بقلم د.علاء بسيوني
يمكن التعرف على نمط وتوزيع الملكية في النظم الاقتصادية من خلال النقاط التالية:
<!--الملكية في النظام الرأسمالي:
يؤمن الفكر الاقتصادي الرأسمالي بالحرية الاقتصادية والتي تشمل حرية التملك والعمل والإنتاج، والاستهلاك،(<!--) وهذا ما دفعه إلى اعتماد مبدأ الملكية الخاصة للموارد الاقتصادية بشكل غير محدود، وجعلِها القاعدة العامة له، والتي لا يتم الخروج عليها إلا في ظروف استثنائية تقتضي خروج بعض الموارد الاقتصادية من إطار الملكية الخاصة ووضعها تحت سيطرة الدولة فيما يعرف بالملكية العامة.(<!--)
كما يؤمن الفكر الاقتصادي الرأسمالي أن نشر نطاق الملكية الخاصة هو الوسيلة الأنسب لتحقيق الرفاهية الاقتصادية والكفاءة في استخدام الموارد، وذلك من خلال الحافز الاقتصادي، وحرية المشروع، ودافع الربح، وجهاز السوق، وميكانيكية الأثمان، والمنافسة.(<!--) ويمكن التعرف على أهم المبررات التي يسوقها النظام الرأسمالي لتبنيه نمط الملكية الخاصة للموارد الاقتصادية، وكذلك أهم الانتقادات الموجهة إليه من خلال ما يلي:
<!--مبررات النظام الرأسمالي لتبني الملكية الخاصة:
يُنَظِرْ الفكر الرأسمالي لتبنيه الملكية الخاصة من خلال العناصر الآتية:
<!--أن اعتماد الملكية الخاصة ما هو إلا استجابة للقوانين الطبيعة والفطرة الإنسانية، حيث أن حب التملك غريزة أصيلة في الإنسان ولا يمكن التعايش بدونها، فهي الأساس المادي الذي يثبت للإنسان ذاته، ويلبي طموحاته في تأمين نفسه، والحصول على الحياة الكريمة، وتحقيق الرفاهية الاقتصادية له ولأسرته.(<!--)
<!--الملكية الخاصة ماهي إلا تطبيق لمبدأ الحرية الاقتصادية، وعدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، الذي يشمل حرية الفرد في اختيار أساليب عمله وإنتاجه واستهلاكه، ويمكن أفراد المجتمع من التنافس فيما بينهم دون قيد، مما ينعكس ايجابياً على الحركة الاقتصادية في المجتمع.(<!--)
<!--الملكية الخاصة تعد حافزاً محرضاً للفرد على العمل والإنتاج، وتنمية ممتلكاته، وتحقيق مصالحه الشخصية، وهذا ما يعمل تلقائياً على تحقيق مصالح المجتمع وتنميته، حيث أن مصلحة المجتمع ما هي إلا تجميع لمصالح أفراده.(<!--)
<!--أن التفاوت الطبقي في الثراء والملكية أمر طبيعي يتفق مع الفطرة، حيث يتفاوت الناس في مستوى الذكاء والقدرات والميول والاستعدادات، وهذا ما يدفع الفقراء منهم إلى العمل وبذل الجهد حتى يكونوا أثرياء، فهو يشحذ هممهم من أجل التفوق.(<!--)
وتجدر الإشارة إلى أن الدول التي اتبعت النظام الرأسمالي قد تفاوتت في تقدير حدود الملكية الخاصة وتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، إلا أن الملكية الخاصة ظلت هي القاعدة العامة لها، كما اختلفت هذه النسب في كثير من الأحيان طبقاً للظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، مثل؛ ظروف الحرب العالمية، وأزمة الكساد الكبير، كما تدخلت العديد من الدول الرأسمالية في النشاط الاقتصادي لعلاج بعض الاختلالات، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
كما أن هناك العديد من الدول الرأسمالية التي فطنت إلى أهمية القطاع التكافلي في الحد من قسوة النظام الرأسمالي، ومن ثم فتحت المجال أمام هذا القطاع للقيام بدور في الحياة الاقتصادية والاجتماعية من خلال مؤسسات العمل الخيري مثل؛ مؤسسة الوقف الأمريكية (American Endowment Foundation)، ومؤسسة الثقة العالمية(World Trust Foundation) .(<!--) وبذلك يمكن تقسيم أنواع الملكية في النظام الرأسمالي إلى ما يلي:
<!--ملكية خاصة: تمثل القاعدة العامة للملكية، والفلسفة الاقتصادية للنظام الرأسمالي، وتستحوذ على غالبية الموارد الاقتصادية.
