<!--

<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} </style> <![endif]-->

 

 

 

حسن  فتحى  .... فيلسوف عمارة الفقراء

البروفيسور الدكتور/ على مهران هشام

 

في 23 مارس 2017، احتفلت شركة جوجل بذكرى ميلاد المعماري الشهير حسن فتحي الـ "117" وذلك من خلال شعار احتفالي خاص ظهر على موقعها المخصص للبحث في الدول العربية والعديد من الدول الأوروبية ودول أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا الجنوبية، وقالت جوجل أن حسن فتحي كان مهتما ببناء المجتمعات أكثر من تشييد المباني، وأن الراحل كان رائدا في تقديم نماذج لمباني تحترم تقاليد الأماكن وتراعي جميع مناحي الحياة.

وُلد "حسن فتحي" في الإسكندرية في 23 مارس 1900، وانتقل مع أسرته في طفولته إلى القاهرة، ليسكن في حي الجمالية العتيق (الذي ظل يسكنه طيلة حياته )، تخرج من مدرسة "المهندسخانة" (كلية الهندسة) بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً) عام 1925، وعُين كأول عضو مصري في هيئة التدريس الحديثة بمدرسة الفنون الجميلة في عام 1930، ثم أوفدته الكلية في بعثة إلى باريس ليدرس الدكتوراه . انتقل حسن فتحى  في الثامنة من عمره مع أسرته للإقامة بحلوان  جنوب القاهرة . عاش طول حياته في منزل بدرب اللبانة بحي القلعة  بمدينة القاهرة. كان له ثلاث اخوه; الأكبر محمد الذي التحق بمدرسة الحقوق كلية الحقوق ثم عمل بالسلك القضائي، لكن غلبت عليه موهبته الفنية التي ترك من أجلها العمل بالقضاء. أخوه الآخر علي تخرج من كلية الهندسة وعمل بالتعليم الجامعي حتى أصبح عميد كلية الهندسةبجامعة الاسكندرية   و عبد الحميد' والذي كان يعمل كتاجر وكان مساعدا للفقراء . تأثر فتحي  بالريف  وبحالة الفلاحين أثناء زيارته له وهو في سن الثامنة عشر، وكان يود أن يكون مهندس زراعى  ، لكنه لم يستطع الإجابة في امتحان القبول.

لقد نما في فكر "حسن فتحي" استخدام الطوب اللبن والطين في البناء؛ بناء على شواهد أثبتت قوة ومتانة هذه الخامة في البناء، فبعد بحوث علمية أجراها على النمط ذاته من المباني التاريخية، التي تعود لأكثر من 2500 عام، استنتج قوة خاماته وتناسب تصاميمه، ومن تلك المباني مخازن قمح "الرامسيوم" بمدينة الأقصر المصرية والمبنية بخامة الطوب اللبن ومسقوفة

 

\\بالقباب                                                .

أثبت "حسن فتحي" من خلال تصميماته، أن الطوب الأخضر يتحمل الضغوط الواقعة عليه، وبذلك أخضع التكنولوجيا لاقتصاديات الأهالي الفقراء، بحيث تسمح بإنشاء هذه الأسقف المقببة بدون صلبات أو عبوات خشبية.

يلقب  الدكتور حسن فتحى بمهندس   الفقراء فهو لا يبحث عن عملاء أغنياء ليصمم لهم قصورا ومباني فخمة، ( رغم انه شخصيا من اسرة ميسورة وغنية ) بل كان يبحث عن هذا الفقير الذي قال عنه: "العميل الذي يعنيني هو من تمثله الإحصائيات التي تشير إلى أن هناك 800 مليون من البشر في العالم الثالث يموتون موتا مبكرا بسبب الإسكان الشائه غير الصحي .. هذا هو العميل الذي على المعماري الاهتمام به ولكنه لا يفعل .. إن الأمر يشبه الطبيب حافي القدمين في الصين .. إن هؤلاء يحتاجون إلى معماري حافي القدمين".

