ثروت عكاشة صنع لنفسه تاريخاً فكرياً حافلاً
تاريخ النشر: الخميس 15 أغسطس 2013
حلمي النمنم

قد يكون الكتاب الجديد الذي أصدره د. إبراهيم عوض، أستاذ الأدب العربي بجامعة عين شمس، أول كتاب يصدر في سلسلة شعبية عن الراحل د. ثروت عكاشة الذي رحل عن عالمنا في يناير من العام الماضي، واختار له د. عوض عنوان “ثروت عكاشة بين الفكر والفن”.
ليس الكتاب دراسة لحياة وشخصية د. عكاشة، لكنه دراسة نقدية لبعض أعماله، مثل ترجماته لأعمال جبران خليل جبران، واهتمامه بالمؤرخ الإسلامي ابن قتيبة الذي حقق عكاشة كتابه العارف وكان ابن قتيبة موضوعاً للدكتوراه التي نالها عكاشة من السوربون سنة 1962.
ولد ثروت عكاشة بالقاهرة سنة 1921، كان والده ضابطا بالجيش المصري، والتحق هو أيضاً بالكلية الحربية سنة 1939 في إطار ما سمحت به معاهدة 1936 من التحاق أبناء الطبقة الوسطي بهذه الكلية، فدخل في المجموعة الأولى، منهم أسماء مثل جمال عبد الناصر وزكريا محيي الدين وأنور السادات، وغيرهم، وكان ثروت في مجموعة تالية، وفي عام 1948 تخرج في كلية أركان الحرب، وشارك في حرب فلسطين، حيث كان مسؤول المخابرات الحربية للجيش المصري في هذه الحرب، ومن ثم كان يدرك ويعرف الكثير من الحقائق، وكتب عنها في مذكراته المهمة والمتميزة، إلى جوار انخراطه في الحياة العسكرية ضابطا متميزا، فقد كانت عينه على الناحية الثقافية مبكرا، وحتى قبل ثورة 1952 التي شارك فيها، إذ كان أحد الضباط الأحرار، فقد التحق بكلية الآداب جامعة القاهرة ونال دبلوما في الصحافة سنة 1951، وقبلها بعام كان ترجم كتاب “هنرك لنك”. العودة إلى الإيمان، والمؤلف محلل نفسي أميركي كان يرى انه لابد لتجاوز الإنسان لكثير من أزمات العصر أن يعود إلى الدين أو الإيمان، وقد وضع د. عكاشة مقدمة خاصة للكتاب يذهب فيها ذلك المذهب، يقول “إن الإيمان هو الحل الحاسم والسريع لكل مشكلات المجتمع، حيث يؤمن كل فرد بما عليه من واجبات، ويعرف ما له من حقوق”. ويتوقف هنا أمام عدد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة.
وفي سنة 1952 ترجم كتاب “جنكيز خان”، اعصار من الشرق، وحقق هذا الكتاب نجاحا كبيرا وطبع طبعات عدة، وترجم في تلك الفترة “سروال القس” بالإضافة إلى ترجمة عدد من الكتب في المجالات العسكرية. وعين ملحقا عسكريا في روما وبون ومدريد، في المدة بين عامي 1953 وحتى 1956، وهناك كان لديه كثير من الوقت فاكتشف الثقافة والفنون الغريبة، حيث طاف بالمتاحف والمعارض الفنية وحضر حفلات الأوبرا بانتظام، وقرر ألا يكتفي بالمتابعة الثقافية العامة، واتجه إلى الدراسة الأكاديمية والجامعية المنضبطة، والتحق بجامعة السوربون ليتم دراساته العليا وينال الدكتوراه، واستقر تفكيره على أن يكون شاعر المهجر، اللبناني الذي ألهب خيال الكثيرين بأشعاره، فضلاً عن حياته الخاصة جبران خليل جبران موضوعه للدكتوراه، لكنه اصطدم بان طالبا لبنانيا سبقه لتسجيل الموضوع نفسه في الجامعة ومن ثم لم يعد ممكنا العمل عليه، واقترح عليه أستاذه المستشرق ريجيه بلاشير أن يتخذ الأدب العربي القديم موضوعا لدراسته، خاصة ابن قتيبة، وصدمه الأمر في البداية، ويرى د. عوض أن عكاشة كان كارها للأدب العربي القديم، ويبدو أن الأمر لم يكن على هذا النحو وأنه تخصص فيه مضطرا، ذلك أن عكاشة لم يذهب إلى باريس والسوربون ليدرس ويتخصص في الأدب العربي القديم، ومن أراد هذا التخصص فأمامه الجامعات المصرية والعربية، حيث المادة العلمية متوافرة ومتاحة والمتخصصون من الأساتذة والباحثين أكثر وأعمق، أما من يدرس في باريس أو في أي بلد أوروبي فلتكن دراسته في أمر ومعرفة ليست متوافرة ولا متاحة هنا، في مؤسساتنا العلمية والثقافية، ولو كان عكاشة نافراً من الأدب العربي القديم أو كارهاً له لاختار موضوعاً آخر.
