موقع مزيف احذر الدخول فيه

موقع مزيف احذر الدخول


الديناصور الأول
*
حينمَا وقَفَتِ النُّقطةُ أمامَ بابِ الحرفِ
وَجَدَتْ ديناصوراً خطيرَ الشّأْنِ والهيبَةِ
ما إنْ رآهَا تتقدَّمُ نَحْوَ بَحْرِ الحِبْرِ
حتّى بَادَرَهَا بالسُّؤالِ قائلاً:
من أنتِ؟
أجابتْ: لا أعلمُ يا سيّدي
فابتسمَ لهَا ثُمّ واصلَ كلامَهُ:
أأنتِ كاتبةٌ، أمْ شاعرةٌ، أمْ عارفةٌ؟
احتارتِ النقطةُ أمامَ هذا السُّؤالِ المُفَخَّخِ
ثُمّ قالتْ بَعْدَ تَفْكيرٍ دامَ ألفَ سنةٍ:
العارفُ شاعرٌ
والشّاعرُ كاتبٌ
والكاتبُ حرفٌ ينزفُ باستمرارٍ،
إلا أنّي لا أعرفُ يا سيّدي طبيعةَ ما ينزِفُ
فالحدودُ تختلطُ بيْن الأجناسِ
ولا أعلمُ لليومِ مالفرقُ بين الشِّعْر والنّثْرِ
ولا بينَ النَّثْرِ والكلمةِ
ولا بيْن الكلمةِ والحرفِ
ولا أدري لماذا أسئلتُكَ هذهِ
ولا حتّى ما معنَى وجودُكَ هنَا،
ولا لماذا يُصِرُّ النّاسُ على تعريفِ ما لا يُعَرَّفُ
ثُمَّ تعالَ هُنَا وَقُلْ لِي:
هَلِ انقرضَ الشِّعْرُ
وانقرضَ العُشاقُ
وانقرضتِ النُّجُومُ
حتّى تُنَصَّبَ أنتَ
حاجباً مُنْقَرِضاً
أمامَ بابِ الحَرْفِ والفَرَحِ؟!
الديناصور الثاني
*
حينما دخلتِ النقطةُ بَيْتَ الشِّعْر
وَجَدَتْهُ خمّارةً تَضِجُّ بالسُّكارى
أكثرهُمْ منَ المُلحدِين المُعَرْبدِينَ
والمُشكّكينَ في كُلّ شيءٍ
فصرختْ قائلةً:
يا لتعس حظّي
ما الذي جئتُ أفعلهُ هُنا
فأنا لستُ بشاعرةٍ ولا بمُلحِدةٍ؟
وقَبْلَ أنْ تُكملَ كلامَها
سمعتْ صوتاً يقولُ ضاحكاً:
ولكنكِ منَ المُشكّكينَ في كُلّ شيءٍ
وهذا كافٍ جدّاً لتكُونِي بيْنَنَا
يا "رفيقتَنَا" الجميلة
التَفَتَتِ النُّقطةُ نحوَ صاحبِ الصّوتِ
فإذا بهِ عظاءةٌ عجوز
فبادرتْها بالسؤال:
من أنتِ يا سيدتي؟
أجابتِ العظاءةُ بخُبث ودهاءٍ شديديْنِ:
أنا الديناصور الأحمَرُ
رئيسُ بيتِ الشّعرِ والشّعراء
