار بتوظيف لغة المستعمِر من أجل الكتابة، وبالتالي للحصول على مكانٍ لصوتها في المركز) من الردّ فعلياً على المركز الذي يحتكر لنفسه إنتاج المعرفة أم لا؟
لم يكن النشر في المجلّات والدوريات العلميّة الغربيّة سهلاً أو حتى متاحاً بالشكل المُتخيَّل، وإلا لكانت مشكلاتنا المعرفية ستختلف في حدّتها بالتأكيد. عند هذه النقطة، لا بدّ أن نعيد النظر في الأسباب الكامنة وراء احتكار الغرب للمعرفة المُنتجَة عن الوطن العربي، والذي يسهم في استمرار قراءتنا لذواتنا بعيونه، لأن المسألة لا يمكن حصرها في نظرية المؤامرة.
ماذا وراء احتكار المعرفة؟
لنبدأ من الخطوة الأولى. يقوم الباحث بإرسال بحثه لهيئة تحرير مجلّة أو دورية، ويحرص على أن يتوافق بحثه مع المعايير المُعتَمَدة أو المُقرَّرة، سواء من ناحية عدد الكلمات أم أسلوب توثيق المراجع. يبذل الباحث جهداً كبيراً في سبيل الالتزام بهذه المعايير، بحيث تكون درجة الالتزام في بلادنا أقلّ بعض الشيء أو لنقلْ أقلّ صرامة. ومن هنا تبدأ المشكلة: نحن دائماً أقلّ صرامة (تظهر صرامتنا في مواقف أخرى لا يدخل فيها البحث العلمي). لكلّ دورية مجموعة من المُحكّمين المتخصّصين الذين يقومون بفحص البحث ومن ثم يقدّمون تقريراً تفصيلياً مكتوباً عنه. ومن هنا تبدأ المواجهة الحقيقيّة بين عالمين لا يلتقيا سواء في الطرح العلمي، أم في الأفكار التي يقوم عليها هذا الطرح، أم حتى في الرؤية التفسيرية للحدث محلّ التفسير.guilaf embaratouria
بالطبع هناك معايير أساسية لن نتجاوزها، وهي ضرورية في أيّ ورقة علمية تقدّم نفسها للنشر الدولي، وأهمّها اللغة السليمة الموصلة للأفكار، وضوح الإشكالية الرئيسية للبحث، والتي لا بدّ أن تشكّل إضافةً في المجال، المنهج النقدي الذي يتمّ اختياره لتفنيد هذه الإشكالية، المراجع التي يتمّ توظيفها لإضفاء مصداقية على الوجود الأصلي للإشكالية...وغيرها من المعايير المهمّة.
غير أنّني أعتقد أن أكثر ما يشكّل معضلة في وجه النشر، هو صياغة الإشكالية البحثية، بمعنى التعريف بها تعريفاً يعكس رؤية الباحث (ة) للعالم. وهو الأمر الذي غالباً ما يؤدّي إلى تحوّل معظم ما يُكتب في الوطن العربي إلى مجرّد نقد تطبيقي. إذ تجري استعارة النظرية كما هي- من دون اشتباه ومن دون اختلاف- لقراءة ما لدينا من رواية أو قصيدة أو ظاهرة اجتماعية أو خطاب سياسي..إلخ. وتغيب وجهة نظرنا عن الخطاب البحثي، فنغيب من ثمّة نحن جميعاً. فحتى ولو نُشرت مثل هذه الأبحاث، فإنها لا تضيف الكثير، أو بالأحرى لا تغيّر من الرؤى الراسخة التي تكوّنت عن ثقافاتنا في تعقيدها وتركيبها على الإطلاق.