يقسم المتخصصون مراحل إبداع عبقرية "حسن فتحي" الهندسية إلى خمس مراحل، تبدأ المرحلة الأولى في العام 1926، بعد تخرجه مباشرة، وفيها كان يتبع الطرز العالمية في البناء، والمرحلة الثانية بدأت في عام 1937واتجه فيها إلى اكتشاف وإحياء العمارة المحلية، وأبرز مشاريعها قرية "القرنة" حيث بناها تبعًا لطريقته في بناء بيوت الفلاحين، وأثبت على نطاق واسع وواقعي، أن بناء القرى بالطوب اللبن تقل تكاليفه عن البناء بأي مادة صناعية أخرى، فضلا عن تناسب هذا البناء مع البيئة المحيطة، وتبدأ المرحلة الثالثة في عام 1957 وهي فترة عمله في اليونان، وفيها قام بالعديد من المشاريع، وشارك في مشروع مدينة المستقبل، أما المرحلة الرابعة 1963، فتعد أكثر المراحل إنتاجية وإبداعا، وأشهر مشاريعها قرية "باريس" في مصر ، وتعد المرحلة الخامسة هي أقل المراحل إنتاجا؛ لتقدم عمر عبقرية الهندسة وبدأ هذه المرحلة في عام 1980 وانتهت بوفاته عام 1989 وأهم مشاريعها هي قرية "دار الإسلام" والذي نقل "حسن فتحي" إلى بؤرة الأضواء عالميا، وأنجز جانبا منه في "نيومكسيكو" بالولايات المتحدة الأمريكية لحساب "منظمة دار الإسلام" وقد نفذ من تصميماته لهذه القرية: المسجد، والمدرسة، وبيت الطلبة، جمع فيها بين طابع المباني الإسلامية في المنطقة العربية، والأسلوب الريفي في الأسقف القبابية، وحقق هذا المشروع أكبر الأثر في حسن استقبال نظرياته المعمارية، وتوالى بعد ذلك التقدير العالمي لفنه، والاحتفال بأسلوبه والاعتراف به  وبابداعاته كأحسن المعماريين، قبل وفاته بخمس سنوات فقط.

عمل "حسن فتحي" مهندسا بالمجالس البلدية في العام 1926 وحتى عام 1930، ثم مدرسا بكلية الفنون الجميلة حتى عام 1940، وفي عام 1949 شغل منصب رئيس إدارة المباني المدرسية بوزارة المعارف، حتى عام 1952، وفي عام 1950 عمل خبيرا بمنظمة الأمم المتحدة لإعانة اللاجئين، ثم أستاذا بكلية الفنون الجميلة، ورئيس قسم العمارة بداية من 1953وحتى 1957، ثم عمل لدى مؤسسة "دوكسياريس" كخبير للتصميم والإنشاء بأثينا، وحاضر بمعهد "أثينا" للتكنولوجيا في الفترة من عام 1957 وحتى عام 1962، أما في عام 1963 فشغل منصب رئيس مشروع تجريبي للإسكان، فمستشارا لوزارة السياحة، ثم عين خبيرا بمنظمة الأمم المتحدة في مشروع التنمية بالمملكة العربية السعودية في عام 1966، وفي العام نفسه انتدب أستاذا زائرا في قسم تخطيط المدن والعمارة بجامعة الأزهر الشريف، وفي العام التالي عمل خبيرا بمعهد "أدلاي ستفنسون" بجامعة شيكاغو، وانتدب أيضا ما بين عام 1975 وحتى عام 1977 أستاذا زائرا للإسكان الريفي في كلية الزراعة جامعة القاهرة، هذا فضلا عن العديد من المناصب الشرفية التي شغلها، ومنها رئاسته مجمع الدائرة المستديرة الدولية لتخطيط عمارة القاهرة. وكان لـ"حسن فتحي" العديد من المؤلفات أهمها كتاب "عمارة الفقراء" الذي كتبه بالإنجليزية، وصدر في طبعة محدودة عن وزارة الثقافة المصرية 1969، ثم طبع طبعات متعددة بلغات مختلفة في العديد من أنحاء العالم، وكتاب "الطاقة الطبيعية والعمارة التقليدية: مبادئ وأمثلة من المناخ الجاف الحار" والذي نشرته المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 1988. كما كان له الكثير من الأبحاث في مجال العمارة والإسكان والتخطيط العمراني وتاريخ العمارة بالإنجليزية والفرنسية والعربية

