حادثة المنيا والخروج على النظام العام والقانون
د. محمد ماهر الصواف
شاهدنا فى الأيام الأخيرة الماضية عددا من الأفعال الانتقامية التى يمارسها بعض الشباب المتطرف وأخرها حادث المنيا ، فقد قام العشرات من ابناء المنيا بالإلتفاف حول سيدة تبلغ من العمر السبعين عاماً وجردوها من ملابسها وأصبحت عارية تماماً، وجذبوها إلى الشارع بأسلوب غير إنسانى وعدوانى . ولا شك أن هذا السلوك أساء لمصر ولشعبها، بل وللإسلام الذى حاول المتهمون صبغ جريمتهم الهمجية به وبالدفاع عنه, وهذه الأفعال تعد خرقا للنظام العام، وخروجا علي الدستور والقانون. فقد نص الدستور المصرى 2014 على ان الكرامة حق لكل إنسان، يكفل المجتمع والدولة احترامها وحمايتها ولا يجوز بحال من الأحوال إهانة أى انسان أو ازدراؤه. وأورد الدستور أيضا انه يجب معاملة الإنسان ، حتى ولو كان متهما بإرتكاب جريمة ما، بما يحفظ كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا ايذاؤه بدنياً أو معنوياً، وأن مخالفة شئ من ذلك جريمة يعاقب عليها مرتكبيها، وفقا للقانون.
فمثل هذه الأعمال ترسخ لدى الشعوب الأخرى المفاهيم الخاطئة السائدة عن الاسلام ودعمه للعنف وعدم احترام القوانين والدساتير الوضعية والمبادئ المستقرة عالمياً والمتعلقة بالعدالة والمحافظة على الحريات والحقوق الانسانية.
ولا شك أن الفكر الدينى المتطرف قد ساهم فى عدم إحترام الدستور والقانون وإندفاعهم لإرتكاب مثل هذه الجريمة البشعة والتى تعد بكل المقايس كارثة من أسوأ الكوارث.
فعلى سبيل المثال .. يرى الشيخ ابن عثيمين أن " تشريع الأحكام الوضعية المخالفة لحكم الله ورسوله فى الدماء والأعراض والأموال، كفر وأكبر مخرج عن ملة الإسلام ، وأضاف أنه لا خلاف فى ذلك بين علماء الإسلام ، فإن هذا التشريع منازعة لله تعالى في حكمه، ومضادة له فى شرعه ، ويستند في ذلك قوله تعالى :(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (المائدة: 44) كما يرى الأستاذ عبدالقادرعودة أن "القوانين تستخدم لتوجيه الشعوب وجهات معينة، كما تستخدمه الحكومات لتنفيذ أغراض معينة، أما الشريعة الإسلامية فقد علمنا أنها ليست من صنع الجماعة، وإنما هى من صنع الله الذى أتقن كل شىء خلقه".
ونعتقد أن الأمر يحتاج إلى تدخل الأزهر الشريف لمناقشة هذه الآراء وتوضيح جوهر الدين الإسلامى، ومدى الإتفاق بين الأحكام الواردة بالدستور والقانون وبين ما تقضى به الشريعة السمحاء من عدل ورحمة وحماية كرامة الإنسان وحقوقه.
نأمل مزيداً من التوعية وإعادة الثقة فى سلطات الدولة لتقوم بدورها فى إعمال الدستور والقانون .