ضحكتِ النقطةُ بكل ما فيها منْ حُروفٍ،
ضحكتْ أوّلاً من كلمة "رفيقتنا"
وثانياً من عبارةِ "رئيس بيتِ الشّعر"
ثُمَّ عقّبَتْ:
ومنذُ متى يرضَى الشُّعَراءُ
بأنْ يَكُونَ لهُمْ بيْتٌ ورئيسٌ أيضاً،
وما هُو يا تُرى نظامُكُمْ هُنا في هذهِ الخمّارةِ
عفواً، أقصدُ في بيْتِ الشِّعْر هَذا:
أمَلكِيٌ هُو أمْ جُمهوري أمْ ماذا؟
اقتربتِ العظاءة مِنَ النُّقطةِ أكثرَ فأكثرَ
وبيدهَا كأسٌ منْ دمٍ مُتختّر يسمونهُ نبيذاً
ثُمّ قالتْ:
أمَا زلتِ تُصرّينَ على تأنيثِي
ألَمْ أقُلْ لكِ إنّني ديناصورٌ لا عظاءة؟
فردّتِ النقطةُ بسرعةِ البرق:
أوَليْسَتِ العظّاءةُ مِنْ فصيلةِ الديناصورات؟
لكنْ يبدُو يا سعادةَ الرئيسِ/َ (ةِ)
أنّنِي أخطأتُ المكانَ،
فأنا كما سبَقَ وقلتُ لكَ (كِ)
لستُ بشاعرةٍ،
أكملتِ النقطةُ كلماتِها
ثمَّ توجّهَتْ نحوَ بابِ الطّوارِئ
علّها تنقذُ نفسَها مِنْ هذه الورطةِ
إلا أنّ العظاءةَ كانتْ مُصرّةً
على أنْ تُحْرجَ النقطةَ دائماً
بهدوئِها وحكمَتهَا المُصْطَنَعَيْنِ
فقالتْ مُودّعةً إيّاهَا:
لستِ مُخيّرةً يا صديقتِي
فأنتِ شاعرةٌ شئتِ أمْ أبَيْتِ
وحتماً سنلتقِي يوماً مَا
ربّمَا فِي مُؤتمر يؤُمُّهُ ديناصور آخَر،
هُوَ رئيسِي ورئيسُ الأدباءِ أجمعين
الديناصور الثالث
*
ولمْ تكذِبِ السّيدَةُ العظاءة
فقدِ التقتْ حقّاً بالنقطةِ مرّةً أخرى
لكنْ بعدَ أربعين ألف سنةٍ
فحيَّتْها بلُطْفٍ شديدٍ
وقالتْ لهَا بفَحيحِ الثّعابِينِ:
ألَمْ أقُلْ لكِ إنّنَا سنلتقِي،
تعالي معِي
ودعيني أقدّمْكِ لرئيسِ الأدباءِ والمُبدعين،
لكنّ النقطةَ أجابتْ مازحةً:
لا، أرجوك،
ما الذي سأفعلُه بديناصورٍ ثالثٍ
يَدّعي أنّهُ رئيسُ الأدبِ والفنِّ وأهلِهِمَا
وهو لا يعرفُ الفرقَ بيْنَ المُبتدَأِ والخبرِ
ولا بينَ الفاعلِ والمفعولِ بهِ
ولا حتَّى بينَ الشيخ والمُريدِ
والسَّالكِ والعارفِ؟!
