بنا تقدمتم، وبكم تخلفنا يا سيدة ميركل
بقلم: الطيب أديب
تواترت تصريحان نسبت للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، تقول فيها ساخرة من اللاجئين السوريين والفلسطينيين : (يوما ما سنخبر أحفادنا عن هروب اللاجئين السوريين والفلسطينيين عبر مواكب الموت إلى أوربا على الرغم أن مكة وأرض المسلمين أقرب إليهم.. يوما ما سنحكي لهم عن هجرة الصحابة إلى الحبشة ففيها حاكم نصراني لايظلم عنده أحد..).
ولأن كلامها انتهج طابعا عنصريا طائفيا بغيضا – إن ثبت - فلا يجب أن يمر مرور الكرام..ووجب الرد عليها ربما تتعلم السيدة (ميركل) ومن انتهج نهجها في بلاد الغرب ونذكرها بالآتي:
في الوقت الذي كان فيه المسلمون يولون العلم والابتكار عناية فائقة ،خلت أوربا من كل مظاهر الحضارة بعد أن تمكنت القبائل المتبربرة" الهمجية" من القضاء على الدولة الرومانية الغربية واحتلال الأقاليم التي كانت تخضع لحكمها. وعلى الرغم من أن هذه القبائل دانت بالمسيحية، فإنها لم تتقدم تقدما حضاريا يستحق الذكـر؛ بسبب تولى مجيء موجات جديدة منهم، وغلبة الروح العسكري عليهم، وقلة مرونتهم العقلية،ما جعلهم متخلفين عن ركب الحضارة والمدنية يعيشون في ظلام الجهالة والهمجية.
وعندما كان أطباء الأندلس المسلمين بعد فتحها العام 92 هــ يعالجون المرضى ويجرون عملياتهم الجراحية للمرضى كانت الكنيسة تحرم مهنة الطب وتعتبرها اعتداء على حرمة الجسد ،وكان طلاب العلم الأوربيين يهاجرون سرا لتعلم الطب وكافة العلوم على أيدي العلماء المسلمين في العصور الوسطى..وبعدما بلغت شهرتهم الآفاق وأدرك بعض ملوك أوربا أهمية العلم وتقدم المسلمين راح ملوك أوربا يرسلون أبناءهم وأحفادهم في بعثات علمية للأندلس.
وفي أوائل القرن الخامس الهجري أرسل جورج الثاني ملك إنجلترا ابنة أخيه الأميرة "دوبانت "، على رأس بعثة من ثمان عشرة فتاة، من بنات الأمراء والأعيان، إلى أشبيلية بمرافقة النبيل " سفليك " رئيس موظفي القصر الملكي، وأرسل معه كتابا إلى الخليفة هشام الثالث آخر الخلفاء الأمويين بالأندلس جاء فيه بعد الديباجة: ( وقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم، والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج من هذه الفضائل؛ لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من أركانها الأربعة، وقد أرسلنا ابنة شقيقتنا الأميرة " دوبانت " على رأس بعثة من بنات الأشراف الإنجليز؛ لتتشرف بلثم أهداب العرش؛ والتماس العطف لتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم؛ وحماية الحاشية الكريمة، وحدب من لدن اللواتي سيتوفرن على تعليمهن، وقد أرفقت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل أرجو التكرم بقبولها، مع التعظيم والحب الخالص من خادمكم المطيع: جورج. ).
وقد ردّ الخليفة هشام الثالث على ملك إنجلترا برسالة جاء فيها: ( لقد اطلعت على التماسكم فوافقت- بعد استشارة من يعنيهم الأمر- على طلبكم وعليه فإننا نعلمكم بأنه سينفق على هذه البعثة من بيت مال المسلمين دلالة على مودتنا لشخصكم الملكي. أما هديتكم فقد تلقيتها بسرور زائد، وبالمقابلة أبعث إليكم بغالي الطنافس الأندلسية وهى من صنع أبنائنا، هدية لحضرتكم، وفيها المغزى الكافي للتدليل على اتفاقنا ومحبتنا والسلام- خليفة رسول اللّه على ديار الأندلس: هشام.).
