ميكافيلي وإلغاء قانون الإيجارات القديم
د. محمد ماهر الصواف
تعددت تصريحات السادة أعضاء المجلس النيابي حول قانون الإيجارت القديم معلنين عن رفضهم لفكرة إلغاء القانون ، فقد صرح النائب عاطف عبد الجواد أمين سر لجنة الإسكان بمجلس النواب، إن فكرة إلغاء قانون الإيجار القديم مستحيلة، وكشف البرلماني محمد الحصي عضو لجنة الاسكان أن مشروع القانون الجديد سيكون أكثر تحيزا للمستأجر ومحدودي الدخل علي ألا يضر بمصلحة المالك . ويرجع سيادته هذا التحيز للمستأجر الي الإعتقاد بأن هناك شريحة واسعة من مستأجري العقارات القديمة من فئة محدودي الدخل.
ومن جانب آخر يصرح النائب إيهاب منصور بسطاوى عضو لجنة الإسكان والمرافق العامة بالبرلمان، انه لا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد المستأجرين من محدودي الدخل ويقول "لكن ماينفعش برضه ناخد قرارات بدون دراسة مستفيضة وإحصائيات دقيقة عشان نبنى على أساسها القرارات" .
وتوضح هذه التصريحات أنه لا يوجد بيانات دقيقة حول أعداد محدودي الدخل المستفيدين من هذا القانون ، وان التخوف من إلغاءه قد يكون إستنادا علي ما تردد في جلسات مجلس الشعب في عصر مبارك من أنه يستحيل إلغاء هذا القانون خوفا من إثارة غضب محدودي الدخل أي أن قرار عدم الإلغاء كان إعمالا لمقولة ميكافيلي "الغاية تبرر الوسيلة"
فيري هذا المفكر الإيطالي أن منطق رجل الدين والأخلاق يختلف عن منطق رجل الدولة أو السياسة فى النظر إلى الأمور عندما يتعلق الأمر باتخاذ مواقف تتعارض فيها الاعتبارات الأخلاقية والدينية مع الاعتبارات السياسية ، وأنه أحيانا يتخذ رجل السياسية قرارا يخالف أحكام الدين وقيم العدل والمساواه إذا كان في ذلك تهدئة لغضب شعبي أو سعيا لإرضاء أعداد كبيرة من المواطنين. وللأسف كان هذا المسلك السياسي متبعا أيضا في عصر جمال عبد الناصر عندما صدر قانون الإيجارات القديمة.والذي صدر لتحقيق أغراض سياسية تتعارض مع الحق والمنطق بل وتتعارض مع احكام الشريعة الإسلامية وتعد تنفيذا لفكر إشتراكي ثبت فشلة في كافة الدول .
إلا أنه من الغريب رغم تبني الدولة الفكر الرأسمالي منذ اكثر من 40 عاما تم تجاهل ما سببه هذا القانون من مشكلات وصراعات ونقص واضح في أعداد الشقق المعروضة للإيجار وظهور العشوائيات والتحول لنظام التمليك الذي اضر بمحدودي الدخل ، وخصوصاً سكان المدن، الكبرى القاهرة والجيزة والإسكندرية . وذلك رغم ما أجمع عليه علماء الدين من أن قانون الإيجارات القديم مخالف للشريعة الإسلامية وأوضح ذلك الدكتور نصر فريد واصل, مفتي الجمهورية الأسبق, وممثل الأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية في جلسات الاستماع لمناقشات القانون بمجلس الشعب,.
