هذه السيرة النبوية البشعة لمحمد أسد بك! (1-2)
د. إبراهيم عوض

قبيل سفرى إلى الدوحة فى بداية القرن الحالى للعمل أستاذا للأدب العربى فى جامعة قطر وقع فى يدى كتاب فى السيرة النبوية مترجم إلى الفرنسية عنوانه "Mahomet 571- 632" (Mohammed Essad Bey, Mahomet 571- 632, Payot, Paris, 1948) أهدانيه زميل لى قائلا إنه لمحمد أسد (ليوپولد ڤايس سابقا) الصحفى الألمانى الذى اعتنق الإسلام فى السعودية فى منتصف عشرينات القرن البائد، فأخذته شاكرا مبتهجا لحصولى على هذا الكتاب الجديد للكاتب الألمانى الذى بدأتْ معرفتى بمؤلفاته مع سبعينات القرن الماضى ثم نمت مع الزمن، فعلاوة على كتبه المعروفة المترجمة إلى العربية اطلعت فى السعودية قبل ذلك بسنوات غير بعيدة على ترجمته الإنجليزية للقرآن الكريم، وكانت أحد مراجعى فيما كتبت من دراسات عن بعض السور القرآنية، كما سعدت بتقليب ترجمته لـ"صحيح البخارى" والقراءة فيها وفى هوامشها التفسيرية من حين إلى حين. 
لكنى، مع شدة اهتمامى بذلك المستشرق الذى ترك دينه اليهودى وبلده ولغته ومهنته الصحفية فى منتصف عشرينات القرن المنصرم ليعيش بين ظَهْرانَىِ المسلمين، ومع حرصى على تتبع كل ما كتب، لم أسمع مجرد سماع أن له كتابا فى التأريخ لحياة الرسول وتحليل شخصيته عليه السلام. ومن ثم أحسست، حين أخذت الكتاب المذكور من زميلى فى القاهرة، أننى قد عثرت على كنز. وقد أخذت الكتاب معى إلى الدوحة بنية ترجمته وكتابة دراسة عنه هناك. وفى مطار القاهرة تسللت يدى، أثناء فترة الانتظار للصعود على متن الطائرة، إلى حقيبة اليد التى كانت معى واستخرجت الكتاب، وأخذت ألقى فيه نظرة هنا، ونظرة هناك، إلى أن لفت انتباهى الفصل الخاص بزوجات الرسول حيث توقفت وشرعت أقرأ.
وكنت، كلما أمعنت فى القراءة، اشتد شعورى بغرابة الروح التى كُتِب بها هذا الفصل بما فيه من همز ولمز خفى فى الإسلام ونبيه إلى أن أصبح الغمز واللمز ظاهرا يستعصى على التأويل مهما تذرع القارئ بحسن الظن. ثم حان ميعاد الصعود إلى الطائرة، فطويت الكتاب وأعدته إلى موضعه من الحقيبة. وما إن وصلت إلى الدوحة وتسلمت عملى بالجامعة وتنفست من مشاغل الأيام الأولى حتى أخرجت الكتاب كرة أخرى وأخذت أقرؤه بادئا مباشرة من طفولة الرسول تاركا الفصل الخاص ببلاد العرب وتاريخها وجغرافيتها وأهلها وعاداتها وتقاليدها إلى ما بعد الانتهاء من السيرة نفسها. وإذا بى أكتشف أن مؤلف الكتاب، وإن أثنى فى بعض الأحيان على الرسول ثناء مستطابا، لا يصدر فى ذلك عن حب حقيقى لمحمد ودينه ولا يكاد يغادر شيئا فى حياته صلى الله عليه وسلم أو فى حياة أصحابه دون أن يحاول تشويهه. 
وهنا عدت مرة أخرى إلى اسم المؤلف، وهو مكتوب على النحو التالى: "Mohammed Essad Bey". وركبتنى الحيرة والوساوس: ترى أهذا الكتاب هو فعلا لمحمد أسد، الذى نعرفه؟ إن كتابات الرجل الأخرى التى قرأتها قبلا "تظهر" تحمسا للإسلام وتبجيلا للرسول وصحابته، فكيف ينسجم هذا مع ذاك؟ وكيف غاب هذا الكتاب عن أصدقاء محمد أسد من المسلمين فلم يشر إليه أحد، وفيهم الساسة والمفكرون والصحفيون، وكلهم يحبون دينهم ولا يمكن أن يواطئوه على هذا الذى قال؟ أتراه كتبه قبل أن يسلم؟ لكنه، على كثرة ما كتب عن حياته قبل تحوله إلى دين محمد، لم يذكر أى شىء عن مثل ذلك الكتاب. ثم إن تاريخ صدور الترجمة الفرنسية هو 1948م. فهل من المعقول أن يتأخر صدور ترجمة كتاب كهذا أكثر من عشرين سنة بعد إسلامه؟ وهل يمكن أن يتغير الاسم الذى كان للمؤلف وقتما ألف الكتاب، وهو ليوپولد ڤايس، ويكتب بدلا منه الاسم الذى اصطنعه بعد إسلامه؟ وفضلا عن ذلك فمؤلف الكتاب ينطلق من أنه شخص مسلم رغم الغمز واللمز الذى أشرت إليه. 
ثم تراكمت غيوم الحيرة وتكأكأت الأسئلة والافتراضات: أيمكن أن يكون ثمة محمد أسد آخر غير الذى نعرفه؟ إن وجود لقب "بك" فى آخر الاسم من شأنه أن يقوى طرح هذا السؤال، إذ لم أسمع قط أو أقرأ اسم محمد أسد مقرونا بهذه الكلمة. بل إن هجاء كلمة "محمد أسد" هنا مختلف عن الطريقة التى تُكْتَب بها على كتبه الإنجليزية حيث تظهر هكذا: "Muhammad Asad". بل لقد تساءلت: ألا يمكن أن يكون المؤلف شخصا عربيا؟ والواقع أن بعضهم قد قالها، إذ وجدت د. محمد التونجى السورى (مترجم كتاب كونستانس جورجيو الوزير الرومانى الأسبق عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم) يقول فى أحد هوامش ترجمته لذلك الكتاب تعريفا بـ"أسد بك"، إنه المحقق العربى المعروف ناصر الدين الأسد. وبغض النظر عن أن المقصود بـ"أسد بك" هو محمد أسد لا ناصر الدين الأسد، فضلا عن أن المؤلف الأردنى ليست له أية مؤلفات فى السيرة النبوية، فإن مؤلف الكتاب يتحدث عن نفسه بوصفه أوربيا، إذ يقول: "نحن الغربيين" أو "عندنا فى أوربا"... إلخ. وهكذا عدنا إلى المربع الأول من جديد. 