                        من المشروعات التي قام بها المهندس الفذ في المملكة العربية السعودية، مشروع "منزل نصيف" الذي نفذه عام 1973، ومازال تصميم هذا المنزل يجذب الانتباه في المملكة حتى اليوم، وكان تأييد الدكتور "عبد الرحمن نصيف" غير المحدود لأفكار "فتحي" نابعا من اقتناعه الشخصي بقيمة التقاليد، وهو الاتجاه الذي يجد قبولا متزايدا هذه الأيام، في المنطقة التي شهدت اختفاء الكثير من ميراثها المعماري منذ بناء المنزل، وفي أثناء عمل "حسن فتحي" في بناء قصر كبير في تبوك بالمملكة العربية السعودية في 1974 فوضته منظمة الأمم المتحدة للتنمية الريفية بزيارة بلدة الدرعية كاستشاري؛ حيث كانت مهمته المحددة هي تصميم منزل نموذجي، يكون مثالا يحتذي للمنازل الأخرى التي سيتم بناؤها في البلاد لتحسين الحياة القروية. وقد وجد "فتحي" في الدرعية أمثلة علي العمارة النجدية المبنية بالطين

حصل المهندس الفنان "حسن فتحي" على جوائز عديدة، تقديرا لإنجازاته ومن هذه الجوائز جائزة الدولة التشجيعية في العمارة عن تصميم وتنفيذ قرية "القرنة الجديدة" (النموذجية بالأقصر) عام 1958م، وفي العام التالي، حصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، ثم جائزة الدولة التشجيعية للفنون الجميلة، وفي العام 1960 حصل على ميدالية هيئة الآثار المصرية، أما في عام 1967  فحصل على جائزة الدولة التقديرية للفنون الجميلة، وحصل في عام 1980 على جائزة الرئيس من منظمة "الأغاخان" للعمارة، وفي نفس العام حصل على جائزة "نوبل" البديلة "RLA" وهي جائزة يقدمها البرلمان السويدي في اليوم السابق لتوزيع جوائز "نوبل" التي يقدمها ملك وملكة السويد (والتي لا تضم جائزة للهندسة المعمارية)، وحصل في العام نفسه أيضا على جائزة "بالزان" العالمية

كما حصل في العام 1984 على الميدالية الذهبية الأولى، من الاتحاد الدولي للمعماريين كاحسن مهندس معماري في العالم عن تصميمه "قبة الاتحاد الدولي للمعماريين "UIA" بأحسن مهندس معماري في العالم في ذلك الوقت، ويضم هذا الاتحاد تسعة آلاف معماري يمثلون 98 دولة، وأعلن وقتها أن نظرياته الإنشائية ومفاهيمه المعمارية يتم تدريسها للطلاب في 44 جامعة بالولايات المتحدة وكندا وجامعات أخرى في دول شمال أوربا، أما في العام 1987 فحصل على جائزة "لويس سوليفان" للعمارة (ميدالية ذهبية) من الاتحاد الدولي للبناء والحرف التقليدية.
وحصل على الجائزة التذكارية لكلية الفنون الجميلة بجامعة المنيا عام 1988 وقد نالها خلال المؤتمر العلمي الرابع لها، وقد أعلن "حسن فتحي" عند تسلمه الجائزة أن هذا هو أول تكريم من محفل أكاديمي مصري يحصل عليه في حياته، وكان ذلك قبل وفاته بعام واحد.
تُوفي المهندس العبقري "حسن فتحي"في ٣٠ نوفمبر عام 1989م دون أن يتزوج، تاركا وراءه إرثا عظيما من الأفكار، ليرثها كل الفقراء  والمعماريين والمبدعين لخدمة الانسانبة  .

