Dr. Maher Elsawaf

الطريق إلي التقدم والتنمية يقوم علي العلم والمعرفة وحرية التعبير

 

 

مفهوم اللامركزية في القطاع الحكومي والخاص 

أ.د. ماهر الصواف

رغم ان اللامركزية مصطلح قديم إلا انه لا يوجد تعريف أو مفهوم مشترك لها بين الكتاب، ويرجع التباين إلي اختلاف طرق الاستخدام والتطبيق. فهو يستخدم في مجالات إدارة الشركات والمؤسسات الخاصة علي انه يعني عدم تركيز سلطة اتخاذ القرارات في الإدارة العليا للشركة حيث يجب عليها منح المستويات التنفيذية والفروع الإقليمية بها بعض الاستقلالية في اتخاذ القرارات من خلال آلية التفويض وذلك لضمان السرعة في حلّ المشكلات ، واتِّخاذ القرارات.. أيضا حتي يمكن للإدارة العليا التفرغ للتخطيط المستقبلي للشركة وعدم انشغالهم بالقرارات الفرعيّة، ومن هنا ينظر البعض للامركزية باعتبارها تعني تفويض السلطة للمستويات التنظيمية الأدنى .

وعند تطبيق اللامركزية على الوظائف الحكومية اتجهت الدول إلى عدم الاكتفاء بآلية تفويض بعض مهام الحكومة المركزية إلى فروعها بالأقاليم ، وإنما إتسع المفهوم ليشمل ايضا إنشاء هيئات عامة مستقلة تتمتع بالشخصية الإعتبارية ينقل إليها بعض مهام واختصاصات الوزارات المركزية ، أي انه يتم استخدام آلية النقل Devolution، التي تعني هنا إعادة توزيع السلطات والمسئوليات بين السلطات المركزية وبين الوحدات التنظيمية المستقلة الجديدة بشكل قانونى بحيث تصبح ما ينقل إليها من مهام اختصاصات أصيلة قانونية لا يجوز للسلطة المركزية انتزاعها منها .

وقد وجد غالبية اساتذة الإدارة العامة والقانون الإداري أن من المفضل ان يطلق علي النوع الأول من اللامركزية والذي يقتصر علي تفويض السلطة للفروع الإقليمية اسم (عدم التركيز الإداري أو اللاوزارية Deconcentration) لتميز بينها وبين اللامركزية(Decentralization) التي تعتمد علي نقل السلطة لوحدات مستقلة وتتمتع بالشخصية الإعتبارية.

. هذا وقد تم تقسيم هذا النوع الأخير والمطبق في المجال الحكومي إلي عدة انواع أهمها:

اللامركزية الإدارية المرفقية : وتعني إنشاء هيئات عامة مستقلة تنقل إليها بموجب قانون او قرارات جمهورية ببعض الاختصاصات الفنية مثل هيئة الطاقة الذرية ، هيئة الطاقة المتجددة ، هيئة قناة السويس ....ويشكل مجالس للإدارة لهذه الهيئات ويعين أعضائها من السلطة المركزية.

واللامركزية الإدارية الاقليمية : وتعني نقل مجموعة من الاختصاصات المتعلقة بإدارة الخدمات العامة لوحدات محلية لممارستها في نطاق جغرافي محدد وتتمع بالشخصية الاعتبارية المستقلة وقد اتجهت غالبية الدول علي تشكيل مجالس منتخبة من المقيمين بنطاقها الجغرافي للمشاركة في الإدارة ما نقل إليها من إختصاصات ، لزيادة الفرص المتاحة للمواطنين للاهتمام بالشؤون العامة ؛ مما يجعلها تعتاد علي استخدام الحرية . ويلاحظ ان هذا النوع من اللامركزية يساعد علي تعميق الديمقراطية وينمي المسئولية الاجتماعية ويخفف من أعباء الحكومة المركزية .