ولقد قلبت مكتبة جامعة قطر بقسميها العربى والأجنبى، فلم أترك كتابا أو معجما أو موسوعة مما حسبت أنه يمكن أن يمدنى بشىء عن محمد أسد يجلو عمايتى وينير بصيرتى فى هذه القضية، فلم أجد إلا تلك الإشارة العارضة وأُخْرَيَيْن مثلها فى كتاب جورجيو. وقد أشرنا آنفا إلى أن المسمى: "محمد أسد بك"، وإن انطلق فى ظاهر كلامه من أنه مسلم، فإن ما قاله لا ينبئ عن أن صاحبه يكن حبا للرسول الكريم ولصحابته الأطهار ودينه العظيم رغم ثنائه المستطاب على الإسلام ونبيه بين الحين والحين. والشواهد على ما نقول كثيرة، وإلى القارئ بعضا منها: فهو مثلا يصف ما جاء فى كتب التاريخ والسيرة عن الطير الأبابيل بأنه أسطورة دينية، مؤكدا أن الجدرى فى الواقع هو الذى قضى على الجيش الحبشى (ص53). وعند حديثه عن زواج الرسول من خديجة لا يورد سوى الرواية الضعيفة التى لا يصدقها العقل والتى يزعم ملفقها أن أباها لم يكن راضيا عن هذه الزيجة مما ألجأها إلى أن تسقيه خمرا حتى تحصل على موافقته وهو سكران (ص61). كذلك يدعى أن الرسول فى الجاهلية كان يشارك قومه فى طقوسهم الوثنية ويكن للأصنام احتراما شديدا ويقدم لها القرابين كلما وُلِد له ولد. بل لقد سمى أحد أولاده: "عبد مناف" (ص63- 64). وبالمثل يتقول على الرسول صلى الله عليه وسلم زاعما أنه كان يقرأ مع الحنفاء الكتب القديمة، وأن ورقة هو الذى عرّفه التوراة والإنجيل وأنبياء بنى إسرائيل. 
وفى فترة التحنث نشاهد الرسول عليه السلام فى ذلك الكتاب الغريب وقد وصل به الحال أن أخذ يذرع الوديان ويصعد فى الجبال فى ثياب رثة وشعر أشعث وخطوات مضطربة، وعند سماعه أصوات الصخور وصراخها قرب غار حراء (الذى نقله أسد بك من مكة إلى الطائف) يسقط متشنجا وقد تجمع الزبد على شفتيه، وطفت من أعماق وعيه الذكريات القديمة بما فيها من رهبان بيض وأحاديث سمعها من الصابئين (ص67- 68). ويتجاوز المؤلف هنا حدود الصدق واللياقة حين يفترى على خديجة رضى الله عنها الأقاويل، فينسب إليها كذبا وزورا أنها، لكى تتأكد من أن الذى رآه النبى عند الغار ملاك، قد نَضَتْ عنها ملابسها وتعرت تماما والتصقت به فى هيام (ص70). 
وعندما كان يتلو صلى الله عليه وسلم سورة "النجم" عقب نزولها عليه نرى محمد أسد بك يضيف الجملتين التاليتين اللتين تمدح الأصنام: "إنهن الغرانيق العُلَا * وإن شفاعتهن لتُرْتَجَى". ولكى تكون تلك الدعوى مقبولة فإن محمد أسد بك يعزو ذلك الصنيع من الرسول إلى أنه بشر، والله يريد له أن يرتكب خطيئة من كل نوع من أنواع الخطايا التى يجترحها البشر (ص114). ومن تخاريفه المضحكة أيضا قوله إن الصلاة تسقط عن المسلم أثناء سفره أو إقامته فى بلد غريب، وإن الفروض الظاهرية فى الإسلام لا تشكل شرطا أساسيا للنجاة، بل يمكن إهمالها والحصول مع ذلك على الغفران الإلهى. وهو يتخذ من هذا دليلا على ما يتميز به الإسلام من واقعية. ويجرى فى هذا المضمار زعمه أن الإسلام لا يغلق باب الخلاص فى وجه أتباع الديانات الأخرى. ألا يقول القرآن: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون"؟ ومن أجل تمرير هذه الفرية يسارع إلى التظاهر بالثناء على الإسلام قائلا إنه الدين الوحيد الذى يبدى هذا الضرب من التسامح (ص135).
كذلك يفترى أسد بك الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا فى جرأة يحسد عليها إن نفسيته لم تكن تعرف التواضع والتسامح البتة، إذ كان هدفه بسط سلطانه على الدنيا كلها دون منازع (ص137). كما وصف نظام الحكم الذى طبقه عليه السلام فى المدينة بأنه الديمقراطية الصحراوية، التى عرفها لدن مروره بالقبائل المختلفة فى طريقه من مكة إلى المدينة أثناء الهجرة. ثم يفسر الأمر بعد ذلك قائلا إن أساس هذه الديمقراطية هو أن البشر جميعا عبيد لله، وهم بهذه الصفة يخضعون خضوعا مطلقا لِنِير الشريعة الحديدى الذى لا مجال معه للحرية. وهكذا فإن يثرب، التى عاشت طول عمرها قبل هجرته إليها متمتعة بالحرية، قد رضيت عن طيب خاطر بالخضوع فجأة ودون قيد أو شرط لإرادة المستبد القادم عليهم (ص331- 140، 143). وقد وصف المؤلف فى أكثر من موضع من كتابه سلطة النبى بأنها سلطة أوتوقراطية (ص155، 192، 193). 
كما زعم أنه، بدخول النبى المدينة، قد صار القرآن والسيف هما اللذين يحكمان العالم (ص133)، وأنه عليه السلام قد جعل الحرب سبيلا إلى إقامة الدولة الإلهية، وأن خضوع اليهود والمنافقين لسلطانه إنما تم تحت تهديد السلاح (ص159)، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يعرف جيدا أن أيا من الشعوب الأخرى لن يصغى طوعا إلى كلامه. ومن ثم كان لا بد من اصطناع القوة والخوض فى أوحال مستنقع السياسة بغية هداية الناس وحماية بيوت الله من بِيَعٍ وصلوات ومساجد، وهو مستنقع يعج بالاغتيالات والجرائم ونقض العهود، وأنه صلى الله عليه وسلم قد اقترف كثيرا من الآثام، فأراق الدماء واستخدم الوحشية والدهاء، وإن كان (كعادته فى تلطيف دعاواه بالكلام المعسول الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع) قد عقّب قائلا إن أحدا من البشر لم يخرج من ذلك المستنقع بقلب أنقى من قلب محمد (ص159- 160). وهى كلمة تحتمل تأويلين، فإلى جانب المعنى الظاهرى هناك معنى آخر بعيد أرجح أن يكون هو المقصود. ومُفَادُه أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن فى قلبه ندم ولا أسف على شىء مما اقترفه فى دنيا الحكم والسياسة!
