موقع مزيف احذر الدخول فيه

موقع مزيف احذر الدخول

يحفل تاريخ الشعر والفن بالعديد من التقاطعات التي تثري الشعر والفن على السواء. ما يعني أن بين الشعر والفن رسالة عشق أبدي. وإذا كان الفن رمز الانفتاح الكوني فالشعر نبع الفنون جميعاً. ولَمْ يحقق أي جنس أدبي ما حققه الشعر الحديث من الانفتاح الكوني على شعريات العالم وعلى المحبة والصداقة والإخاء لشعراء مسكونين بفكرة التجدد.
ففي زمن سادت فيه لغة عنف الخطاب السياسي والديني استضاف الفن لغة الشعر وأنصت إلى صوت القصيدة بكل عشق وإخاء ومحبة لقصيدة تتأسس على المعرفة جاعلة من الإبداع والحرية مطلبها الأساسي. وحل الشعراء ضيوفا على العديد من المسارح وقاعات العرض التشكيلي والمسرحي والسينمائي في مختلف بقاع العالم العربي وغير العربي لخلق حوار مع شعراء العالم وفنانيه من مختلف الأجناس والمعتقدات. والقصيدة في كل ذلك مزهوة من قدرتها على خلق هذا التواصل الإبداعي الجميل.
فقد نشأت علاقة حميمة بين الشعر والفن التشكيلي بصفة خاصة. وسحر جمالية اللوحات الشعرية خير شاهد على عمق العلاقة الوطيدة بينهما، وقد بلغ ذروته الفنية في العصر الحديث إلى جانب ما تتميز به الكتب الشعرية الفنية لأعمال الشعراء من روعة وجمالية تجمع بين فنية الشعر والرسم. أما علاقة الشعر بالموسيقى فنجد أن الموسيقى من أهم لوازم الشعر التي تتكامل من خلال اللغة والصورة التي تميز تجربة الشاعر عن غيره. فلا يكون الشعر شعراً ولا يُنازَع في شعريته إلا إذا توفرت فيه شروط الموسيقى من وزن وقافية وإيقاع كمكوّن موسيقي صوتي. بذلك كانت قضية موسيقى الشعر من أهم القضايا التي أثارت الكثير من الجدل في الشعر العربي عند القدماء والمحدثين الذين اهتموا بالموسيقى الخارجية للقصيدة المتمثلة في الوزن والقافية، بالإضافة إلى الموسيقى الداخلية التي اهتم بها خاصة علم البديع. إلا أنه مع ظهور الحركات التجديدية في الشعر الحديث بسبب الانفتاح على المفاهيم الشعرية الغربية، وظهور التيار الذاتي، أصبحت ذات الشاعر مصدر التجربة الشعرية ومصالحة الشاعر مع ذاته. ومع الشعر الجديد تحولت الأسس الموسيقية في القصيدة بحيث أخضع الشاعر المعاصر الموسيقى الشعرية لتجربة الشاعر بتغير نظام البيت وتعدد القوافي في ارتباطها بالجمل الموسيقية. وهكذا كانت موسيقى الشعر الحر كموسيقى جديدة أحدثت تغيرا في البنية الإيقاعية للقصيدة، والتي بدأت بمفهوم رواد الشعر الحر للقافية الموحدة.
وبذلك نجد العديد من الدراسات الحديثة اهتمت بموسيقى الشعر ككتاب "موسيقى الشعر" لإبراهيم أنيس، و"موسيقى الشعر العربي" لشكري عياد. بينما تحدث محمد مفتاح عن شعر الموسيقى بدل موسيقى الشعر في كتابه "مفاهيم موسعة لنظرية شعرية"، وفيها يوضح بأن الشعر في الدماغ. وأطباء الدماغ وفلاسفته يقرون بأن هناك باحات في الدماغ، منها ما هو خاص باللغة ومنها ما هو خاص بالموسيقى. وعلى أساس الأبحاث العلمية الخالصة والمقايسات التي اشتغل عليها محمد مفتاح اقترح فرضيته الخاصة وهي أن اللغة موسيقى مقرا بأسبقية الموسيقى على اللغة، لأن أثر الموسيقى على الإنسان أكثر وأقدم من أثر الخطاب. لذلك فالشعر موسيقى بكل ما تدل عليه كلمة الموسيقى من معنى. فالموسيقى هي الأساس والمتحكمة في اللغة الشعرية بقوانينها وقواعدها مع مراعاة طبيعة اللغة ومكوناتها موضحا بأن قضية الشعر في عصرنا الراهن هي الإيقاع. فالشعر حينما يخلو من الموسيقى التي يحدثها الإيقاع يفقد صفة الشعرية لما للإيقاع من دور حاسم في التفريق بين ما هو شعري وغير شعري.