وفي عهد ملوك الطوائف في الأندلس كانت توفد إلى معاهد غرناطة، وأشبيلية، وغيرهما بعثات من فرنسا، وإيطاليا، والأراضي الواطئة؛ لتنهل من الحضارة العربية، وكان طلاب هذه البعثات يعجبون بالحياة العربية وتقاليدها وثقافتها حتى أن بعضهم اعتنق الإسلام وفضل البقاء بالأندلس ولم يعد إلى بلاده.
نهضة أوربا:
وتسببت حركة الترجمة التي ازدهرت في مدينة طليطلة بعد سقوطها في أيدي المسيحيين سنة 487 هـ المركز الرئيسي لحركة الترجمة من العربية إلى اللاتينية،في ثورة علمية وفكرية هائلة في غرب أوروبا؛ ذلك لأن المعارف الجديدة التي نقلت من العربية إلى اللاتينية أضاعت أمام الأوربيين طريق الحياة, وبددت ضباب الجهالة الذي حجب عنهم رؤية الحضارة وأيقظتهم من سباتهم العميق ونبهتهم من غفلتهم الطويلة فأقبلوا على دراسة الحضارة الإسلامية بشغف .
ففي علم الحساب مثلا عرفوا نظام الأعداد الهندية عن العرب، وهو النظام الذي تتغير فيه قيمة الـرقم بنقله من خانة الآحاد إلى خانة العشرات أو المئات أو الآلاف وما بعدها استعملوه في عملياتهم الحسابية بدل الأرقام الرومانية التي كانت عملياتها الحسابية تتطلب منهم وقتا طويلا .
ويذكر العالم الغربي " دلفان " في كتابه فاس وجامعتها : " إن جامعة القرويين تعتبر أول مدرسة في الدنيا .. وتخرج من هذه الجامعة عشرات من الطلبة الأجانب من غير المسلمين وعلى رأسهم الراهب " جربرت " الذي صار فيما بعد البابا " سلفستر الثاني " الذي أدخل الأعداد العربية إلى أوربا وعندما وصل إلى إيطاليا ترجم كل ما كتبه المسلمون في العلوم . وهو الذي قاد فكرة تعديل القانون الروماني بحيث يتمشى مع الشريعة الإسلامية ".
.كما ازدهرت الزراعة والصناعة والطب وكافة مناحي المعرفة في أوربا ..وانتقلت علوم المسلمين لأوربا أيضا عبر صقلية التي دانت زمنا تحت سيادة المسلمين..وكذلك عبر رجال الحروب الصليبية الذين حملوا معهم كتب ومراجع المسلمين لأوربا.
محاكم التفتيش:
وتعد محاكم التفتيش التي تعرّض لها مسلمو الأندلس بعدما أبرموا معاهدة الاستسلام في غرناطة الأسبانية العام 1492 م أبشع أنواع الإرهاب الذي مارسه نصارى الغرب ضد المسلمين فور دخول الأسبان إلى غرناطة،وقدر عدد المسلمين الذين قتلوا فيها بما يقارب نصف مليون مسلم ،بخلاف حرق المكتبات التي تحوي الكتب الدينية والعلمية والأدبية، وهدم المساجد وتحويلها لكنائس ،وإجبار مابقي من المسلمين حيا على التنصير على المذهب الكاثوليكي .وحتى علماء النصارى في أوربا الذين خالفوا الكنيسة، لم يسلموا من مذابح التفتيش،كما يقول "وول سميث"،في كتابه "تاريخ أوربا في العصور الوسطى" frown emoticon وكان من بينهم العالم الطبيعي المعروف "برونو"الذي نقمت عليه الكنيسة نتيجة آرائه المتشددة التي منها قوله بتعدد العوالم .وكذلك الأمر فيما يتعلق بالعالم الطبيعي الشهير "جاليليو" الذي نفذ به القتل, لأنه كان يعتقد بدوران الأرض حول الشمس..!)