<!--ملكية عامة: حيث تتدخل الدولة بشكل محدود في النشاط الاقتصادي لتحقيق بعض التوازنات الاقتصادية أو لإنتاج بعض السلع التي لا يقبل القطاع الخاص على إنتاجها.
<!--ملكية تكافلية: بدأت تتسع في اقتصادات الدول الرأسمالية للحد من قسوة النظام الرأسمالي، وتتمثل في مؤسسات العمل الخيري. هذا ويمكن تصوير توزيع الملكية في المجتمع الرأسمالي في الشكل البياني التالي:
المصدر؛ من إعداد الباحث، بناء على العرض السابق.
يتضح من الشكل؛ أن الملكية الخاصة هي القاعدة العامة للملكية في النظام الرأسمالي، ويستثني منها جزء للملكية العامة بهدف تحقيق بعض التوازنات في الاقتصاد القومي والقيام ببعض المشروعات العامة التي لا يُقْبِلْ القطاع الخاص على القيام بها. وكذلك ظهرت في العقود الأخيرة أهمية متزايدة للقطاع التكافلي في بعض الدول الرأسمالية من أجل التخفيف من أثر تطبيق النظام الرأسمالي على الطبقات الفقيرة.
<!--الانتقادات الموجهة لنمط الملكية في النظام الرأسمالي:
هناك العديد من الانتقادات التي وجهت لفلسفة النظام الرأسمالي في توزيع الملكية من أهمها:
<!--اكتفي النظام الرأسمالي بإقرار الملكية الخاصة ومبدأ الحرية دون وضع ضمانات حقيقية أو واقعية تضمن تحقيق هذه الحريات وتركها لجهود الأفراد، الأمر الذي حرم الضعفاء من التملك والعمل، نتيجة لضعف جهودهم وامكانياتهم المادية والبشرية.(<!--)
<!--أدت الحرية المطلقة للأفراد في الإنتاج والاستهلاك ودافع الربح إلى توجيه النشاط الاقتصادي إلى زيادة إنتاج السلع الكمالية والترفيهية التي تشبع احتياجات الأغنياء على حساب السلع الضرورية التي تشبع احتياجات الفقراء، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية التي يحتاج إليها الفقراء، ومن ثم تزايد وطئة الفقر على هذه الفئة. بالإضافة إلى استغلال الفئات الغنية للفئات الفقيرة سواء في الحصول على خدماتهم في العملية الإنتاجية بأجور زهيدة، أو العمل في ظروف سيئة لساعات طويلة، كما حدث في أوروبا في بداية القرن التاسع عشر الميلادي.(<!--)
<!--سيطرة النزعة المادية على الحياة الاجتماعية في العالم الرأسمالي، ووقوف الدولة موقف المتفرج تجاه الآثار السلبية لتطبيق النظام الرأسمالي على الفقراء.