ويشطح أسد شطحة أخرى فيزعم أن الإسلام تحول على أيدى المهاجرين إلى مهنة، إذ لم يكن أمامهم من مورد رزق سوى الحرب والعدوان على الآخرين (ص161). وهوينظر إلى الجهاد فى سبيل الله على أنه مجرد مساومة تجارية بين الرسول والصحابة فى المدينة، فهم يصرون على الحصول على أجورهم ناجزة فى الدنيا قبل الآخرة، فلا يجد النبى مناصا من النزول على ما يبتغون (ص163). وفى ضوء هذا نستطيع أن نفهم قوله بعد ذلك إن سكان المدينة الذين لم يكونوا قد دخلوا الإسلام بعد ما إن رَأَوْا غنائم بدر حتى جَثَوْا على رُكَبِهم واعتنقوا الإسلام فى الحال. وهو زعم كاذب، كما هو واضح، لكل من يعرف طرفا من مغازى رسول الله وأصحابه. بل إنه ليزعم أيضا أن الرسول قد حول المدينة، عقب انتصاره فى هذه الغزوة، إلى دولة بوليسية يُؤْخَذ فيها الناس بالظِّنَّة ويجرى التنصت على كل ما يتفوهون به فى الشوارع ويعاقَبون دون هوادة (ص177). 
ومع هذا فإن الحق يقتضينا أن نذكر قوله عن رسول الله إنه كان متسامحا إلى أبعد مدى مع من يخطئون فى حقه، أما مع الذين يعتدون على عمله من قرآن وإسلام فإنه لم يكن يعرف سوى التنكيل والوحشية والخداع والانتقام والاستبداد وسفك الدماء حتى لو كان الأمر مجرد تهكم خفيف لا ضرر منه، إذ لم يكن يتذوق الدعابة، ومن ثم لم يكن مستعدا لأى تفاهم مع الشعراء الذين يسخرون منه (ص179). وهو يصوره صلى الله عليه وسلم فى صورة المعتدى دائما، فهو يبعث بالسرايا والغزوات هنا وهناك للحصول على الغنائم من جهة ولكيلا يخلد المسلمون إلى الراحة من جهة أخرى فيَنْسَوُا القتال. ثم يضيف أنه صلى الله عليه وسلم كان خبيرا فى فن إغراء الناس وسحبهم خلفه وأن الغنائم كانت تكفل له إخلاص المهاجرين والأنصار على الدوام (ص192- 193). وهو فى أثناء ذلك كله يتكلم عن النبى بوصفه صاحب الإسلام، فهو الذى يحلل ويحرم، وهو الذى يفكر فى هذه المشكلة أو تلك ويصدر فيها التشريع المطلوب (ص195). وفى موضع آخر من الكتاب يقول إنه، من أحكام الرسول وفتاواه وقوانينه ومراسيمه، قد تشكّل الفقه الإسلامى فى دولة المدينة (ص271). 
وعن النساء فى حياة النبى عليه الصلاة والسلام يقول مؤلف الكتاب إن العدد الذى كان صلى الله عليه وسلم متزوجا به (وهو عنده أربع عشرة زوجة) لم يكن يجيزه الإسلام. ثم يمضى مفتريا الأكاذيب قائلا إن النساء اللاتى كن يَحْظَيْن بحب الرسول أو يميل إليهن كن أكثر من ذلك كثيرا. بل إنه ليزعم أن الآية الأولى من سورة "التحريم" تعطيه الحق فى أن يستمتع، إذا أراد، بأى عدد آخر من الزوجات فوق أولئك الأربع عشرة، وأنه ظل إلى آخر حياته يحب النساء ويعجب بالجميلات منهن ويكرمهن ويداعبهن ويأخذهن بالأحضان، ودافعه إلى ذلك رغبته الحارقة فى أن ينجب ولدا يرثه فى عمله ورئاسته للدولة الإلهية ويكمل ما بدأه هو (ص211- 212)، وإن كان قد عاد فقال إن زيجاته عليه السلام لم تكن كلها زيجات حب بل كان بعضها لأغراض سياسية بغية الحفاظ على الدولة وتماسكها، وإنه كان يلتزم العدل الصارم بين زوجاته، وكذلك تجاه رعيته (ص216- 217). ومن سفاهة الكاتب وقلة ذوقه وانعدام أدبه ادعاؤه أن الرسول، بعدما كبرت سنه،كان بسبب ما يتمتع به من حكمة وبعد نظر يعرف أن زوجاته الشوابّ لا يستطعن أن يَظْلَلْنَ على حبهن لشيخ فى الستين حتى لو كان نبيا، وأنه لذلك قد عرض عليهن الطلاق، فآثرن جميعا البقاء معه ما عدا فاطمة الكلبية، وأنه فى أخريات حياته قد بنى فى ركن من أركان بيته مرحاضا، إذ كان يشك فى دوافع نسائه إذا ما طلبن الذهاب ليلا إلى الخلاء (ص218- 219). 
وفى حادثة الإفك نراه يجترئ على الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق زاعما أن الرسول عليه السلام قد انشغل فى غزوة بنى المصطلق بشغب المنافقين عليه وبالمرأة الجديدة التى غنمها من غزوة المريسيع مما جعله يهمل عائشة، وأنها رضى الله عنها وأرضاها قد طلعت على الجيش مع الصباح برفقة صفوان الشاب الوسيم وعلى وجهها علائم الحبور، وأن جميع أفراد الجيش أخذوا يتغامزون تهكما بروايتها عن تخلفها بسبب عِقْدها الذى فقدته وعثور صفوان عليها بالمصادفة وحيدة فى الصحراء، نابزا إياها بـ"بنت أبى بكر التى أفسدها التدليل" (ص221). وكان قد وصفها قبلا بأنها أستاذة فى فن المؤامرات (ص214). أما حفصة رضى الله عنها فقد ادعى أنها قبيحة كبيرة السن، ولهذا لم يستطع عمر أن يعثر لها على زوج، إلا أن الرسول طلب يدها وتزوجها (ص215).
وبالنسبة لزينب بنت جحش يردد المؤلف المغرم بالإساءة إلى الرسول والإسلام أنه صلى الله عليه وسلم كان يكن لها عاطفة رمانسية عميقة، وأنه عندما رآها قد وقع مفتونا بجمالها ووقارها وتقواها، فكان يحب الاختلاف إلى بيتها والحديث معها، وأن زيدا زوجها حين لحظ ذلك قد صارحه بأنه سوف يطلقها حتى يمكنه الاقتران بها ما دام يحبها كل هذا الحب. ثم يختم كلامه عنها بقوله إنها كانت بارّة بالفقراء وإنها عاشت بعده صلى الله عليه وسلم فقيرة على عكس زوجاته الأخريات اللاتى يدَّعى أن خلفاءه عليه السلام قد أغرقوهن بالذهب (ص215). 