وامتدت جرائم الحملات الكاثوليكية لتجتاح عدة بلاد أوربية تخالف الكنيسة الكاثوليكية.فقد شهدت إنجلترا في عهد الملكين "هنري الرابع، وهنري الخامس" (1399- 1422م )موجة من الإعدامات للمخالفين للكنيسة الكاثوليكية بطريقةٍ بشعة، حيث يتم الإعدام بواسطة الإجلاس على الخازوق! وفي هولندا بلغ تِعداد الضحايا في عهد الملك "تشارلز الخامس" (1337-1380م )100.000 ضحية.وفي عهد ابنه وولي عهده بلغ عدد الضحايا 50.000 إنسان.وفي فرنسا خلال عهد الملك "تشارلز التاسع" (1550-1574)م، ذبح الكاثوليك أكثر من 20.000 من البروتستانت.وتشير الإحصاءات بحسب المؤرخ الغربي( فولتير ) : بأن عدد القتلى في تاريخ الحروب الدينية البروتستانتية/ الكاثوليكية حسب مؤرخيهم 10 مليون (40 % من سكان أوربا(.
محطة أخيرة:
وأما فقر العرب والمسلمين واضطهادهم في بلدانهم والذي دفعهم للهجرات الشرعية وغير الشرعية لمختلف أرجاء أوربا فجاء نتيجة استنزاف الغرب لموارد بلادهم خلال احتلاله لها،والذي نهب مواردها وقتل شبابها واستخدمهم في حربيه العالميتين التي لاناقة له فيها ولاجمل..ونتيجة توطين الغرب للصهاينة في فلسطين ودعمهم بالمال والتكنولوجيا والسلاح المتطور والذي يقتلون به أطفال ونساء وشيوخ فلسطين، ويمارسون أبشع أنواع الإرهاب الممنهج تحت ظل حماية غربية .. ونتيجة تشجيع ساسة الغرب في أوربا وأميركا للأنظمة المستبدة –بعد تحرر البلدان العربية من قبضتهم "شكليا" فقط - والتي زادت هذه الشعوب فقرا على فقرها..وتحدي هؤلاء الساسة الغربيين لشعوب هذه البلاد التي تحاول النهوض واختيار حكامها بطريقة ديموقراطية،ولكن بلا جدوى ،نتيجة دعم ساسة الغرب لهذه الأنظمة المستبدة والتي تنقلب على اختيارات الشعوب.
وما لاتعلمه السيدة (أنجيلا ميركل) أن النجاشي ملك الحبشة النصراني الذي استقبل المهاجرين المسلمين بعد البعثة النبوية ،وأحسن ضيافتهم،كان عادلا ومؤمنا وصاحب فطرة سليمة، لذلك اعتنق الإسلام، وصلى عليه النبي-صلى الله عليه وسلم –وصحابته صلاة الغائب ..ولتعلم السيدة (ميركل) جيدا أنه سيأتي اليوم الذي تتخلص فيه بلاد المسلمين من الأنظمة المستبدة ومن يدعمها من الأنظمة الغربية،وساعتها ستستعيد هذه البلدان عقولها المهاجرة أولا ،ثم لاجئيها الفارين للغرب ليعيدوا بناء أوطانهم.ولتعلم السيدة "ميركل" ورفاقها في بلاد الغرب أن الدنيا دول،ومن سره زمن ساءته أزمان.
-------------------
* باحث وعضو اتحاد كتاب مصر
- Amr Abdelaziz, Moustafa Elsaied and Fatma Ahmed Zaki like this.
