تطل علينا الشاعرة الدكتورة سجال الركابي بنص جديد هو نص الإنفعالات المتشابكة .."أشد رأسي" تنطلق من حشد كلامي تصطرع فيه الأسئلة وتضطرم الأحاسيس في نسق انفعالي وينتهي صمتا وفراغات ..فبدا نصا متحررا لا يفصح وإنما يعلن ..يحملنا إلى واقع متأزم ترتد فيه الذات المتلفظة حسيرة خائبة في ضرب من التداعي في إطار تعبيري تصويري في فضاء مخصوص أقيم على تناقض بين الظاهر المعلَن والباطن الخفي الذي تتولى إعلانه ...ظاهر باذخ بالهدوء الفيروزي وزرقة الإنسجام والرضا وباطن بركاني التوتر والقلق ...وهذا ما جعل النص يتجاوز كونه مجرد فضاء لغوي إلى مجال للتأمل والانفعال ليغدو ذاكرة وتاريخا وهوية ..فيكون بذلك نص الشاعرة لا مجرد عرض وتقرير وإنما فيه دعوة من خلال الاستفهام الانكاري إلى التفكّر ..ولعل صورة الرأس بماهي صورة مجازية من المرسل ذكر الجزء وأُريد الكل وهو ال "أنا " المفكر في الإنسان ..لتكون رمزا للحيرة والسؤال بأسلوب عقلي في إطار التعامل مع الوجود الموضوعي ...بهذا فالرأس رمز الكشف والاكتشاف ..ورمز الرفض والقلق الفكري والوعي بخيبات الواقع ..وهذا ما يعلن عن حالة ارتباك تفصح عن جملة من التكهنات التي طرحتها عبر الاستفهام والتساؤل ..هنا ألم يقل الفلاسفة بأن السؤال أهم من الجواب ؟... إن هذا الترديد للسؤال من شأنه أن يوقع الخطاب بإيقاع الحيرة والرفض والاستنكار ..هو ترديد العلامة للعلامة ..والصوت للصوت على نحو يجعل النص ينسجم وصوت الشاعرة الداخلي ..وكأنه نزوع للخروج من الوحدة إلى الكثرة ولكنه صوت مكتوم يجعل من هذا النسيج اللغوي حوارا باطنيا ينزف بالمرارة والغربة إلى درجة الاحساس بالعدم .. كله خطاب تعبيري في اتجاه فقدت كل الموجودات علة وجودها واندحرت منها عناصرها الثابتة ..لتفقد الأرض جاذبيتها والنجوم ألقها ..حتى الملائكة ما عادت في برجها العاجي ..سقطت تتألم لأنها فقدت أجنحتها ..ولعل هذا الاقتحام للعالم الميتافيزيقي هو من سبيل الإيحاء بعمق الفجيعة التي تستنجد الشاعرة للخروج من مأزقها ..وبهذا فالحدث الكافر يتجاوز بؤرة الذات الضيقة لينفتح على الوجود وتتحول بمقتضاه الذات من حيرة جوانية إلى حيرة وجودية ..وتتعمق فيها مأساوية الإنسان في صراعه مع الوجود وقوى الشر فيه ...وتغدو القضية النفسية ذات بعد تراجيدي ووجودي فلسفي ..ترتبط بمنظومة أخلاقية تتراجع فيها القيم ..فهل الشر متأصل في الذات البشرية ؟..وهل هذه الابتسامات الثعلبية مجرد حدث عارض أم هو جِبِلّة فيه ..وما أظهره من خير ليس إلا قناعا يخفي وراءه شرا وأحقادا ..وما تراه في الواقع من هدوء فيروزي ليس إلا معادلات وهمية في إبيستيمية الأخلاق ..بهذا فالشعور بالغربة أمر طبيعي تذكرناالشاعرة برواد الأدب الرومنطيقي حيث الشاعر في غربته غريب ..غربة تحتل المسارب ...إنه الإنكسار والفشل الذي يعلنه السؤال ولكن فلك الشاعر مازال يعلن مسيره ليطل على بوابات النصر فيتحول الخطاب عبر حركة دينامية من الإنكسار إلى الإنتصار ومن إيقاع الخيبة إلى إيقاع التحدي والقرار في صوت المواجهة شبيه بالحلم ( الحياة حلوة بس نفهما ) أغنية النصر على الهزيمة والخيبات ..ابتسامة الوليد ..ولثم إشراقة الفجر بقبلة فيروزية لتصل بنا شاعرتنا إلى مستوى تتحول فيه الكلمات إلى شظايا في فضاء التلاشي فتنفصم الترابطات النحوية وتتقلص مساحة الجملة شيئا فشيئا لتنحصر في كلمة وحروف مكررة ثم في لفظم ..وتفضي إلى لون من التنغيم عبر تطويل حركة الرفع الممدودة ..وكأنه التراخي والإغفاء فإذا بالنص يحملنا إلى ضرب من الإيقاع النفسي يفصح عن ضنى الكتابة لتعلن عن الحلم ..ولكن ألا يحق لنا أيضا أن نتساءل ..هل قرار الإغفاء المسبوق بسين التنفيس "سأغفو " وما ينطوي عليه من يقين في القيام بالحدث ..هل هو الهروب بالحلم والتحليق في الأبراج العاجية أم هو الواقع ومواجهته ..؟ هل هو الانتصار أم الفشل ..الولادة والتجدد أم الاندثار والموت ؟؟؟؟؟
نشرت فى 4 مايو 2016
بواسطة dsdsdsfffssff