وعلى نفس الشاكلة يسىء المؤلف إلى الصحابة رضوان الله عليهم إساءات بالغة منها مثلا قوله إن عمر كان يشتغل بتهريب البضائع فى الجاهلية. ولا ندرى لماذا كان يفعل ذلك، إذ مبلغ علمنا أنه لم تكن هناك جمارك فى مكة! كما يعزو إسلامه إلى رغبته فى إحداث دوى لنفسه فى مكة بعد فشله فى مشروعاته السابقة كلها وعدم إحرازه أى مجد أو ثروة. ولا يكتفى بذلك بل يدعى عليه أنه كان يضرب زوجات الرسول بالعصا. وجريا على وتيرة المستشرقين والمبشرين يشبّه دوره فى تاريخ الإسلام بما صنعه بولس فى النصرانية (ص211- 212). كذلك تكررت إشارته إلى أن أم عمرو بن العاص رضى الله عنه كانت عاهرة (ص20، 92). ويجعل أبا بكر ينادى النبى عليه السلام بـ"يا محمد" بدلا من "يا رسول الله" (ص132). كما يجعل من أم هانئ أخت على بن أبى طالب عمة للرسول لا ابنة عمه، ويصورها طاعنة فى السن (ص122) رغم أن الرسول عليه السلام قد فكر يوما فى الزواج منها.
ومن إساءاته الشنيعة للصحابة أيضا دعواه الحمقاء بأن الرسول عليه السلام كان يكن لعمه العباس احتقارا هائلا لتأخره فى اعتناق الإسلام (ص159)، وكذلك تحامله الوقح على حسان بن ثابت، إذ يصفه بالقبح وفتور الموهبة الشعرية، زاعما أن شعره يقوم على سب الناس جميعا وأن النبى صلى الله عليه وسلم ضربه بالعصا ذات يوم لطول لسانه فحقدها عليه. ولأنه كان جبانا رعديدا، كما يصفه، لم يستطع أن يواجهه صلى الله عليه وسلم صراحة، فنظم قصيدة فى السر يهجوه بها، ثم لما علم أنها بلغت مسامع الرسول فر إلى بلد آخر، لكن بعض أصحاب النبى استطاع أن يلحق به وضربه بالسيف، فأخذ ينظم القصائد يشكو فيها حاله إلى أهل المدينة طالبا منهم القِصَاص. ثم انتهى به الأمر إلى التحقق من شدة سطوة الرسول ونفوذ سلطانه ورسوخه، فشرع يتردد عليه بصحبة بعض أقاربه من ذوى المكانة فى يثرب بغية السماح له بمقابلته صلى الله عليه وسلم. بيد أن النبى لم يأذن له، إذ كان عليه السلام يكره الشعراء لأنهم يقولون ما لا يفعلون. لكن حين أخذ شعراء مكة يهجونه صلى الله عليه وسلم عَدَل عن موقفه، وقرر السماح لحسان بالمثول بين يديه لإنشاد شعره. ومع هذا فقد وجده أضعف من شعر القرشيين وأقل موهبة، فما كان منه إلا أن لمس لسان الشاعر اليثربى بطَرَف عصاه، وعلى الفور تغير الحال وصار هجاؤه مرا أليما (ص230- 231).
وكأن هذا وغيره ليس كافيا فى نظر المؤلف لتشويه صورة الصحابة الكرام، فنراه يكتب فى موضع آخر أن المهاجرين والأنصار قد أصبحوا بعد قليل طبقة أرستقراطية طفيلية فارغة ذات مطالب مسرفة تثقل كاهن الخزانة العامة، وأن النبى عليه السلام كان يتفهم هذا كله، إذ رأى من حقهم التعويض عن سنوات الحرمان العصيبة التى قاسَوْها معه ومن أجله (ص270- 271).
فإذا انتقلنا إلى موقف ذلك المدعو: "محمد أسد بك" من اليهود المساكنين للنبى عليه السلام فى المدينة وكلامه عنهم ورأيه فيهم راعنا أنه، فى الوقت الذى أطلق قلمه بالغمز واللمز الدنس تارة، وبصريح القول النجس تارة أخرى فى حق الرسول وصحابته، قد اتخذ جانب اليهود على طول الخط مثنيا عليهم وعلى ذكائهم وعلمهم وتقواهم وشجاعتهم... إلخ. وهذا من الأشياء التى عضدت عندى أنه يهودى.
وأول ما نبدأ به هو تلك القصة الفكاهية التى لا أدرى من أن استقاها، وملخصها أن النبى عليه الصلاة والسلام قد عطش أثناء هجرته إلى يثرب عطشا قاسيا لم يطفئه إلا يهودى اسمه نوروز مما كان من نتيجته أن أصبح المسلمون يحتفلون بعيد النوروز تخليدا لذكرى ذلك اليهودى النبيل (ص133). وهى، كما يرى القارئ، بداية لها مغزاها فى الدلالة على ما سوف يقوله المؤلف فى حق أولئك القوم، الذين بدا لى، فى ذلك الوقت قبل أن أعرف حقيقته، أنه واحد منهم، وإن اصطنع لنفسه اسما من أسماء المسلمين بل من أسماء النبى ذاته صلى الله عليه وسلم.
فهو يزعم أن اليهود كانوا متعاطفين مع النبى قبل الهجرة، إذ كانوا يسمعون أنه يقول مثلهم بإله واحد، فضلا عن أن القرآن الكريم قد رفع أهل الكتاب مكانة عالية. ولهذا رحبوا به عند مقدمه إلى يثرب (ص147). أى أنه يجعل من اليهود الأساس الذى يقاس عليه الرسول فى صحة الإيمان والتوحيد. ثم يخطو خطوة أخرى قائلا إن اليهود، بما لهم من براعة فى الحجاج التلمودى، كانوا يفنِّدون الحجج التى يأتيهم بها محمد دون أية صعوبة، وإن دينهم متفوق على دينه، وإنه عليه السلام كان يخشى أن يبزغ من بين ظَهْرَانَيْهم نبى ينافسه كابن صياد، الذى كان بمستطاعه، حسبما يزعم الكاتب، أن يتنبأ بكل دقة بما فى عقل محمد، فما كان منه صلى الله عليه وسلم سوى أن اتهمه بتلبس الشيطان له. وهذا ما دعاه صلى الله عليه وسلم إلى إشهار الحرب عليهم واتهامهم بأنهم كانوا طوال تاريخهم دائمى التمرد على أنبيائهم (ص181- 182). 