- Amr Abdelazizعبارة "وبكم تخلفنا" يوضّح معناها الأستاذ محمد جلال كشك -رحمه الله- في عدة صفحات من كتابه (ودخلت الخيل الأزهر)، منها قوله في صفحة 303 :Like · Reply · 42 mins
- Ibrahim Awadلكن كلام مركل صحيح بغض النظر عن بواعثه، وإلا فلماذا لم يتجهوا نحو مكة ودول الخليج، وهى قادرة على استضافتهم وملايين غيرهم؟ ويمكن الاستعانة بهم فى الأعمال والوظائف المختلفة فلا تخسر تلك الدول شيئا لهم. وبالمناسبة فالخليجيون يكعّون للغرب المليارات الهائلة دون مقابل رغم اختلاف الدين واللغة والتاريخ والثقافة ورغم كراهيته واحتقاره لدول الخليج . وانظروا ماذا قال الرجل الذى ينوى المنافسة على رئاسة أمريكا بعد أوباما كى تعرفوا حقيقة العلاقة بين الخليج وبين أمريكا. الخليجيون إخواننا فى الدين والثقافة واللغة والتاريخ والجيرة والمصاهرة، لكن الحقيقة لا بد أن تقال. وبالمناسبة نحن لسنا أحسن منهم، لكننى إنما أخصهم بالحديث لأن مركل ذكرتهم ولأنهم أغنى المسلمين فى العصر الحالى وأقدرهم على استضافة المكرهين على مغادرة بلادهم. إن المسؤولية الأولى للشخص البالغ المختار العاقل إنما تقع على كاهله هو لا على كاهل عدوه. وينبغى أن نكف تماما عن التفكير السخيف الذى يرمى عبء أخطائنا على غيرنا، وكأننا ملائكة أطهار. ترى بالله هل الغرب مسؤول عن وساخة بلادنا؟ هل الغرب مسؤول عن بلادتنا؟ هل الغرب مسؤول عن نفورنا من العلم؟ هل الغرب مسؤول عن كراهيتنا للتقدم والكرامة؟ هل الغرب مسؤول عن فساد ذمننا؟ هل الغرب مسؤول عن قساوة قلب العاملين فى مستشفياتنا؟ هل الغرب مسؤول عن قبح شوارعنا وامتلائها بالحفر والمطبات المسؤولة عما نعانيه منذ عامين فى بيتنا من مأساة كلفتنا عشرات الآف من الجنيهات مع الآلام المبرحة التى لا يتحملها بشر؟ هل الغرب مسؤول عن غياب الرصيف فى معظم الأحيان وعدم صلاحيته للسير فى حالة وجوده؟ هل الغرب مسؤول عن عرى أسلاك الكهربا فى عواميد الشوارع وضياع أغطية البلاعات وعدم وجود بلاعة واحدة فيك يا مصر بمستوى الأرض من أسوان إلى الإسكندرية، ومن السلوم إلى شرم الشيخ؟ لا شك أنه يضع فى طريقنا العراقيل. لكن بالله عليكم هل خلت الحياة يوما من العراقيل؟ ثم لماذا لم يتحجج المسلمون الأوائل بعداوة المشركين وأهل الكتاب لهم فيكفوا عن محاولة الانعتاق من الضعف والهوان مكتفين باللطم والعويل والصراخ كما نصنع نحن الآن؟ يا خلق هوه، الكرة الآن فى ملعبنا: فإما لعبنا كما يلعب الرجال فنحرز الأهداف فى مرى الخصم ونفوز بالمباراة، وإما انكسحنا من الملعب ولم نُرِ خلق الله وجوهنا الكئيبة النكدة. إن يوما أسود من قرن الخروب وأزفت من القطران ينتظرنا حين نقف امام الله يوم الحساب. نعم، الغرب ابن ستة وستين كلبا، فلنكن نحن بشرا طيبين لا أبناء ستة وستين كلبا مثله. ترى ما الذى يمنعنا؟ صدق الله العظيم، الذى يقول عنا وعن أمثالنا: "وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسَهم يظلمون".Like · Reply · Just now · Edited