ملخص لكتاب حسن فتحي ( عمارة الفقراء ) –  الكتاب الاصلي  باللغة الانجليزية      Architecture of the Poor:

مقدمة:

كل شعب ممن أنتج معمارا يطور أشكاله المحببة له هو نفسه ، و التي تخص هذا الشعب مثلما تخصه لغته ، أو ملبسه ، أو فنونه الشعبية . و قبل انهيار جبهات الحضارة في القرن الماضي ، كان هناك في العالم كله أشكال و تفاصيل محلية متميزة للمعمار و كانت بنايات كل موقع محلى بمثابة أطفال جميلة لزواج سعيد قد عقد بين خيال أفراد الشعب و احتياجات ريفهم . و لست بالذي يطلب التأمل في المنابع الحقيقية للخصوصية القومية ، كما أني لست مؤهلا لذلك بأي حال . و لكني أود أن أطرح ببساطة أن أشكالا بعينها تفتن أفراد أحد الشعوب ، فيستخدمها في مجالات جد متنوعة نابذين فيما يحتمل أي تطبيقات غير ملائمة ، و عندما يضيع التراث فإنه المدن تصبح أكثر فبحاً و كل ومحاولة لعلاج هذا الموقف لا يؤدي إلا لتأكيد هذا القبح .و لحل هذه المشكلة ينبغي علينا أولاً أن نحاول تشخيص الداء و أن نفهم الأسباب الجذرية اللازمة لأنه الفساد الحضاري يبدأ بالفرد نفسه و لذلك كلما زاد المناسبات التي يمارس فيها الكائن الحي الاختيار زاد علو المرتبة التي يوضع عليها بمقياس الحياة           

 

دور التراث                                                      

 

التراث ليس بالضرورة طراز قديم و هو لا يرادف الركود و الخروج عن التراث عمداً في مجتمع تقليدي كما في مجتمع الفلاحين هو نوع من الجريمة الحضارية و لذلك يجب على المهندس المعماري أن يحترم التراث الذي يقتحمه و لا يفترض أن هذا التراث هو عائق له لأن جهد الإنسان إذا كان يبني عمله على تراث راسخ قد ينتج عنه تقدم هائل و العمارة مازالت من أكثر الفنون تعلقاً بالتراث لذلك على المهندس المعماري أن يحترم أعماله سابقيه و عندما يوهب المعماري تراث واضحاً ليعمل فيه كما في قرية قد بنيت بواسطة الفلاحين فإنه لا يحق له أن يحطم هذا التراث بنزواته الخاصة .

إنقاذ الفردية بالقرية :