<!--اضطرت الدولة تحت ضغوط المطالب الشعبية والحركات الاجتماعية إلى إجراء بعض التعديلات والمعالجات الجزئية للنظام الرأسمالي للحد من قسوة الواقع الذي نجم عن تطبيق الرأسمالية الجامدة مثل الرعاية الصحية، وإعانات البطالة .. وغيرها.(<!--)
<!-- الملكية في النظام الاشتراكي:
تقع مسئولية تحديد شكل الملكية في النظام الاشتراكي على الصراع بين طبقات المجتمع أو ما يسميه الاشتراكيون بالجدلية التاريخية، التي تُحَقِقْ من خلال تناقضاتها البناءة مظاهر وعلاقات الإنتاج التي تُحَدِدْ شكل الملكية السائد في المجتمع، والأسلوب الذي بموجبه يتم توزيع الدخل والثروة على أفراده، فالقوى المنتجة هي التي تنشئ الوضع الاقتصادي الذي تتطلبه وتفرضه على المجتمع، الأمر الذي ينشأ عنه جميع الأوضاع الاجتماعية والسياسية التي تتطابق مع الوضع الاقتصادي وتتفق معه.(<!--) وقد أقامت الاشتراكية رؤيتها تجاه الملكية على أنقاض المفاهيم الرأسمالية خلال القرن الثامن عشر الميلادي، حيث قامت بإحلال الجماعة محل الفرد، وتدخل الدولة محل الحرية المطلقة، فتحولت ملكية وسائل الإنتاج إلى الملكية العامة، التي تدار عن طريق الدولة التي تمثل الشعب، لذلك أصبحت الملكية العامة هي القاعدة العامة للنظام الاشتراكي، ويمكن تقسيم الملكية في هذا النظام على النحو التالي:
<!--ملكية الدولة: حيث تمتلك الدولة غالبية وسائل الإنتاج وصلت إلى 90% في الاتحاد السوفيتي سابقاً، والتي تقوم بإدارتها عن طريق التخطيط المركزي لكل ما يتعلق بالنشاط الاقتصادي من إنتاج وتوزيع.(<!--)
<!--الملكية التعاونية: حيث تسمح الدولة ببعض الملكيات الكبيرة للأفراد في شكل جمعيات تعاونية يشترك فيها الأفراد في الإنتاج والاستغلال واقتسام العائد بناء على مبدأ المساواة الاشتراكي، والتخطيط المركزي الإلزامي، وعادة ما يكون هؤلاء الأفراد ملزمون بتسليم منتجاتهم إلى الدولة.(<!--)
<!--ملكية خاصة: تسمح بها الدولة في أضيق الحدود، وتكون في الأموال الاستهلاكية وبعض المشاريع الحرفية والزراعية الصغيرة.
وتلجأ الدولة التي تتجه إلى النظام الاشتراكي إلى تكوين الملكية العامة من خلال؛ تأميم بعض المشروعات والملكيات الخاصة لصالح الدولة بصفتها ممثلة للشعب، أو استثمار الدولة في إنشاء المشروعات العامة.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد مجال للحديث عن الملكية التكافلية في النظام الاشتراكي، حيث أنه يعد نظاماً اجتماعياً بطبعه، كما أنه لا يمكن القول بأن الملكية التعاونية هي المناظرة للملكية التكافلية حيث يوجد اختلاف بينهما. فالملكية التعاونية وإن كانت تحتوي على شيء من التكافل إلا أنها تكون بين مجموعة محددة من الأفراد يقومون بتجميع ممتلكاتهم الفردية على سبيل المشاركة والتعاون فيما بينهم في إدارة واستثمار هذه الممتلكات على أن يتم تقسيم الربح بينهم، كما أنها ليست تراكمية. أما الملكية التكافلية فهي تراكمية عبر الزمن وتعبر عن انتقال الملكية من صورتها الخاصة إلى ملكية جماعية يتمكن من الاستفادة منها فئة معينة أو مجتمع بأثره. ويمكن تصور توزيع الملكية في النظام الاشتراكي كما في الشكل التالي:
المصدر؛ من إعداد الباحث، بناء على العرض السابق.