ونعتقد ان هذا التجاهل كان لعدة اسباب منها:
<!-- استفادة عديد من أعضاء مجلس الشعب ورئيس المجلس نفسه وكثير من الساسه اعضاء الحزب الوطني واصحاب النفوذ من أطباء واصحاب المهن الحرة من هذا القانون فهم من المستأجرين المستفدين من القانون الاشتراكي رغم انهم ليسوا من محدودي الدخل
<!--الخوف من إفتقاد أصوات المستأجريين في الإنتخابات
<!--سعي الحزب الوطني للحصول علي مكاسب سياسية لتمرير نظام التوريث
والترويج ان أسرة مبارك هي الحامية لمحدودي الدخل ،
<!--علاوه علي الفساد الإداري واستفادة بعض رجال الأعمال من نظام التمليك والحصول علي مساحات شاسعة من المساحات لبناء مساكن للتمليك.
وهكذا لا يمكن التسليم ان تجاهل المشرع كان بسبب حساسية هذا القانون وحماية لمحدودي الدخل ،إذ ان المشرع نفسة هو من قضي بإلغاء القواعد الإشتراكية المتعلقة بإيجار الأراضي الزراعية رغم أن كافة المستأجرين لها هم من محدودي الدخل.ووضع أيضا قانون رقم 4 لسنه 1996 الذي حرر العلاقة الإيجارية والذي أدي الي تعامل المواطنين من الملاك بمكيالين فبعض الملاك يخضعون لقانون رقم 4 لسنه 1996 والبعض الأخر يلتزمون بالقانون القديم وذلك من شأنه إفتقاد الثقة في حرص المشرع علي إعلاء مبادئ العدالة والمساواة بين المواطنيين.
والآن وبعد ثورة 30 يونيو نعتقد أنه قد اصبح من الضروري ان يتم إلغاء هذا القانون وأن تتحمل الدولة مسئوليتها تجاه محدودي الدخل بدلا من التهرب من ذلك وتحمليها للملاك ، لما في ذلك فوائد إجتماعية وإقتصادية متعددة منها:
<!-- تشجيع المستثمرين لزيادة المعروض من اماكن السكن والمحلات والمباني الصالحة للإقامة المشروعات الصغيرة بنظام الإيجار بدلا من التمليك.
<!--استقرار السوق وتأكيد حرص الدولة علي عدم التدخل في الأنشطة الاقتصادية والانتاجية بقوانين اشتراكية بعد اليوم مما يساعد علي تحفيز الإستثمار المحلي والأجنبي
<!--الحفاظ علي الثروة العقارية وفقا لتصرح النائب عمر الغنيمى بأن هناك بيوت قديمة متهالكة للغاية، ومهددة بالانهيار
<!--وأخيرا الأستفادة من الشقق المغلقة وارتفاع حصيلة الضرائب العقارية
وتاسيسا علي ما سبق نأمل من المشرع ان يوافق علي إلغاء القانون وبحق يري السيد النائب علاء والى رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب، انه يجب علي الدولة في حالة إلغاء قانون الإيجار القديم". ان تكون مستعدة لتعويض المتضررين من إلغاء" وقد سبق لنا عرض تجربة المانيا الإتحادية في ما يتعلق بالتعامل مع مشكلات السكن لمحدودي الدخل (راجع المقال السابق بالموقع التالي) :
http://kenanaonline.com/users/drelsawaf/posts
هذا ونؤيد ما سبق إقتراحة بإنشاء صندوق لدعم المستأجرين المتضررين من الإلغاء يمول من :
<!--حصة من المنفعة التي تعود علي الملاك وبما يتفق مع حجم ممتلكاتهم المستأجرة والتي سيتم تحريرها
<!-- حصة من حصيلة الزيادة في الضرائب العقارية الناتجة من عودة المساكن لملاكها
<!-- ومساهمات رجال الأعمال ممن حققوا مبالغ طائلة من نظام التمليك.
<!--علاوة علي مساهمة وزارة التضامن الإجتماعي
ونختم حديثنا بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( القضاة ثلاثة: قاضيان فى النار وقاضى فى الجنة: رجل علم الحق وقضى به فهو فى الجنة , ورجل قضى للناس على جهل فهو فى النار , ورجل علم الحق فقضى بغيره فهو فى النار )