Dr. Maher Elsawaf

الطريق إلي التقدم والتنمية يقوم علي العلم والمعرفة وحرية التعبير

 

 


أزمة كورونا وأهمية الحوكمة المحلية

 

د. سمير محمد عبد الوهاب


أستاذ الإدارة العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة

 

يواجه العالم فى الوقت الراهن أزمة لم يشهد لها مثيلا من قبل، حيث إنها تمثل حربا عالمية أحد طرفيها كل دول العالم تقريبا، والطرف الثانى هو فيروس كورونا وهو طرف مجهول لا يعلم أحد حتى الآن حقيقته، وما ستؤول إليه تداعياته الصحية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية على المستويات المحلية والدولية.
ومما لاشك فيه أن هذه الأزمة قد كشفت عن أهمية دور الإدارة بصفة عامة، والإدارة المحلية بصفة خاصة، حيث يتواجد الموظفون المحليون وعلى رأسهم الأطباء في الخطوط الأمامية في المعركة مع المرض فى ظل النقص في المعدات الأساسية وتزايد المخاوف بين السكان. ويتضح ذلك من أن الدول الأكثر نجاحا فى مواجهة الأزمة حتى الآن هى تلك الدول التى استطاعت المدن فيها اتخاذ الإجراءات والتدابير الضرورية والصارمة منذ اللحظة الأولى لاندلاع الأزمة، وفرض عقوبات صارمة ضد المخالفين لها، بالإضافة إلى التواصل السياسى المباشر مع المواطنين، لتهدئة مخاوفهم، ووضع خارطة طريق للخروج من الأزمة، فضلا عن محاولة علاج آثارها النفسية، وحماية كبار السن وتوفير احتياجاتها، والتصدى لقضية التلاعب بالأسعار، وإغلاق المطاعم والمقاهي والحانات والملاهي الليلية.
ولعل من أهم الأدوار التى قامت بها المدن فى العديد من الدول: وضع برامج إغاثة، وتقديم الدعم والمساعدات للفئات الضعيفة، والأسر التى تضررت ماليا، بسبب البقاء فى المنزل، وتقديم القروض الصغيرة بدون فائدة للشركات الصغيرة التي تعاني من عمليات الإغلاق الواسعة النطاق. كما قامت المدن بمسؤولية التثقيف والتواصل مع المجتمع، من خلال نشر المعلومات الصحيحة عن الصحة العامة، والحصول على معلومات من السكان حول مواقفهم وسلوكياتهم ومخاوفهم. وأغلقت العديد من المدن جميع المطاعم والبارات المخصصة لتناول الطعام، باستثناء الطلبات الخارجية وخدمة التوصيل. كما قامت بإعداد مستشفياتها لتدفق الأشخاص المصابين بالفيروس. وإلى جانب ذلك، قامت بغلق المصانع والمتاجر ووسائل النقل العام، وإلغاء التجمعات والفعاليات، وفرض إجراءات الحجر الصحى المشددة فى مواجهة من تتأكد إصابتهم بالفيروس، مع الاعتماد على توصيل الطعام إلى أبواب منازلهم، مع فرض غرامات على من يكسرون إجراءات العزل. وتم إطلاق حملة التباعد الاجتماعي لمنع الاختلاط، في محاولة لتقليص التواصل وجها لوجه مع الآخرين، الأمر الذي ساعد في إبطاء انتشار الفيروس، فضلا عن وضع المطهرات في وسائل النقل العامة، حتى يستخدمها الركاب قبل صعودهم إلى الحافلات، وإجراء فحوص على درجة حرارة الأشخاص، لكشف المصابين بالفيروس إن وجدوا. وإلى جانب ما سبق، قامت المدن بالتتبع الدقيق لمسار كل شخص التقى بأشخاص تحتمل إصابتهم بالفيروس، وإصدار أوامر لأصحاب العمل بإعطاء إجازات للموظفين المشتبه فى إصابتهم.
وأظهرت أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد (COVID 19) عالميا أهمية دور التكنولوجيا فى إدارة الأزمات، بتطبيق سياسة العمل من المنزل والتعليم عن بعد، والحصول على الخدمات الحكومية والمالية، من خلال الإنترنت. وقامت العديد من المجالس المحلية بعقد اجتماعاتها إلكترونيًا.