يتضح من الشكل؛ أن الملكية العامة هي القاعدة العامة للملكية في النظام الاشتراكي، وتعد الملكية التعاونية التي يسمح بها النظام الاشتراكي نوعاً من الملكية المشتركة لبعض الأفراد داخل المجتمع، أما الملكية الخاصة فيسمح بها النظام الاشتراكي في أضيق الحدود، وتكون في الأموال الاستهلاكية وبعض المشاريع الحرفية والزراعية الصغيرة. ويمكن التعرف على أهم المبررات التي يسوقها النظام الاشتراكي لتبنيه نمط الملكية العامة للموارد الاقتصادية، وكذلك أهم الانتقادات الموجهة إليه من خلال ما يلي:
<!-- مبررات الفكر الاشتراكي لتبني الملكية العامة:
يسوق الفكر الاشتراكي لتبنيه الملكية العامة العديد من المبررات منها:
<!--أن الملكية الخاصة هي السبب الوحيد لنشأت الطبقية والصراع بين أفراد المجتمع، لذلك فإن إلغاء الملكية الخاصة شرط أساسي لزوال الطبقية واستحالة وجودها في المجتمع الاشتراكي.(<!--)
<!--عدم التوافق بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة: يهاجم الفكر الاشتراكي نظرة الفكر الرأسمالي التي تقوم على التوافق بين المصلحة العامة والخاصة، حيث يرى أن مصلحة الجماعة ليست تجميعاً لمصالح الأفراد، وإنما هي مستقلة استقلالاً ذاتياً عنها، وقد يحدث التعارض بينهما، لذلك يجب اللجوء إلى الملكية العامة التي تنسجم مع مصلحة المجتمع، وتدار بواسطة سلطة جماعية.(<!--)
<!--تناقضات فائض القيمة والصراع بين العامل ومن يسرق منه فائض عمله: حيث يؤمن الفكر الاشتراكي بأن العامل هو الذي ينتج القيمة التبادلية كلها، إلا أن المالك (صاحب العمل) يشتري منه قوة عمله ويضطره إلى الاكتفاء بجزء منها فقط، ويسرق منه الجزء الباقي بوصفه فائضاً،(<!--) نظراً لقوة مركز المالك وحاجة العامل إليه، ولهذا ينشأ الصراع بينهما حتى يصبح تأميم الشركات والملكيات الخاصة ضرورة لا مفر منها، واحلال الملكية العامة محل الملكية الخاصة التي قسمت المجتمع إلى رأسماليين وعمال.
<!--أن المجتمع الإنساني الأول لم يعرف الملكية الخاصة: وأن كل فرد في الجماعة كان مالكاً لثروات الجماعة كما يملكها الأخرون.(<!--)
<!--الانتقادات الموجهة لنمط الملكية في النظام الاشتراكي:
يعد من أهم الانتقادات التي وجهت لفلسفة النظام الاشتراكي في توزيع الملكية ما يلي:
<!--أن الاشتراكية لا تعتبر الملكية أساساً مصدراً من مصادر الدخل، فهي لا تعترف إلا بعنصر العمل عاملاً للإنتاج باعتباره المصدر الوحيد لقيمة السلع المنتجة، أما عنصري رأس المال والأرض فإنهما نوعاً من العمل الميت من وجهة نظر الاشتراكية لأنهما ينتجان عن العمل، أما عنصر التنظيم فهو عمل بالضرورة. إلا أن عناصر الإنتاج الأربعة موجودون ضمنياً في النظام الاشتراكي فعنصر رأس المال يظهر عند تقديم الفوائد على الأموال المودعة، أما عنصر الأرض فيظهر عند تقديم جزء من الريع بصور مختلفة، وكذلك عنصر التنظيم يظهر عند حصول الجهات التي تقوم بعملية التنظيم على بعض المكافأت.(<!--)