وتميل الغالبية من الدساتير إطلاق مصطلح الإدارة المحلية علي هذا النوع من اللامركزية . ويمكن القول ان التطبيق هنا ليس لها قيمة إدارية فقط ، بل لها بعدا اجتماعيا وسياسيا . ويلاحظ ان عملية نقل الإختصاصات في هذا النوع من اللامركزية قد تتسع او تضيق تبعا لظروف كل دولة وتميل الدول الغربية إلي التوسع في نقل إختصاصات تدريجيا سواء من الجوانب المالية والإدارية ، وأحيانا قد ينقل إليها الحق في صنع عدد من اللوائح القانونية مثل لوائح البلدية  ( لوائح الضبط الإداري، واللوائح التنظيمية) ، والحق في فرض الضرائب والرسوم المحلية. حتي انه يمكن القول ان هذا النوع تحول في العديد من الدول الغربية علي سبيل المثال في المملكة المتحدة، وألمانيا الآتحادية ، وفرنسا إلي نظم شبه فيدرالية.

وقد تملك هذه الوحدات الاقليمية بالإضافة إلي السلطات التنظيمية والإدارية واللائحية سلطات تتعلق بالتوظيف المحلي وإدارة مواردها البشرية بإستقلال. ومن هنا إختلفت الآراء في تسمية هذا النظام فقد يميل البعض إلي إطلاق مصطلح إدارة محلية ، في حين يميل البعض الآخر إلى إطلاق مصطلح حكم محلي عليها .

وعلي أية حال تخضع هذه الوحدات الإدارية الإقليمية لنوع من الوصائة الإدارية من السلطات المركزية بما يضمن الالتزام بالسياسيات العامة للدولة.

وبالنسبة للنوع الثالث وهواللامركزية السياسية لا يتم نقل عدد من الإختصاصات التنفيذية الإدارية فقط لوحدات إقليمية مستقلة، إنما قد يتم نقل عدد أخر من الاختصاصات التشريعية وأحيانا قضائية بموجب الدستور، أي انه يتم نقل بعض من إختصاصات من الهيئات الثلاثة الحاكمة للوحدات المستقلة الاقليمية، ويختلف الأمر في ذلك من دولة إلي أخري فقد تتوسع أو تضيق الإختصاصات التي يتم نقلها، ويلاحظ انه في ظل نظام اللامركزية السياسية يملك المجلس المحلي المنتخب بعض السلطات التشريعية، وعلي أية حال يميل اساتذة الفقه الإداري إلي تسمية هذا النوع من اللامركزية بالنظام الفيدرالي.

ويجب الإشارة أخيرا إلي انه بصدور كتاب ديفيد اوزبورن وتيد غايبلر في 1996 أعاده اختراع الحكومة وإنتشار مصطلح "الاداره العامة الجديدة" توسع مفهوم اللامركزية في الجهاز الحكومي وتضمن عمليات تكليف القطاع الخاص بأداء بعض الخدمات العامة أو إدارة إحدي المؤسسات العامة من خلال عقود الامتياز بأشكاله المختلفة. أي ان عملية التعاقد مع الشركات الخاصة او إحدي منظمات المجتمع المدني للقيام بدلا من الجهاز الحكومي وتحت إشرافه بتقديم خدمات عامة يعد شكلا جديدا للامركزية فرضته المتغيرات العالمية ويتفق مع تغير دور الدولة.

ونأمل ان تتجه مصر إلي تقوية الوحدات المحلية ومنحها مذيد من الاختصاصات والمهام ومزيد من السلطات المالية وتقوي من سلطات المجالس المنتخبة للتمكن من المتابعة والرقابة علي أعمال التنفيذيين والحد من الفساد وسنوضح ذلك تفصيليا في مقال أخر بإذن الله 

Dr.maher elsawaf الأستاذ الدكتور محمد ماهر الصواف

drelsawaf
نشرالثقافة الإدارية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية »

عدد زيارات الموقع

278,663

ابحث