وكان الرسول، كما يقول الكاتب الممالئ لليهود، يعرف أنهم غير متحابين، فبدأ بأضعف قبائلهم، وهم بنو قينقاع، مطمئنا إلى أن القبائل اليهودية الأخرى لن تهب لنصرتهم. وكان من السهل عليه اتخاذ أية ذريعة لضربهم بغية الحصول على الذهب والسلاح اللذين كانوا يمتلكونهما. وقد أبدى المؤلف أشد الأسف على مصير هؤلاء الأرجاس المناكيد (ص183- 184). ثم يمضى فى مزاعمه الوَقَاح قائلا إن اليهود عرضوا على الرسول مشاركته فى قتال المشركين فى أُحُد، لكنه رفض هذا العرض (ص187). ثم نجده بعد عدة صفحات يبدأ فاصلا من العزف على أوتار المديح لهم بالنبل والشجاعة باسطا أمرهم مع الرسول من وجهة نظر باطلة دون أن يشفع ذلك بأية تخطئة لهم مهما تفهت. 
ويضيف قائلا إنهم هم الذين وفروا للرسول الحماية والوطن بعد مغادرته مكة. ولا يفوته أن يخلع على حُيَىّ بن أَخْطَب عدو الله ورسوله صفات الإيمان والتقوى (ص198- 199). ومما له دلالته أنه قد بدأ الفصل الذى عقده لهذا الموضوع بعبارة من العهد القديم مؤداها أن الله إذا أحب قوما عاقبهم. وهو ما يعنى بكل جلاء أن ما نال اليهود على يد النبى صلى الله عليه وسلم إنما هو مظهر من مظاهر حب الله لهم لا غضبه عليهم.
وحين يأتى الكلام إلى بنى قريظة ينبرى أسد بك فيسوق العذر لهم فى نقضهم العهد الذى كان بينهم وبين الرسول، مؤكدا أنه هو الذى بدأ بالنقض حين صنع ما صنع مع بنى قينقاع وبنى النضير. ثم يقول إن بنى قريظة رفضوا أن يشتركوا فى الهجوم على المسلمين احتراما للسبت، الذى تصادف أن كان هو بداية هجوم المشركين على المدينة. ثم يصف سعد بن معاذ، الصحابى الجليل الذى أصدر حكمه على بنى قريظة جَرَّاءَ خيانتِهم وغدرهم واشتراكهم مع الأحزاب فى التآمر على ضرب الرسول والمسلمين فى مقتل، بسرعة الغضب والرغبة فى سفك الدماء. كما يسم الحكم الذى أصدره بالبربرية والدموية قائلا إن اليهود كانوا يظنون أنه، رضى الله عنه، سوف يكون عادلا فى حكمه عليهم. وهى عبارة وراءها ما وراءها. أما الذين نُفِّذ فيهم حكم الإعدام ممن ظاهروا المشركين وخانوا عهدهم مع رسول الله والمسلمين فقد مدحهم بأنهم ماتوا ميتة بطولية شريفة، إذ رفضوا أن يخونوا دينهم ويتحولوا إلى الإسلام.
ونراه هنا يزيد فى كلام الزبير بن باطا، اليهودى الذى قبل النبى شفاعة بعض الأنصار فيه فعفا عنه، العبارة التالية التى لم يوردها أى من كتب السيرة أو التاريخ: "إننى لا أقبل أن أكون مدينا بحياتى لرجل متعطش للدماء". وعند المؤلف الموالس مع اليهود الغادرين أن مأساتهم إنما تعود إلى كثرة مجادلتهم للرسول وإيثارهم لحرية الفكر على الطاعة العمياء التى كان يريدها منهم، فضلا عن كراهيته عليه السلام لوجودهم فى المدينة حيث لا ينبغى فى نظره أن يُسْمَع فيها أى صوت آخر غير صوت الله ورسوله (ص204- 207).
وفى نهاية المطاف من حديثه عن اليهود وعلاقتهم بالنبى صلى الله عليه وسلم يسخر مما يزعم أنه تصور الرسول للشياطين. فالشيطان، فى نظر الرسول حسب كذب الكاتب، إنسان يمشى متلصصا دون أن يبدو عليه أنه يبغضك، لكنه إذا القى عليك نظرته الفجائية لدى مرورك به أصابك بالمرض. والشياطين، بناء على هذا التصور المزعوم، تسكن الكهوف المظلمة وقمم التلال الملتهبة فى الصحراء، وتعاديه عليه السلام عداء رهيبا. وفى هذه الكهوف والتلال تعيش منذ عهد سليمان ساحراتٌ يهودياتٌ شمطاواتٌ يسيطرن على مملكة الشياطين ويُسَيِّرْنَها على هواهن. وهذه هى "القبالة" التى عرفها النبى فى ابن صياد، وكان يخافها لدى النساء الغريبات متوقعا على الدوام أن يتعرض لعملية سحر على أيديهن. 
ثم يمضى مؤكدا أن اللعنة (يقصد لعنة السحر) قد أصابت الرسول فى أعز شىء لديه، وهو الجماع، الذى أُوتِىَ فيه قوة ثلاثين رجلا، فكان يرى فى نظرات زوجاته الشهوة والغيظ. كما غار خداه، واتسعت عيناه، واصفر لونه، وازدادت زوجاته حزنا وكمدا، وشرع الصحابة (حسبما يقول ذلك الأفاك) يتساءلون: أية خطيئة يا ترى اقترفها الرسول ليعاقبه الله هذا العقاب؟ (ص208- 209). وهى، كما نرى، أكاذيب استولدها أسد بك من خياله الكاذب الآثم الشرير. وكل هذا قد غلَّب عندى آنذاك أن يكون اسم "محمد أسد بك" اسما وهميا انتحله أحد اليهود الحاقدين على العظمة المحمدية لفتنة المسلمين والتشويش على عقيدتهم وعقولهم، إذ يَرَوْن شخصا مسلما مثلهم يعيب الرسول ويكشف عورات شخصيته، فيكون هذا أدعى إلى أن يصدّقوه ويسلّموا له بما يقول.