أما علاقة الشعر بالمسرح فهي علاقة قديمة تعود إلى الحقبة الإغريقية التي عرفت أول إرهاصات المسرح الشعري، والذي تكونت منه الدراما. وقد أشار أرسطو في كتابه "فن الشعر" إلى العلاقة الوثيقة بين الشعر والمسرح. فالشعر حسب أرسطو فن من فنون المحاكاة كالموسيقى والرسم. وقسم الشعر إلى شعر سردي وشعر درامي، وهذا الأخير قد يكون ملحمياً أو مسرحياً. فالعديد من الدراسات تشير إلى أن المسرح في أصوله كان من أبواب الشعر، وبقي كذلك في كل من إنجلترا وفرنسا. وعرف المسرح الشعري ازدهاراً في النصف الأخير من القرن التاسع عشر خاصة مع إدموند روستان الذي كان شاعراً ومسرحياً، في حين أن الأدب العربي لم يعرف المسرحية الشعرية إلا مع عصر الحداثة بفعل الاحتكاك الحضاري والثقافي مع أوروبا في القرن التاسع عشر. وفي أوائل القرن العشرين بدأت تظهر الملامح الأولى للمسرح العربي بظهور منتجين ومؤلفين ومخرجين لفن المسرح. فقد برع شوقي رائد المسرح الشعري العربي في كتابة مسرحيات شعرية كانت بداية لظهور مسرح عربي إسلامي. وقد نجح أيضاً العديد من المخرجين المسرحيين في زمننا في تحويل النص الشعري والأعمال الشعرية الكبرى إلى مشاهد مسرحية نابضة بالحياة لما تتسم به من جمالية وفنية تليق بجمالية الشعر. وأصبحت العديد من المسرحيات المستلهَمة من الشعر تشد انتباه المشاهد لما تتسم به من إيحائية وشعرية وتجديد.
وهكذا نجد أن المسرح الحديث قد اهتم اهتماماً كبيراً بالتوظيف الفني للكتابة الشعرية، فأخرج الشعر من نمط القراءة التقليدية إلى آفاق جديدة تتيح للمتلقي مجال تأويل وقراءة جديدة تكشف عن جوهر النص الشعري كظاهرة إنسانية كونية مسايرة لتطور الشعر في عصر العولمة وثقافة الصورة. خاصة وأن المسرح من أهم الفنون القادرة على توظيف كل الأشكال الفنية التعبيرية من موسيقى وشعر ورسم ورقص وغير ذلك.
أما سينمائية الشعر فتجربة فنية معاصرة لتقديم الشعر برؤية سينمائية بالضوء بدل الحبر وذلك بتوظيف تقنيات المونتاج السينمائي والسيناريو بأشكاله المختلفة. فالفيلم الشعري الذي يجمع بين الصورة الشعرية والصورة السينمائية إثراء للشعر والسينما. إذ نجد مثلا في الديوان الضوئي لشعر أدونيس أن المخرج قد مزج بين الشعر والتشكيل، وبين شعر أدونيس ورقائمه بحيث تلعب الموسيقى والفضاء والحركة واللون والبياض والسواد مجالاً واسعاً لتأمل وقراءة النص الشعري بالاستعانة بالسينما كصورة مرئية للإفصاح عن عمق تجربة الشاعر، مع الوعي بالاختلاف بين الصورة الشعرية والصورة السينمائية. وهكذا أصبح الشعر في العصر الراهن جامعاً لكل الفنون في تمازجه وتجاوره بين فنون مختلفة سواء كانت رسماً أو نحتاً أو مسرحاً أو رقصاً أو فوتوغرافيا أو سينما. وفي ما يلي نماذج من الأعمال الفنية الراقية المستوحاة من الشعر الحديث.

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 90 مشاهدة