في الماضي عندما كان أحد الرجال يريد بناء بيت فإنه يظل يعمل مع البناءين يقترح و يصر و يرفض فهو يشارك في تصميم من البداية إلى النهاية لأنه يظل دائماً في حدود التراث و حديثاً أصبح المهندس المعماري بخبرته و عمله يضيع كل بهجة بناء البيت على عميله فلم يعد للمالك فرصة ممارسة اختياره إلا في أدنى حدود لأنه لا يفهم لغة الرسم المعماري . و المهندس المعماري يحس بما له من العلم و المعرفة و التقنية بأنه في مرتبة أعلى من عميله و بالتالي أذعن العميل مستسلماً .إن التخطيط العام للقرية أو المدينة هو المجال الصحيح للسلطة . أما شكل البناء للمنازل فيجب إن يترك للأفراد و الأسر التي هي أدرى باحتياجاتها فلكل أسرة لها ظروفها و حاجاتها التي تختلف عن الأسرة الأخرى فلا يعقل و لا يجوز أن تبني ( 1000 ) وحدة سكنية متشابهة ثم توزعها على الأسر دون النظر إلى التباين و الاحتياجات المختلفة لكل أسرة بحجة و ذريعة التوفير ، و لذلك ليس عليك أن تبني للإنسان بيتاً مثلما ليس عليك أن تبني للطيور أعشاشها و لو أعطي الإنسان نصف فرصة فإنه سيحل الجزء الذي يحصل عليه من مشكلة الإسكان دون عون من المهندس المعماري و سيحله بأفضل من أي سلطة حكومية و بالتالي فإن الحكومة يكمن دورها في إزالة العقبات أمام البناء الخاص و العام . و هذا كله يدخل في نطاق موارد أي حكومة إذا تذكرت أن البيت هو الرمز المرئي لهوية الأسرة و هو التعبير الحقيقي عن شخصيتها .

إحياء حرف التراث بالقرية :

إن حرف التراث يمكن إعادة إحيائها سريعاً والأمر يحتاج إلى إعادة رد اعتبارها أكثر ما يحتاج لإعادة تعليمها و لذلك على المهندس المعماري أن يستخدم سلطته و أن يعثر على الحرف المخبوءة و يأتي لها بالنور و يعيد للحرفي مرة ثانية ثقته التي فقدها و لا يقول بأن الصنعة التي من هذا النوع قد راح زمانها و لا تستطيع البقاء في الظروف الحديثة . لأنه يدرك بأن الحلول الغالية التكلفة هي حلول غير عملية كما لا يجب أن يفرض ذوقه المنحرف على الآخرين بل يجب أن يرشدهم إلى تقدير الجمال .

استخدام طوب اللبن ضرورة اقتصادية : 

إن الفلاّح لن يستطيع الفرار من القيود الصارمة التي تفرضه عليه مادة بنائه فالفقر يرغمنا على استخدام طوب اللبن على نطاق واسع و لذلك يجب أن يتعاون المالك و المهندس المعماري و الحرفي لكي نستخدم طرق البناء التراثية . و لذلك يجب أن يعرف المهندس المعماري كل تفاصيل الحياة المنزلية للفلاح في القرية و إن يفهم ماذا يريد في بيته . و لذلك فأن المهندسين المعماريين مطالبون بأن يشركوا العميل أو أهل القرية في تصميم منازلهم لأنه أكثر دراية بحاجاتهم منا لان العميل و المهندس المعماري و الحرفي كل في مجاله يجب أن يتخذ القرارات و إذا تنازل أي واحد منهم من مسؤوليته فسوف يعاني التصميم من ذلك و سيتقلص الدور الذي يقوم به المهندس المعماري في نمو الازدهار الحضاري لشعبه كله و يجب أن ننتبه بأنه الفلاحين لا يستطيعون التعبير عن احتياجاتهم المادية في الإسكان لأن الفلاح لا يتحدث عن الفن و إنما هو يصنعه                                           

                                             .

المعمار الدارج في القرنة :

في قرنة مرعي لا يوجد أي أثر لحذلقة المعماري فلا يوجد تشنج لمحاولة التسلق إلى مرتبة اجتماعية أعلى و إنما استخدام مباشر لمواد البناء في أغراض حياة الفلاح و أي تفاصيل يتم بناؤها لأن الفلاح يحتاج إليها من غير أي تفكير في محاولة التأثير في أناس آخرين فالبيت فيه اكتفاء ذاتي هادئ و البيت من هذا النوع لا بد أن بينيه صاحبه ذلك أن كل خط غير منتظم و كل منحنى هو انعكاس لشخصيته و ذلك لا يمكن أن يوجد هذا البيت إلا في إحدى القرى حيث تكون عملية البناء عملية تجري على الراحة و بدون حذلقة . و أبراج الحمام في القرية القديمة خير شاهد على ذلك و لذلك يجب على المهندس المعماري أن يؤمن بالتغيير بشرط أن يتواصل مع التراث لأن المعمار التراثي يجب أن يكيف نفسه مع البيئة الطبيعية و بالتالي يجب أن تبدوا مباني القرية كما لو كانت نتاج قرون من التراث.