ومما يتهم به هذا المنافقُ المتظاهرُ بالإسلام الرسولَ الكريمَ أنه كان يقرأ مع الحنفاء الكتب القديمة، وأنه قد تعرف إلى التوراة والإنجيل وأنبياء بنى إسرائيل على يد ورقة بن نوفل. ولو كان المؤلف مسلما ما ردد هذه الفرية الآثمة التى يصدّع بها كثير من أهل الاستشراق والتبشير أدمغتنا، إذ قد نفى عنه القرآن المجيد أن يكون قد عرف تلك الكتب بأى حال أو أن يكون قد علَّمه بشر. ومع ذلك فسننسى دفاع القرآن عنه ما دام غير مسلم ونعرض الملاحظات التالية: ترى لو كان هذا الزعم صحيحا فلماذا لم ينبر أحد من هؤلاء الحنفاء أو من أقربائهم ويقول هذا الذى يردده ذلك المؤلف وأمثاله؟ لقد تتبعت فى كتابى: "مصدر القرآن" أخبار هؤلاء الحنفاء، فألفيتهم إما أسلموا كورقة بن نَوْفَل أو ماتوا قبل البعثة وأسلم مِنْ بَعْدِهم أبناؤهم كزيد بن عمرو بن نُفَيْل أو كادوا أن يسلموا لكن العصبية القبلية قد حالت دون ذلك كأُمَيّة بن أبى الصَّلْت أو احتمَوْا بقوة أجنبية كعثمان بن الحويرث، الذى انحاز إلى الروم وطلب إليهم أن يولّوه مكة، لكن أهلها ردوه عن بلدهم ردا قبيحا. فمَنْ مِنْ هؤلاء يا ترى هو الذى قرأ مع رسولنا الكريم الكتب القديمة المزعومة؟ ومتى؟ وأين؟ وأمام مَنْ مِنَ الشهود؟ ولماذا لم يفتح أى منهم أو من أقربائهم أو معارفهم فمه بكلمة فى هذا السبيل؟ بل لماذا لم يحاول أى من هؤلاء الأساتذة أن يدعى هو النبوة ما دام ادعاؤها سهلا إلى هذا الحد؟
وكعادة هذا الشيطان فى افتراء الباطل ثم عدم احتياطه لهذا الافتراء نراه يكرر وصف الرسول بأنه كان رجلا ساذج الكفر عاريا عن الثقافة عريا تاما (ص68_ 69، 74، 89). فكيف بالله يتسق هذا مع دعواه أنه عليه السلام قد قرأ الكتب المقديمة وتعرف إلى التوراة والإنجيل وتاريخ أنبيائهما؟ نعم كيف يتسق جهل وعلم، وسذاجة وثقافة على هذا النحو؟ ثم كيف يتهم الرسول بالسذاجة والجهل مع ما فى القرآن الكريم، الذى يتهمه هذا الأفاك بأنه هو مؤلفه، وما فى الأحاديث الشريفة من ثقافة وفكر غاية فى الرقى والحكمة والتنوير؟ ثم ما من مرة اختلف فيها القرآن مع الكتاب المقدس إلا كان الحق والمنطق فى جانب القرآن، والتخبط والتناقض فى صف الكتاب المقدس. فهل مما يقبله العقل أن يكون الآخذ هو المصيب دائما، والمأخوذ منه هو المخطئ أبدا؟ ومن يرد أن يرى مصداق ذلك فباستطاعته الرجوع إلى كتبى عن سورة "المائدة" وسورة "يوسف" وسورة "طه" وغيرها من الدراسات حيث يجد فى كل منها فصلا فى المقارنة بين القرآن وكتاب اليهود والنصارى يبين بالتفصيل ما انكشفت عنه تلك المقارنة من فضح عورات الكتاب الأخير. 
أما قول الكاتب المتخفى إنه صلى الله عليه وسلم قد وصل به الحال فى الفترة السابقة على البعثة أن أخذ يذرع الوديان ويصعد فى الجبال فى ثياب رثة وشعر أشعث وخطوات مضطربة بعدما كان يعيش فى جو أرستقراطى وملابس حريرية أنيقة، وإنه حين سمع أصوات الصخور وصراخها عند غار حراء سقط متشنجا وقد تجمع الزَّبَد على شفتيه، فليس إلا من بنيات الأوهام والخيالات الإبليسية، إذ لم يرد شىء من ذلك فى أى من المصادر التى تحدثت عن الرسول. والتاريخ لا يجوز أبدا أن يصاغ من لبنات الأوهام والخيالات الإبليسية بل من لبنات الواقع الصلبة التى نقلها إلينا من شاهدوها واستوثقنا من شهودهم إياها وصدقهم فى روايتها. 
ومن الواضح أن الكاتب الكذاب يرمى إلى اتهام الرسول عليه الصلاة والسلام بأنه قد خُولِطَ فى عقله، إذ لا يفعل هذا إلا شخص مضطرب العقل والنفس قد وقع فريسة للهلاوس والجنون، وإلا فما معنى أنه صلى الله عليه وسلم كان يسمع صراخ الصخور؟ ثم ماذا يقصد الكاتب من أنه عليه الصلاة والسلام قد سقط متشنجا وقد تجمع الزبد على شفتيه سوى القول بأنه كان مصابا بالصَّرْع، تلك التهمة القديمة التى ترجع إلى أيام الرومان والتى ما زال أوغاد المستشرقين يرددونها رغم ما هو معروف لكل من كلف نفسه استفتاء كتب الطب وعلم النفس ومتخصصيهما من أن مظاهر الوحى لا وشيجة البتة بينها وبين أعراض الصرع من قريب أو من بعيد؟
ونسأل: كيف يا ترى من الممكن أن يصاب الرسول بالتشنج آنذاك وتزبد شفتاه؟ لقد كان الرسول يعيش بمفرده فى الغار. ومعنى هذا أن أحدا لم يشاهده عندما حدث له ذلك. وهو نفسه لم يكن ليستطيع أن يعرف ماذا حدث له لأنه كان فاقد الوعى. ثم أليس عجيبا أن يقع له ذلك دون أن يصيب نفسه بضرر جراء اصطدام رأسه بالصخور مثلا أو عضه لسانه أو ما إلى هذا؟ أرأيت، أيها القارئ الكريم، كيف يرمى الواحد من صعاليك المستشرقين بالتهمة السخيفة المتهافتة والمناقضة للمنطق والتاريخ فى مثل هذه القضية الخطيرة باستخفاف ورقاعة تامين؟ وعلى من؟ على سيد البشر والأنبياء والمرسلين!
ومن خيالات المؤلف الملتاثة ما يحاول أن يبثه فى رُوع القارئ من أنه صلى الله عليه وسلم، بعد سماعه الأصوات والصرخات ورؤية الأشباح لدى غار حراء، ظل فوق الجبل أياما بل أسابيع بل شهورا وهو فى رعب شديد ودوخان مستمر، فضلا عن أن نزوله من فوق الجبل وعودته إلى خديجة بعد ذلك قد استغرق عند مؤلفنا الليل بطوله ونصف اليوم التالى رغم أنه قطع المسافة عَدْوًا لا مشيًا، وذلك بسبب تشوش عقله وفقدانه الوعى والتمييز لما حوله. وهو كلام سخيف لا يستحق الوقوف إزاءه لأنه مجرد أوهام وأباطيل، إذ من أخبر المؤلف بهذا كله؟ إن كتب السيرة والتاريخ والحديث والتفسير متاحة لمن يريد التحقق من بطلان هذه المزاعم الشيطانية. ولولا أنى أردت أن يلمس القارئ بيده هذا السخف المتنطع ما أحدثت له منه ذكرا.
