موقع مزيف احذر الدخول فيه

موقع مزيف احذر الدخول


 

ذاقت طعم اليتم صغيرة، عندما اختطفت يدُ الموت أبويها، فوقعت في السبي وبيعت بيع العبيد.
ذات مرة، أفاق سيدها من نومه ونظر من نافذة حجرتها فوجدها تضرع لله خاشعة وتقول:
"إلهي، أنت تعرف أن قلبي مشتاق لطاعتك وأن نور عيني هو لك ولأجلك. لو كان الأمر بيدي لما توقفت يا رب ساعة واحدة عن خدمتك، لكنك جعلتني أسيرة لأحد عبادك."
أثناء دعائها رأى سيدها سراجاً منيراً فوق رأسها معلقاً في فضاء الحجرة دون سلسلة، وقد أضاء نوره على كل ركن من أركان البيت. وإذ أبصر ذلك المنظر العجيب أحس بالرهبة تدب في قلبه، فنادى رابعة وطيب خاطرها وأعتقها لوجه الله.
انطلقت إلى الصحراء ولسان حالها يقول: "إني مهاجرة إلى ربي."
بعد فترة من الزمن تركت الصحراء ووجدت لها غاراً شبيهاً بالكهف حيث استغرقت في عبادة تأملية عميقة على حبيبها الإلهي. وبعد أن حصلت على الاستنارة الروحية عاشت في خلوة شبه تامة لكنها لم تنقطع عن خدمة المحتاجين والقيام بأعمال البر والتقوى.
حياة رابعة كانت مليئة بالأحداث المثيرة، إنما ما يهمنا في المقام الأول هو تفتحها الروحي. لقد حصلت على عروض زواج عديدة لكنها اختارت حياة التبتل رغبة في مواصلة مسيرتها الروحية دون عائق.
عندما عرض أحد أمراء البصرة العباسيين عليها الزواج ووعدها بأن يقدّم لها مهراً مقداره مائة ألف دينار، وأخبرها بأن دخله الشهري يعادل عشرة آلاف دينار، وأنه سيهبها كل تلك الدنانير، بعثت إليه تقول:
"لا يطيب لي بأن تصبح عبدي وأن أملك كل ما تملكه. كما لا يطيب لي أن تلهيني لحظة واحدة عن حب الله."
في مناسبة أخرى، وردّاً على حسن البصري الذي عبّر لها عن رغبته في الزواج منها قالت:
"عقد الزواج هو لذوي الكيان المادي. أما بالنسبة لي فقد انتهى ذلك الكيان كوني لم أعد كائنة مذ فارقت ذاتي. وكياني الوحيد هو في الله لأنني له سبحانه بكلـّيتي. إنني رهن إشارته وأعيش في ظله. فيجب أن تطلب يا حسن عقد الزواج منه وليس مني."
كانت حياة رابعة برهاناً حياً على قوة الروح الإلهي في ذات الإنسان. تلك القوة التي تزيل العوائق وترفع الحواجز التي تفصل بين الإنسان وخالقه.
عرفت رابعة الحق كالعديد من أولياء الله الصالحين وعاشت حياة مديدة إذ ارتحلت عن هذه الدنيا وهي على مشارف التسعين. وبالرغم مما أصاب جسدها من وهن ظلت مع ذلك محتفظة بقواها العقلية بحيث كان الباحثون الروحيون يلتمسون عونها فتساعدهم بما أفاض الله عليها من العلم الرباني والإشراق الروحاني.
لم تخشَ رابعة ما يسمى الموت لأنه بالنسبة لها كان ساعة الرحمن وبشير لقاء المحبوب الإلهي الذي لا تعادله فرحة في الوجود.
عندما مرضت مرضها الأخير زارها ثلاثة من أصدقائها الصوفيين هم حسن البصري ومالك بن دينار وشقيق البلخي. وكأصدقاء النبي أيوب عليه السلام (الذين ذهبوا إليه ليعزوه في مصابه فراحوا يعظونه وينصحونه بما ليس هو بحاجة إليه.)
حاول هؤلاء الثلاثة أن يعلموها واجب التسليم للإرادة الإلهية. فقال لها حسن البصري:
" من يدّعي بأنه عبد الله ولا يصبر على تأديبه وبلواه ليس صادقاً في ما يدعيه."
فأجابته رابعة: "أشم رائحة الصلف في كلامك يا حسن."
فاستلم الحديث شقيق البلخي وقال:
"من لا يشكر الله على تأديبه له لا يكون صادقاً في ما يدعيه."
فأجابته رابعة: "نريد أن نسمع أفضل من هذا يا شقيق."
ثم جاء الدور لمالك بن دينار الذي قال:
"من لا يتلذذ بتأديب الله له فهو ليس صادقاً في ما يدعيه."
فأجابت رابعة: "وهذا أيضاً لا يكفي يا مالك."
قالوا: "فماذا أنتِ قائلة؟"
أجابت: "إن من لا ينسيه التفكير بالله تأديب الله له فليس صادقاً فيما يدعيه."
توفيت رابعة العدوية سنة 801 للميلاد ودفنت في البصرة. وقد ذكر كاتب سيرتها تفاصيل وفاتها، قال:
في ساعتها الأخيرة أحاط بها نفر من الصالحين فقالت لهم: "قوموا ودَعوني لوحدي علكم تفسحون المجال لرسول الرحمن كي يأتي إليّ."
فنهضوا جميعا وخرجوا من عندها، وما أن أغلقوا الباب حتى سمعوا صوت رابعة وهي تتشهد ثم سمعوا أيضاً صوتاً آخر يقول:
( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي.)
لم يسمعوا كلاماً بعد ذلك، فعادوا إليها ووجدوا أن روحها الطاهرة قد فارقت الجسد والتحقت بالرفيق الأعلى.
والسلام عليكم
Inner Culture for Self-Realization 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 66 مشاهدة
نشرت فى 30 إبريل 2016 بواسطة dsdsdsfffssff