 

المناخ و العمارة :

يتميز مناخ مصر العليا بأنه منطقة حارة جافة مع اختلاف واسع في درجات الحرارة نهاراً و ليلاً من هذا المنطلق يجب على المهندس المعماري أن يأخذ بعين اعتباره عند التصميم المناخ الموجود في المنطقة و لذلك أن أفضل مواد البناء في مثل هذا المناخ هي تلك المواد التي لا توصل الحرارة . و يعتبر اللبن الطين أسوء موصل للحرارة و هذا لحسن الحظ إضافة إلى ذلك يجب توجيه المنازل في جزء منها إلى الشمس و في الجزء الآخر إلى الرياح .

المجتمع و العمارة : .

 لمظهر البناء تأثير عميق في سكانه و البيت هو مكبر الإنسان نفسه و بالتالي يعبر عن شخصية الإنسان و منزلته مع التفاصيل الأخرى لفرديته كما يتكيف حسب حاجاته الاقتصاديـة و بالتالي تتخذ المباني شكل المجتمع بما له من أبعاد كثيرة و لذلك على المهندس المعماري عندما يريد أن يصمم منزلا أو قريةً عليه أن يراقب حياة القرية ليكتشف كيف يقوم الناس بعملهم و كيف يستخدمون بيوتهم و ما هي عاداتهم و تقاليدهم بمعنى آخر أن يخضع القرية إلى بحث شامل اجتماعي و اقتصادي حتى يكون تصميمه متناسباً و متناغماً مع احتياجاتهم و طبيعة تكوينهم و أنماط سلوكهم 

بنية القرابة و التقاليد المحلية :

إن العربي يأتي من الصحراء و الصحراء هي التي كونت عاداته و وجهة نظره و شكلت حضارته و هو مدين للصحراء ببساطته و كرمه و ميله للرياضيات و الفلك و لما كانت الصحراء بالنسبة للعربي عدوا قاسيا محترقا متوهجا لذلك نجده لا يفتح بيته على الطبيعة لأنها قاسية أما السماء فهي النقية الطاهرة الواعدة بالبرودة و الماء و لذلك نجد بيوتهم قد أدارت ظهرها إلى الخارج و فتحت قلبها و عينيها إلى الداخل " الفناء " لتنظر إلى السماء حيث السكينه و الهدوء و لا غرابة عندما جعلوها بيت الله و هذا ما لا نجده في المنازل عند الناس في أوربا فالبيت عندنا يكون مربعاً أجوف و قد أدار للخارج جدران صماء بلا نوافذ بينما تطل كل غرفة للداخل على فناءٍ لا يمكن أن يرى منه إلا السماء و قد جمل هذا الفناء بعنصره المائي مؤنثا بشكل نافورة فهو بيت مفعم بالسلام و كلمة العربية المسكن تتعلق بكلمة السكينه حيث ينعم الساكن بالأمن و الهدوء و الاستقرار .

الاعتبارات الاجتماعية الاقتصادية :

إن مسألة أسباب العيش عند أهل القرنة يجب أن تأثر في تصميم بيوتهم و ما يتم توفيرها لهم من المباني العامة و بما أن لأرض المحيطة بالقرنه لا تتناسب مع الكثافة السكانية المتواجدة فوقها لذلك يجب أن تدخل مهن أخرى إضافية إلى حياتهم كخدمة الآثار و مهن البناء و المنسوجات الصوفية وصناعة الفخار و بذلك تتوسع مواردهم نتيجة لتزويدهم بالمهن التي توفر لهم الموارد المناسبة .