أما ادعاء هذا اليهودى المتخفى تحت اسم "محمد أسد بك" على خديجة أنها نضت عنها ملابسها وتعرت تماما لتتأكد من أن الذى رآه النبى ملاك لا شيطان فليس سوى قلة أدب. لقد كانت خديجة سيدة عربية فاضلة كريمة من أسرة نبيلة وزوجة لرجل ذى مروءة وفضل واحترام، فكيف يمكن أن تفكر على هذا النحو الذى لا يمكن أن يفكر فيه سوى عاهرات السينما فى بلاد الغرب موطن ذلك الشيطان وأشباهه؟ ثم من يا ترى أخبره بذلك، وهذه كتب الحديث والسيرة والتاريخ لا تقول شيئا من هذا بتاتا؟ أهذا كل ما فى جَعْبَة الاستشراق لمحاربة محمد ودين محمد؟ ألا شاهت الوجوه والنفوس! لقد لطخ اليهود فى العهد القديم الذى زوروه بأيديهم وأقلامهم صور أنبيائهم جميعا، فجعلوا منهم زناة وقتلة وخونة وكذابين وسكيرين وديايثة ومضاجعين للمحارم. وقد مَرَدُوا على هذا حتى أضحى دِينًا لهم. وها هم أولاء يظنون أنهم يستطيعون تكراره مع رسولنا الكريم، لعنهم الله! أو من تقول لزوجها فى هذا الموقف الكلام النبيل الراقى التالى: "والله لا يخزيك اله ابدا. إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتعين على نوائب الحق" يمكن أن تتصرف على هذا النحو فى نفس الموقف؟ 
وبالنسبة لدعوى الكاتب بأن النبى عليه السلام خالف التشريع القرآنى القاضى بعدم الزواج بأكثر من أربع فمن اللازم لفت النظر إلى أن هذا التحديد لم ينزل به الوحى إلا فى السنة الثامنة للهجرة بعد أن كان قد بنى بزوجاته جميعا، فلم يتخذ بعد ذلك أية زوجة أخرى. أى أنه عليه السلام لم يخرج على التشريع القرآنى فى هذا المجال على عكس ما يزعم هذا المستشرق السفيه، إذ التشريع المذكور لاحق لا سابق. وزيادة على ذلك لم يؤثَر عنه كلمة أو نظرة يشتم منها رائحة الطمع فى امرأة ليست له. ولست أعرف أى شيطان لعين وسوس لذلك الكاتب ما وسوس حين قال إن رسول الله كان لا يكف عن مداعبة النساء وأخذهن بالأحضان. إن الكاتب الأحمق لا يستطيع أن يميز بين ما ينبغى أن يلتزمه من يتحدث عن سيد الأنبياء من تبجيل وتعظيم وبين ما يثرثر به أى وغد لئيم عن المواخير ومرتاديها وعن الطريقة التى يتعامل بها الرجال والنساء فى المجتمعات الغربية التى لا تعرف حلالا ولاحراما ولا لياقة ولا عيبا. 
ترى لو كان عليه السلام على هذا النحو فى التدله فى حب النساء فلم حددهن أصلا بأربع؟ لقد نسبتُ إليه هذا التشريع لأن الذين يتهمونه بهذا إنما يتهمونه فى ذات الوقت بأنه هو صاحب القرآن ومخترع الإسلام. لو كان الرسولُ مؤلفَ القرآن لما أصدر هذا التشريع البتة، إذ كان التعدد بلا ضابط عرفا متبعا عند العرب. فلم يا ترى يضع نفسه فى هذا الموقف الحرج ما دام لا ينوى أن يطلق أيا من نسائه بعد صدور ذلك التشريع؟ وكل ما يمكن أن يقال فى هذا الصدد هو أنه عليه السلام لم يخفض عدد زوجاته بعد نزول تشريع التحديد. لكن السر فى هذا مفهوم لمن يريد بلوغ الحقيقة لا التشنيع على نبى الله، إذ أين ستذهب الزوجات اللاتى سيطلقهن، وقد حرَّم الله أن ينكحهن أحد بعده أبدا؟
ويتصل بهذا كذب المدعو: "أسد بك" على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أمر زينب بنت جحش حين زعم أنه كان يكن لها عاطفة رومانسية عميقة كما لو أنها كانت غريبة عليه فلم يرها إلا فى بيت زوجها ففُتِن بجمالها وصار يتردد عليها فى غياب زوجها مع أنها بنت عمته وليست غريبة عليه بحال، وهو الذى زوّجها بزيد رغم أنها وأهلها لم يكونوا موافقين على الزيجة بينما أصرت السماء على إتمام هذا الزواج. فلم بالله يتخذ محمد هذا المسار المعقد الملتوى ما دام يحبها ويفتتن بها ويحب التردد على بيتها فى غياب زوجها؟ بل لقد كان الرسول عليه السلام يكره تطليق زيد لها. أفلو كان متيما بها على هذا النحو أكان يزين له الإبقاء عليها فى ذمته؟ ثم من أين للإبليس مؤلف الكتاب بتردد الرسول على زينب فى غير وجود زوجها؟ إن هذا اتهام باطل لأنه لا سند له لا من رواية تاريخية ولا من شهادة شهود أخبروا الكاتب بما حصل. ولو أقررنا هذا الأسلوب فى الحكم على الناس ما بقى فوق ظهر الأرض برىء!