يطول الحديث عن أساسيّات البحث؛ إلا أن كلّ هذه المعايير الغائبة (أو الحاضرة) في ما يتعلّق بالشكل والمضمون ترتبط مباشرة بمستوى البحث العلمي في الوطن العربي بشكل عام، ومدى توافر البيئة المُحرّضة والمُشجّعة على البحث العلمي، والمُنتجة لأفكار جديدة، والتي تسعى إلى إعادة النظر في المُسلّمات التي تمّ التعارف عليها بوصفها خلاصات بحثية مستهلكة، وما ذلك إلا خدعة.
أما الشقّ الآخر من الإشكالية فله علاقة مباشرة بعملية تلقّي المُحكّم الغربي للبحث القادم من الوطن العربي، والمقصود بذلك ليس التلقّي النقدي فقط، بل ذاك المتعلّق بالفكر المعرفي عن الوطن العربي أيضاً.
بدايةً، يسعى الباحث/ة العربي/ة، ومن دون تعمّد، وربما بدفعة قويّة من اللاوعي الذي يعرف حجم المعاناة، إلى إخفاء مناطق القصور أو المشكلات التي علينا مواجهتها (إذا أردنا، إذا قرّرنا، إذا واتتنا الشجاعة).. وذلك عبر توظيف فائض لغوي كبير، يستفيض في المرادفات، فيبدو شكله بليغاً وقوياً، لكنّه لا يكشف ولا يواجه، بل يحرص على الإخفاء، حاملاً في وعيه أن الكشف يعني الخيانة وينتقص من الولاء والإخلاص لوطن متخيَّل. يتبنّى الخطاب البحثي العربي- في عموميته- مبدأ عدم طرح المعوقات والتحدّيات أمام "الخارج/ الغرب/ الآخر/ الغريب/ العدو"، والعمل على دحض "الافتراءات" سواء تلك التي تنتقد المسار الديمقراطي، أم وضع حقوق النساء، أم تحرّكات اليمين الديني المتطرّف.
والحقّ أن الخطاب البحثي العربي قد يكون لديه الكثير من المبرّرات التي تدفعه إلى هذا الإخفاء. فقد عانت المنطقة العربية على مدار قرون من التنظير الغربي- وبخاصة علم الأنثروبولوجيا والاجتماع- من نظرة دونية أسّست بقوّة لعلم الاستشراق وأرست نظرة متعالية على المنطقة. وبالتالي فإن ردّ الفعل البحثي المتمثّل في الدفاع ومحاولة التجميل مفهومٌ تماماً، لكنّه في الوقت ذاته يمنع الفكر العربي من الوصول كتابةً إلى مركز احتكار المعرفة، فتبقى على حالها، محتميةً في منظومة كاملة لا تقبل دخول المتغيّر عليها إلا إذا كان في القوّة أو الندّية نفسها، وبشكل يُجبر الرؤية المعرفية الغربية على إعادة النظر في مسلّماتها. وهو ما أسماه إدوارد سعيد "الرحلة في الداخل"، بمعنى القدرة على التدخّل في الخطاب المهيمن والسائد بآلياته ومصطلحاته نفسها، وعبر مواجهته بمواطن القصور التحليليّة الكامنة فيه، والمبنيّة على تاريخٍ طويل من الاستعمار والتقسيم.
إذا أردنا الوصول كتابةً إلى الغرب، فلا بدّ من مواجهة مشكلاتنا بثقة بحثيّة وردّها إلى أصول ضاربة بجذورها في علاقات القوى وتفاعلها الدائم في سباق السعي للحصول على أكبر قدر من المصالح. بهذا يُمكن للخطاب البحثي العربي أن يخلخل المنظومة المعرفية الغربية ولو قليلاً. وعلى الرغم من أن تفنيد الإشكاليات بهذا الشكل قد يؤرق بعض المحكّمين، إلا أن النزاهة العلمية المتوافرة بشكل كبير ستقف حائلاً أمام الكثير منهم لرفض مثل هذه الأبحاث.

 

المصدر: (*) مؤسسة الفكر العربي – نشرة افق
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 86 مشاهدة
نشرت فى 10 مايو 2016 بواسطة dsdsdsfffssff