ولتخفيف التداعيات النفسية المرتبطة بالأزمة، قامت المدن بإلزام المدرسين بالتواصل مع الطلاب بصورة دورية، خاصة الذين خضعوا للعزل، وبتقديم المشورة النفسية المجانية بصورة مباشرة أو من خلال الانترنت، للمساعدة فى تقليل حدة التوتر والخوف المرتبطة بإجراءات الحجر الصحى، أو شعور الهلع الذى انتاب بعض الأفراد، خشية الإصابة بالمرض.
وبالتوازى مع ذلك، ولمنع احتمالات ظهور «سوق سوداء»، قامت الوحدات المحلية بتوفير المواد الغذائية، والأدوات الطبية الأساسية، ووضع قيود على تداول مواد مثل الأرز والحبوب والأدوية وغيرها.
وفى مصر، اتخذت المحافظات الإجراءات الاحترازية، فيما يخص الوقاية ومكافحة الفيروسات بصفة عامة، من خلال التنسيق المستمر مع مديريات الشئون الصحية والمتابعة الدورية، والاستفادة من الرائدات الريفيات لتوعية المواطنين لمجابهة الفيروس، ومرور المحافظين على الأماكن الشعبية والأسواق المزدحمة والمستشفيات واتخاذ أعلى درجات الوقاية باستخدام الإمكانيات المتاحة، ونشر الوعى الثقافى بخطورة المرض وأسلوب الوقاية منه، باستخدام الإعلام المرئى والمكتوب والمسموع وعلى صفحات التواصل الإجتماعى. كما تم التأكيد على ضرورة المتابعة الدورية للتجهيزات الخاصة بالمستشفيات التى تم تحديدها فى كل محافظة فى حال الضرورة .
ولما كانت الأزمة قد أكدت أهمية الإدارة المحلية فى مواجهة الأزمة فى كثير من الدول، فإن ذلك يؤكد أهمية العمل على تمكينها من القيام بأدوارها المختلفة، بما فى ذلك أوقات الأزمات. فإذا كانت الأزمة قد أكدت أهمية تكنولوجيا المعلومات في التعلم وإنجاز الأعمال عن بعد أو من المنزل، وإذا كان معظم العاملين فى الإدارة المحلية فى مصر يفتقرون إلى إمكانية استخدام ذلك، فإن ذلك يستوجب تطوير نظم عملها وبنيتها الأساسية، بحيث يتم تدريب العاملين فى الوحدات المحلية، وكذلك أعضاء المجالس المحلية - بعد تشكيلها - على كيفية الاستفادة من التكنولوجيا، بما يمكنهم من العمل عن بعد أو من المنزل، فضلا عن إمكانية عقد اجتماعات المجالس المحلية إليكترونيا فى حالة الضرورة.
ولما كانت الوحدات الصحية والمستشفيات الريفية من أهم المؤسسات العلاجية التى من المفترض أنها تخدم الملايين من أهالي القرى والنجوع، فإن ما تعانيه من نقص وترد في الخدمات الصحية‏، وعدم تجهيزها، وعدم وجود الأطباء الأكفاء، والأدوية الكافية وسيارات الإسعاف، يستلزم من الدولة والمحافظات أن تعطى الاهتمام الكافى لهذه المستشفيات والوحدات الصحية، بحيث تقوم بدورها الأساسى فى مجال الطب الوقائي والرعاية الصحية الأولية.
وبما أن الشفافية عنصر ضرورى فى مواجهة الأزمات بصفة خاصة، فإن هذا يفرض على الوحدات المحلية توفير المعلومات الواضحة والدقيقة والموثوقة للمواطنين، وألا يكون التركيز على نشر الأخبار الإيجابية فقط عن شفاء بعض الحالات، وعن نجاح جهود الحكومة فى احتواء الفيروس، ولكن أيضا نشر الأخبار عن الأفراد الذين يتعرضون للعقاب، جراء اختراقهم للإجراءات المفروضة.
ولما كان الضمان الاجتماعي وتوفير دخل مستمر ومستقر للأسر ليغطي الاحتياجات الأساسية ونظم التأمين والتكافل والتأمين الصحي الشامل ركائز مهمة لمدى إقبال الناس على العمل الخاص والحر مستقبلاً بعد معاناتهم الراهنة، فإن ذلك يستلزم العمل على ضم العمالة غير المنتظمة في شبكات الضمان الاجتماعي.
وإذا كان من الصعب على الحكومة والمحافظات أن تقوم وحدها بمواجهة مثل هذه الأزمات، فإن ذلك يفرض عليها التعرف على منظمات المجتمع المدنى والقطاع الخاص الموجودة فيها والعمل على تكوين شبكة تضم جميع الأطراف، للاستفادة منها وإشراكها، وجعل أصحاب العمل والموظفين والمواطنين يتبعون الممارسات الصحية اليومية لمنع الانتشار، وذلك فى إطار التحديد الدقيق والواضح لأدوار كل طرف من هذه الأطراف، مع أهمية التنسيق مع الحكومة المركزية.
ومما لاشك فيه أن الأزمة الراهنة قد أكدت أهمية الإدارة المحلية وضرورة تضافر جهودها مع جهود الحكومة المركزية ومنظمات المجتمع المدنى والقطاع الخاص، للتصدى لمثل هذه الأزمات. وقد آن الأوان لتمكين الوحدات المحلية من القيام بدورها فى عملية التنمية وتقديم الخدمات للمواطنين بصفة عامة وفى التصدى للأزمات والكوارث بصفة خاصة. ولن يكون ذلك، إلا من خلال صياغة قانون جديد للإدارة المحلية يعيد تشكيل مجالس محلية تمثل المواطنين وقادرة على القيام بأدوارها.

 

Dr.maher elsawaf الأستاذ الدكتور محمد ماهر الصواف

drelsawaf
نشرالثقافة الإدارية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية »

عدد زيارات الموقع

276,042

ابحث