المهم اعد رسالته وقبل أن تنعقد لجنة المناقشة، وقع العدوان الثلاثي على مصر وقطعت العلاقات بين مصر وفرنسا، بما فيها العلاقات العلمية، والثقافية، وفوق ذلك فإن د عكاشة كان احد كبار المسؤولين في مصر وصديقا لعبد الناصر فتعطلت الرسالة حتى عودة العلاقات رسميا بين البلدين، ونالها في سنة 1962.
وبعد الانتهاء من إعداد رسالته عن ابن قتيبة، عاد عكاشة إلى موضوعه الأثير جبران خليل جبران فترجم أعماله، بدءا من كتابيه “النبي” و”عيسى ابن الإنسان” وتوالت ترجماته، حتى أتم ترجمة كل أعمال جبران عن الانجليزية، ويأخذ عليه د. عوض هذا الاهتمام بالشاعر اللبناني، الذي لا يحبه هو، ويراه يميل إلى العبارات المجنحة، لكن د. عكاشة رأى في جبران الجانب الإنساني والروحي وبهذا أعجب بأعماله، وظل معجباً بها طوال حياته.
يأخذ د. عوض عليه أيضا إعجابه بالموسيقار الألماني فاجنر. ترجم د. عكاشة كتاب برنارد شو عن فاجنر “مولع بفاجنر” ثم وضع كتابا عنه، جعل عنوانه قريبا من عنوان كتاب شو.. “مولع حذر بفاجنر”، وهو كتاب ضخم، مملوء باللوحات والصور. مأخذ د. عوض هنا يتعلق بأمرين، الأول هو أن فاجنر نفسه لا يستحق كل هذا الاهتمام أو الإعجاب والولع، الثاني: أن د. عكاشة كان وزيراً للثقافة، وكان الأجدى به أن يهتم بالموسيقى العربية والفنانين العرب، هو يأخذ علي عكاشة وعلى آخرين مثل د. طه حسين ود. حسين فوزي ود. فؤاد زكريا هذا الإعجاب بالموسيقى الغربية، وأنهم يفضلونها على الموسيقى العربية، ويشيد هنا بالناقد د. زكي مبارك الذي كان شديد الإعجاب بالفنانة أم كلثوم والفنان محمد عبد الوهاب، ويستطرد د. عوض كثيراً في هذه الجزئية.
يشيد بشدة بما أقدم عليه د. عكاشة في ترجمة كتاب “مذكرات الرائد طومسون” في نقد الفرنسيين بأسلوب ساخر أعجب به الفرنسيون أنفسهم، على الرغم من أنه قارنهم بالمجتمع والشخصية الإنجليزية، وضعه الصحفي الفرنسي “بيرو ايثنوس”، وقد ترجم الكتاب إلى نحو 30 لغة، ودرس في عدد من الدول الأوروبية بالجامعات والمدارس. وقد بذل د. عكاشة جهداً في ترجمته، خاصة أنه هو الرجل الجاد، الذي لا يعرف السخرية ولا التهكم.
الواضح أن د. إبراهيم عوض وضع كتابه هذا عن ثروت عكاشة قبل وفاته، حيث لا يذكر تاريخ الوفاة في لوحة حياته، ويتحدث عنه باعتباره حاضراً، ويبدو أن نشر الكتاب هو الذي تأخر، والمؤكد أن عكاشة كان سيسعد بهذا الجهد لو رآه وقرأه.
العسكري المثقفقد يكون الكتاب الجديد الذي أصدره د. إبراهيم عوض، أستاذ الأدب العربي بجامعة عين شمس، أول كتاب يصدر في سلسلة شعبية عن الراحل د. ثروت عكاشة الذي رحل عن عالمنا في يناير من العام الماضي، واختار له د. عوض عنوان “ثروت عكاشة بين الفكر والفن”.ليس الكتاب دراسة لحياALITTIHAD.AE

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 72 مشاهدة
نشرت فى 24 فبراير 2016 بواسطة dribrahimawad

عدد زيارات الموقع

33,962