إن ما يقوله أسد بك وَغَادَةٌ ما بعدها وَغَادَةٌ، فقد كانت رضى الله عنها، كما أكد هو بعظمة لسانه، تقية نقية تحب الفقراء والمساكين وتعطف عليهم. فكيف يمكن التقول عليها بمثل هذا الشكل الحقير؟ ثم إنها ابنةعم محمد كما قلنا، أى كانت معروفة له تماما منذ الصغر. فلو كانت عنده تجاهها هذه العاطفة فلماذا لم يتزوجها إذن وزوَّجها بدلا من ذلك زيدا، وكان زيد عبدا عتيقا، أما هى فمن أعز البيوتات القرشية؟ ومتى كان الرسول يتردد عليها أثناء مغيب زوجها عن البيت؟ إن كل ما ترويه الروايات أنه صلى الله عليه وسلم ذهب لزيد، الذى كان ابنه بالتبنى، فى أمر من الأمور فعلم من زينب أنه غير موجود، فاستدار من فوره راجعا. أما تصور أخلاق النبى على غرار أخلاق الرقعاء والمتبطلين وأزيار النساء الذين لا يتمتعون برجولة ولا شهامة ولا نخوة فينتهزون أول فرصة لغياب معارفهم أو جيرانهم عن المنزل ويترددون على الزوجة فأمر لا يقدم عليه سوى حاقد لئيم يظن بجهل وحطة أنه يستطيع تلطيخ سيد البشر بجرة قلم نجسة مثل أخلاقه. وهذا دليل على الحماقة التى تجاوزت كل الحدود لأن صورة النبى عليه السلام لا يمكن تلطيخها فعلا ولو أجمع على ذلك شياطين الأرض وأبالستها. ترى هل يمكن أن يسقط القمر من عليائه إن نبحه كلب؟ 
ومقطع الحق فى هذا أن الرسول قد تعرض لحرج اجتماعى شديد بزواجه بأمر القرآن من زينب. أى أن عقده عليها كان عبئا لا سببا للسرور، إذ كان يعلم مدى الصدمة التى سيسببها هذا الزواج للمجتمع العربى، الذى كان ينظر إلى الابن بالتبنى نظرته إلى الابن الحقيقى. فزواجه من زينب كان يعنى عند العرب زواجه بامرأة ابنه، فهو إذن أمر يبعث على الاستغراب والاستنكار. ومن هنا نفهم سر تباطئه، الذى أخذه عليه القرآن، إذ كان كتاب الله يريد وضع حد لتلك النظرة التى كانوا ينظرونها إلى ابن التبنى. وهذا معنى قوله تعالى له: "وتخشى الناسَ، واللهُ أحقُّ أن تخشاه". فذلك الزواج إذن كان تضحية من جانبه صلى الله عليه وسلم لا وطرا يشتهيه أو عاطفة رومانسية يشبعها. لكن متى كان أصحاب القلوب الغُلْف يفقهون؟
ولو كان الرسول كما يفترى عليه الكاتب السافل فلم كان يعدل بين زينب وغيرها من نسائه اللاتى لم يكن يحمل لهن مثل تلك العاطفة الرومانسية التى يفتريها عليه هذا السفيه؟ ولقد شهد الكذوب رغم هذا أنه صلى الله عليه وسلم كان يراعى فى معاملتهن العدل الصارم الذى لا يعرف الحيف. وقديما قيل: إذا كنتَ كَذُوبًا فكن ذَكُورًا! إلا أن كاتبنا الشرير يكذب كثيرا لكنه ليس من الذاكرين، فلهذا يقع فى المعاطب. وهذا من إخزاء الله له ولأشباهه، إذ من يتطاول على الرسول لا يوفقه الله للفلاح أبدا.
ثم نأتى إلى حادثة الإفك، وما أدراك ما حادثة الإفك؟ إن الكاتب، كما قلت، ينطلق فى ظاهر كلامه من كونه مسلما، كما أن اسمه يدل فى الأقل على أنه يريد الاشتهار بين المسلمين بأنه على دينهم. ولو كان مسلما لكفاه تبرئة القرآن الكريم لعائشة رضى الله عنها، إذ من يتهمها فى شرفها بعد ذلك حتى ولو بأسلوب الهمز والغمز لا يمكن أن يكون بالوحى الذى ينزل على محمد من المؤمنين. ولكن ما دام قد فعلها فلمز أم المؤمنين وغمزها وتهكم بها وبروايتها عن الواقعة فلننهج نهجا آخر ونقول: ترى لو أن عائشة كانت كما يقول أكانت تفعلها مرة ثم لا تكررها بعد ذلك أبدا؟ لكننا ننظر فى سيرتها فلا نرى إلا طهرا، ولا نشم إلا عطرا. ثم لو كانت فعلتها وزوجها حى وينزل عليه الوحى فكيف لم تفعلها ثانية بعد أن مات وخلا لها الجو ولم يعد هناك وحى تخشاه؟ بل إن نزول الوحى بتبرئتها وهى غير بريئة لَحَرِىٌّ أن يشجعها على الانحراف لأنه سوف يكون دليلا ما بعده دليل على أن زوجها ليس بنبى، إذ الله لا يجهل ولا يكذب. ولكننا ننظر فنجد أنها عاشت بعده صلى الله عليه وسلم عشرات السنين دون أن تعلق بها ولو همسة ريبة رغم أنها كانت تتمتع لدن وفاته بالشباب والجمال والذكاء والحيوية، نزولا على حكم القرآن بألا زواج لأحد من زوجاته صلى الله عليه وسلم من بعده أبدا. فكيف تلزم نفسها بهذا الحرمان الخطير إن كانت قد ارتكبت خطأ بما يعنى أن تبرئة القرآن لها تبرئة كاذبة أو على الأقل: خاطئة، ومن ثم فنبوة زوجها نبوة زائفة؟ ولا ننس أنها كانت شديدة الغيرة على النبى الكريم صلى الله عليه وسلم. فهل هذا صنيع امرأة يمكن أن تفكر مجرد تفكير فى خيانة الزوج؟ 
وكيف ظل صفوان، الذى اتهمها به المنافقون وتابعهم فى ذلك سفلة المستشرقين والمبشرين، يؤمن بمحمد ويخلص له ويحبه ويجاهد فى سبيل الله بعد ذلك، وبخاصة بعد أن نزل الوحى بتبرئته هو وعائشة بما يعنى، لو كان الخطأ قد وقع منهما، أن محمدا يكذب ويخترع من عنده ما يريد من أوحاء؟ 
ولقد ربأ بعض المستشرقين بأنفسهم عن ترديد هذا الاتهام السافل واستعفّوا أن يخوضوا مع الخائضين فى عرض عائشة سليلة البيت البكرى الشريف، ومنهم على سبيل المثال وليام موير كاتب سيرة النبى العظيم. إن مصيبة المفترين من المستشرقين والمبشرين أنهم، حين يكتبون عن عائشة وأمثالها من ذوات الفضل السامى، لا يستطيعون التمييز بينها وبين أمهاتهم وزوجاتهم وأخواتهم وبناتهم. وهو خطأ منهجى فادح قبل أن يكون سقطة أخلاقية، إذ كيف نقيس سيدة كريمة تربت على تقديس العرض والشرف أكثر من تقديسها للحياة ذاتها إلى المرأة الغربية التى لا يزيد أمر العرض فى معظم الأحيان لديها عن قطعة من اللادن تمضغها برهة ثم تبصقها على الأرض دون أية مبالاة؟

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 58 مشاهدة
نشرت فى 25 أغسطس 2016 بواسطة dribrahimawad

عدد زيارات الموقع

32,863