تخطيط القرنة الجديدة :

عندما يصمم المهندس المعماري قريةً يحتاج إلى بذل أعظم عناية فنية إذا كان له أن يخلق توحدا و طابعا و جمالا يقترب حتى من الجمال الطبيعي الذي يخلقه الفلاحون بلا وعي في قراهم التي نمت نموا وئيداً طبيعيا و لذلك يجب على المهندس المعماري أن يهتم بتصميم المسجد وساحة السوق و المسرح و المدارس و هكذا تصبح مفردات التصميم ألحانا جميلة تشكل في النهاية مجتمعة سيمفونية رائعة اللحن .

الخلاصة :

إن مؤلف هذا الكتاب " عمارة الفقراء ، لحسن فتحي " يحاول أن يلفت انتباه المهندسين المعماريين و السلطة السياسية و كل من له شأن في مجال العمارة و التخطيط و بناء المدن و القرى بأن الانسلاخ عن التراث في عملية البناء و التصميم بحجة الحداثة هو خطأ فادح يترتب عليه مآسي اجتماعية و اقتصادية لا تحمد عقباها و من أولاها ضياع هوية المجتمع و انسلاخه عن ماضيه و تراثه و انعدام التفاعل الحي بين البيئة و حاجات المجتمع الخاصة و أشكال البناء المستوردة من الخارج و التي لا تتناسب مع ميول و حاجات و أمزجة و بيئة الإنسان المصري و لذلك فهو يدعو إلى تفعيل التراث في البناء و التصميم دون أن يغفل دور الحداثة و الحاجات المستحدثة نتيجة لتطور العصر و دون أن تكون هذه الحداثة على حساب تدمير التراث الذي يمتد في ذاكرة الإنسان المصري إلى آلاف السنين لأنه جهد أجيال و حقبٍ تفاعلت مع البيئة و حاجات الإنسان فأنتجت تصاميم دافئة حانية واكبت متطلبات الحياة على مر الأزمان و العصور على عكس ما نشاهده اليوم من خلال تلك التصاميم المثلجة و التي يشعر بغربة من يقطنها لذا فعلينا أن نكون في تصاميمنا كالشجرة التي لا تنسى أو تتناسى براعمها الصغيرة و الجديدة بأنها تستمد حياتها و رونقها و جمالها من الدماء التي ترتشفها لها جذورها من أعماق التربة ، ولذلك يجب عليها أن تكون امتداداً لذلك الجذر و الابنة الشرعية له

المراجع:

= مذكرات ومحاضرات الدكتور على مهران هشام – نقابة المؤلفين والمبدعين – مصر

= الموقع الالكترونى موهوبون – موقع المخترعين العرب

= ويكيبيديا – الموسوعة الحرة                                   

=  جريدة الشرق الأوسط  - أغسطس - 2009                                                          

 

المصدر: = مذكرات ومحاضرات الدكتور على مهران هشام – نقابة المؤلفين والمبدعين – مصر = الموقع الالكترونى موهوبون – موقع المخترعين العرب = ويكيبيديا – الموسوعة الحرة = جريدة الشرق الأوسط - أغسطس - 2009
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 87 مشاهدة
نشرت فى 23 مارس 2017 بواسطة drmahran2020

ساحة النقاش

د/على مهـران هشـام

drmahran2020
......بسم الله..... لمحة موجزة (C.V) 2021 البروفيسور الدكتور المهندس الشريف علي مهران هشام . Prof. Dr. Eng. Ali Mahran Hesham ## الدكتوراه من جامعة هوكايدو.. اليابان ** حاصل علي الدكتوراه الفخرية... ألمانيا. 2012 ** حاصل علي الدكتوراه الفخرية - جامعة خاتم المرسلين العالمية - ، بريطانيا، فبراير 2021 ** »

ابحث

عدد زيارات الموقع

650,521