Dr. Maher Elsawaf

الطريق إلي التقدم والتنمية يقوم علي العلم والمعرفة وحرية التعبير

تراجع الجنيه المصري وخيارات الحكومة  للإصلاح الإقتصادي  

 

 

 

 

تفيد خبرات عدد كبير من دول العالم بأن تراجع قيمة العملة المحلية لا يؤدي فقط إلى التضخم وارتفاع الأٍسعار بشكل يضعف القوة الشرائية لأصحاب الدخل المحدود ويوسع دائر الفقر. فهذا التراجع له أيضاً وجه إيجابي يتمثل في تحفيز زيادة الصادرات التي تصبح رخيصة للمستورد الأجنبي، وهو الأمر الذي يشكل مصدر دخل إضافي للعملة الصعبة بشكل يساعد على عودة الاستقرار للعملة الوطنية مجددا.

 

غير أن تراجع سعر الجنيه المصري لا ينطبق على الخبرات المذكورة، لأن مصر ليست لديها قدرات تصديرية إضافية ملموسة في المدى المنظور. ويعود السبب في ذلك إلى السياسات الاقتصادية المصرية المتبعة منذ أكثر من ثلاثة عقود، فقد قامت هذه السياسات في عهدي الرئيسين السابقين أنور السادات وحسني مبارك على مبدأ ما يسمى "إحلال الواردات" بشكل أدى إلى اختفاء المنتج المصري أو اعتماده على المدخلات المستوردة.

 

ولعل أبرز الأمثلة على ذلك أن مصر، التي كانت بشكل أساسي تأكل من أرضها وتلبس من قطنها في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، أصبحت أحد أكبر مستوردي الأغذية على مستوى الشرق الأوسط. وكمثال على خطورة الأمر، شكلت المواد الغذائية لوحدها 17 في المائة من واردات البلاد البالغة أكثر من 71 مليار دولار في عام 2014، حسب نشرة الاستثمارات والتجارة الخارجية الألمانية (GTAI). أما الصادرات في ذلك العام فلم تزد قيمتها على 27 مليار دولار. الجدير ذكره أن مصر تعاني من عجز تجاري مزمن ازدادت حدته خلال السنوات الثلاث الماضية. كما أن حجم الدين الخارجي تخطى 44 مليار دولار خلال العام الماضي 2015 حسب النشرة المذكورة.

 

في محاولة منها لوقف تدهور الجنيه والوفاء بالتزاماتها المالية وإعطاء "جرعة أكسجين لاقتصادها المتردي"، اتفقت الحكومة المصرية أواخر يوليو 2016 مع صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 12 مليار دولار مقابل التزام الحكومة المذكورة باستكمال إصلاح منظومة دعم مصادر الطاقة وفرض ضريبة للقيمة المضافة وبيع شركات مملوكة للدولة في البورصة لزيادة إيرادات الخزينة.

 

وبغض النظر عن مدى النجاح في التطبيق، فإن القرض قد يسعف الجنيه لبعض الوقت، غير أنه لن يستطيع بمفرده إيقاف تراجعه إلى مستويات متدنية جديدة. ويعود السبب في ذلك إلى أن مصر بحاجة إلى أضعاف قيمته للوفاء بالتزاماتها المالية خلال السنوات الخمس القادمة. كما أن مصادر التمويل الحالية من سياحة واستثمارات أجنبية ودعم خليجي وغيرها لا تتجه إلى التحسن على ضوء الأزمات التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط والركود الذي يعاني منه الاقتصاد العالمي. ومن هنا فإن إيجاد بدائل محلية لهذه المصادر أضحى من باب الضرورة.

 

الإصلاحات المطلوبة مؤلمة

وهكذا، فإن البدائل المتاحة لضمان استقرار العملة المصرية مرتبطة باعتماد إصلاحات شاملة تؤدي إلى إعادة هيكلة الاقتصاد المصري واعتماده بشكل أساسي على قدراته الذاتية بدلاً من العوامل الخارجية. وقد وصف الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه هذه الإصلاحات بأنها قاسية ومؤلمة، إذ قال في كلمة أثناء افتتاح مصنع للبتروكيماويات في الإسكندرية في النصف الأول من أغسطس/ آب الجاري إنه لن يتردد في اتخاذ كل القرارات الصعبة التي تردد كثيرون على مدى سنوات طويلة في اتخاذها. ويقصد السيسي بذلك على وجه الخصوص الإصلاحات التي تجنبها الرئيسان السادات ومبارك خشية اندلاع احتجاجات شعبية.

 

وفي هذا الإطار، أشار السيسي إلى ضرورة تقليص العمالة الزائدة في الإدارات الحكومية والشركات التي تملكها الدولة، مضيفاً: "عندما أقوم بتعيين 900 ألف شخص في القطاع العام لأن هناك ضغوطاً من الناس من أجل التوظيف في حين أنني لا أحتاج منهم أحد ، ماذا سيكون تأثير ذلك؟" وتابع بالقول إن دفع رواتب هؤلاء يؤدي إلى زيادة الدين العام الداخلي للحكومة الذي يتجاوز بقليل 100 في المائة من إجمالي الناتج القومي. كما قال: "إننا نقترض ونقترض ونقترض وكلما اقترضنا أكبر كلما زاد الدين".

 

Dr.maher elsawaf الأستاذ الدكتور محمد ماهر الصواف

drelsawaf
نشرالثقافة الإدارية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية »

عدد زيارات الموقع

331,265

ابحث