قهقهتِ العظاءة وقالتْ
وهيَ تطفأ سيجارَها الكُوبي:
أنتِ شاعرةٌ مشاكسةٌ يا رفيقتي الحلوة
وأنا أحبُّ المشاكسين كثيراً
لكِ عموماً ما تشائينَ،
لكن أرجو قبلَ مُغادرتكِ المَكانَ
أنْ تنضمِّي إلى جمعيتنَا الجديدة؛
جمعيةَ "لا حياةَ بدُون شِعْرٍ"
ابتسمتِ النقطةُ وقالت:
كمْ هُو جذابٌ شعاركُم هذا
يبدو كأنّهُ عبارة إعلانٍ إشهاريّ
لبيع مسحوقِ تنظيفِ الملابسِ الدّاخلية،
لكنْ ألا تَرَيْنَ معي يا سيّدَتِي
أنّ جمعياتكُم ورابطاتكُم
أصبحتْ منتشرةً كالفِطْرِ في كلّ مكانٍ
ثمَّ ما الذي ستستفيدينَ أنتِ ومَنْ مَعَكِ
مِنْ وجودي بينكُمْ،
دعيني أخرجْ لطفاً منْ هُنا
فيبدو أنني مُذْ بدأتُ مُعاقرةَ الحرفِ
وأنا أكرّرُ الخطأَ نفسَهُ:
الوقوعَ المُسْتمِرّ في فخاخِ الديناصورات
الديناصور الرابع
*
حينمَا خرجتِ النقطةُ مذعورةً
مِنَ الفخّ الذي كانتْ قد نصبتهُ لهَا العظاءة
ذهبتْ إلى موقف السّياراتِ
لتقودَ مركبَتَها السوداء بعيداً عن المكانِ بأسرهِ
إلا أنّها وَجَدَتْ هذه المرّة ديناصوراً آخر،
كانَ صغيراً جِدّاً بحجْمِ قبضة اليدِ
لذا، لمْ تخَفْ واقتربَتْ منهُ بلطفٍ
وأخذتُه بينَ يديهَا وقالت:
أرجو فقطْ ألا تكون يا صغيري حفيدَ العظاءة
قفزَ الديناصور وقال بمرحٍ:
لا، لا، يا سيدتِي الجميلة
اطمئنّي، فلقدْ جئتُ لآخذك من هذا المكان
واحذِّركِ من ركوب سيارتكِ لأنّها مُفخّخة،
وما عليكِ الآنَ يا نقطةَ الباء وبهجة الكونِ
سوى أن تتبعينِي، فأنا خادمُكِ الأمين
الديناصور الخامس
*
خرجتِ النقطةُ مع الديناصور الصغير
وفي أقلّ من لمح البصر
وجدتْ نفسَها أمامَ مقبرةٍ جماعية كبيرة،
كُلُّ الأجسادِ فيهَا عارية؛
نساءً ورجالاً.
التفتتِ النقطةُ إلى خادمِها الطيّبِ
وقالتْ بلسانِ الدهشةِ والحيرةِ:
ما كُلّ هذه الأجساد يا صاحبِي؟
جلسَ الديناصورُ القرفصاءَ
وقالَ وهو يبكي مُمْسِكاً رأسَهُ بيْنَ كفّيْهِ:
إنهُ شاطئُ الكلمةِ يا سيدتي
وهؤلاء هُمْ شعراؤُه اليوم؛
أجسادٌ حيّةٌ بقُلوبٍ ميتة
وذاكَ الواقفُ عندَ مدخلِ البحْر هُو كبيرُهُمُ
الذي يُعلّمُهُمُ الشِّعْرَ والسِّحْرَ والدَّجَلَ:
إنّهُ ديناصورُ مجزرةِ القصيدةِ المُحتَضِرة
وقَبْلَ أنْ يُكْمِلَ الخادمُ الأمينُ كلماتِه
قفزتِ النُّقطةُ واتجهتْ مُسرعةً نحو البحْر الأسود
ثمَّ غاصتْ في أعماقهِ أمامَ ذُهولِ جُثثِ الشُّعراء جميعاً،
فالبحرُ الأسودُ كما سبقَ وقالَ لها
صديقُها الديناصور الحكيمُ الصّغير
بحرٌ خطيرٌ جدّاً لا يقوى عليهِ أحدٌ،
ولمْ يسبِقْ لشاعِرٍ من كلِّ هؤلاء الشّعراء
أنْ فكَّر فِي الاقترابِ منْ موجهِ أبداً،
ولوْ على سبيل التجربةِ.
ومنذُ ذاكَ اليومِ اختفَتِ النقطةُ
ولَمْ يعثُرْ عليها للّحظةِ أحدٌ،
لا على شاطئِ الكلمَة
ولا حتّى بينَ أحضانِ الحرفِ
ولا أحد لليومِ استطاعَ منَ الديناصورات الخمسةِ
أنْ يعرِفَ مَنْ كانتْ تلكَ النقطة
ولا كيفَ هي، ولا حتّى لماذا أو أينَ هيَ؟!

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 47 مشاهدة