<!--
<!--<!--
نظر أمامه وابتسم فقد أثمرت الأشجار فى بستانه المنمق ، علقت بذهنه تلك الفراشات الملونة التى تهيم بين الورود والأزهار ، عاد بذاكرته لهذا المساء الكئيب الذى حول مسار حياته وقلبها رأساً على عقب ، لملم الأشواق عن أجفانه وتحجرت الدموع بمقلتيه ، فجاة تحول الجسد النابض بالحيوية ومشتعلاً بالحركة إلى كتلة هامدة أمامه لا تتحرك ، تلاشت كل الألوان ولم يبقى فى حيز الرؤية غير السواد لليل كتبت فيه أنامل القدر الموت لرفيقة عمره وعشقه الأبدى .
كانا على يقين دائم بأن الموت حتماً سيأتى لا محالة ولكن ......ليس بهذه السرعة ، ولأنه يعرف جيداً أن الموت شئ سيئ للغاية بكاها بكاءاً هستيرياً فاض قلبه فيه بالدموع قبل عيناه.
ما زال صدى صوتها عالق فى أذنيه ، وما زال عطرها منتشراً فى أرجاء المكان حوله أينما ذهب ، كان يستمع إلى كلماتها بفضول شديد وهما يجلسان كل مساء تحت شجرة التوت تعانق أحلامهما الملآنة برائحة الطفولة وعبق القلوب البريئة السماء .
فاجأته بطيفها ، ربتت على كتفيه بابتسامتها الرقيقة التى لم ترحل عنها يوماً سألته " لم كل هذه الأحزان فى مكان كان يفيض سعادة دائماً "
التفت حوله يفتش عنها تساءلت أعماقه بشدة " حقيقة أنت جئت إلىّ أم تراكى درباً من جنونى "
كان من الصعب جداً التورط فى لقاءات وهمية تجمع بينهما بعد الرحيل ، لم يكن ممكناً الافصاح عما يراه منها ويسمعه ، انفجر بالضحك وتعالى صوته فجأة بالنحيب ، بدا كل شئ فى حالة من اللامعقول ، سيمفونية مشاعر متأججة بالحنين والتناغم لا أحد يعزف ألحانها ويعرفها سواه .
أجابته : نعم صدق أو لاتصدق جئتك طيفاً لا يمكن تجنبه .
بدأ يشعر بالقلق ، بدت أحاسيسه على شفا انهيار عصبى همس بصوت خافت محدثاً نفسه : أراكى طيفاً يملأ ثغرات الأمكنة حولى ، أما فى الحياة الواقعية
أجابته : تخشى الافصاح عنى أمام الناس .
رد قائلاً : حينما أحدثهم عنك وعن لقاءاتنا التى لا تنتهى يشعرون نحوى بالقلق ،حتى أبناءنا يا حبيبتى يظنون بى الجنون .
أردفت : هون عليك يا حبيب عمرى ، عندما كنا صغاراً كنا نتقاسم معاً الصداقة والسعادة ونتحدى معا باصرار صراعات الحياة التى لا تنتهى ، كانت تتراجع فى دروب عشقنا كل أنواع الضجر والغضب ، والآن يجب أن نقتلع من داخلنا اليأس ونزرع بأعماقنا بذور الأمل فى الحياة ، لا يمكننا التوقف فى منتصف الطريق ، الجميع حولك غافلون لن تعى عقولهم ما يربط بيننا ، دعهم لغفلتهم وأفكارهم البالية عن الراحلين ، خلفهم وراءنا واترك أنفسنا لمواجهة الوحدة التى تلفنا الآن بين جوانحها .
أجابها : منذ الليلة الأولى لرحيلك وأنا أتساءل هل ما بيننا يستحق فعلاً كل هذه المعاناة من أجل الابقاء على ترانيم الذكريات التى بيننا على قيد الحياة ؟
قالت : بلى يستحق ، يستحق منك عدم الاستسلام ، نحتاج إلى قوانا الخفية ، الحب الذى جمعنا يوماً لابد له من الاستمرار .
بيأس يحاورها : من غير المألوف لديهم أن أراكى وأن أحدثك ، من الممكن أن يحدث فى شرعهم أى شئ إلا أن تكون أعماقى مسكونة بأشباح مخيلتك .
بابتسامة قالت : هم حمقى لا يدركون الموت ولا يفهمون الحياة ، أما أنا وأنت فيجب أن ننتبه للموت حتى ندرك قيمة الحياة ، يجب أن نناضل أنا وأنت فيهم دون أن نترك أنفسنا لخداعهم وحماقاتهم لأن تلك الحماقات لا قيمة لها عندنا .
قال لها : من الصعب أن أصرح لهم أنك معى .
قالت : من قال أنى أريد منك الافصاح لهم ، جميعهم لا يعنون لنا شيئاً ،دعنا ننأى بأنفسنا عن حكاياتهم الهزلية عنا ، من المهم جداً أن نتعلم فلسفة الموت والحياة والحب البغض والمعقول واللامعقول ،
وفى النهاية ، يجب أن نقبل بأن حياتنا التى نحياها – اعتقدنا أو لم نعتقد – رهان الزمن الذى نحياه بكل قيوده
ساحة النقاش