<!--أدي تهميش الملكية الخاصة وعدم السماح بها إلا في حدود ضيقة جداً إلى ضعف الحوافز الشخصية والمبادرات الفردية، مما أدى إلى ضعف بواعث الرقي الاقتصادي، والمساس بجوهر الحياة الانسانية عن طريق تحكم السلطة الحاكمة، وتفشي التعقيدات الإدارية، وضياع الحريات الشخصية.(<!--) فعنـدما تكـون كـل الأشـياء مشـاعاً لـن يكـون هنـاك أحـد يضـرب مثـالاً للحريـة أو يقـوم بـأي عمـل حـر لأن الحريـة تتوقـف علـى الاسـتعمال الـذي يعتمـد علـى الملكية.(<!--)
<!--أدت الملكية العامة والتخطيط المركزي إلى توجه معظم الدول التي تحولت إلى الاشتراكية إلى إعطاء الأولوية للصناعات الثقيلة على حساب الصناعات الخفيفة الموجهة لإنتاج السلع الاستهلاكية، مما أدى إلى ارتفاع أسعارها على نحو لم يتحمله أعضاء المجتمع.(<!--)
<!--أدي إلغاء الملكية الخاصة وتعارضه مع الفطرة الإنسانية، وتأميم الملكيات الخاصة، وظهور طبقة من البيروقراطية الإدارية حلت محل الطبقة الرأسمالية واستحوذت على امتيازات خاصة، وسياسة التسعير إلى ظهور ما يعرف باقتصاد الظل أو السوق السوداء، واختفاء السلع الأساسية من الأسواق، بالإضافة إلى انتشار الفساد، وحدوث العديد من الاضطرابات التي أدت إلى التخلي عن بعض سياسات النظام الاشتراكي، وتحول الدول إلى نظام السوق مرة أخرى.(<!--)
<!-- الملكية في الاقتصاد الإسلامي:
يؤمن الفكر الاقتصادي الإسلامي بكل من الملكية الخاصة والعامة وفقاً لمبدأ الاستخلاف على نحو يحقق التوازن بينهما، ويضاف إلى ذلك أنواع أخرى من الملكية مثل الملكية التكافلية وملكية الدولة، ولكل نوع من هذه الأنواع مجاله الخاص الذي يعمل فيه، وهدفه الذي يسعى إلى تحقيقه، كما أن القاعدة العامة للملكية في الاقتصاد الإسلامي هي ملكية الاستخلاف التي ينبثق عنها باقي أنواع الملكية في الاقتصاد الإسلامي، ويمكن عرض أنواع الملكية في الاقتصاد الإسلامي على النحو التالي:
<!--ملكية الاستخلاف: يقوم توزيع الملكية في الاقتصاد الإسلامي على أساس مبدأ الاستخلاف والذي يعني أن الأرض والسموات بما فيها وما عليها ملك لله تعالى الذي خلق الكون وهو القادر على التصرف فيه سواء بالإيجاد والعدم، أو الإحياء والإماتة أو غير ذلك،(<!--) أما ملكية البشر فهي ملكية استخلاف مشتقة من تفويض الله تعالى للإنسان بخلافته على الأرض وإطلاق يده في هذا الوجود تنعُّماً واستهلاكاً لكفاية ذاته وإحرازاً لوجوده،(<!--) وينقسم الاستخلاف إلى قسمين هما:
<!--استخلاف عام: للبشر كلهم في الأرض بدأ منذ أن هبط آدم عليه السلام وزوجته إلى الأرض، وهو ليس خاصاً بفئة دون أخرى. فالأصل اشتراك البشر جميعاً في الانتفاع بما أوجد الله في الأرض من خيرات وطيبات، فهم على حدٍ سواء فيها، إلا إذا كان هناك استخلاف خاص سواء للدول أو الأفراد.(<!--)
<!--استخلاف خاص: وهو أن تستقل أمة من الأمم أو فرد من الأفراد في ملكية شيء من الأشياء، بأن تستقل أمة من الأمم بإقليم من الأرض تُحَكِمْ فيه نفسها ويكون لها سلطان يحمي مصالحها ويدبر شئونها، وهذا النوع من الاستخلاف قائم على الاستخلاف العام. أما استخلاف الأفراد فهو استقلال الفرد في ملكية ما تحت يده من الأموال سواء كانت أموال ثابتة أو منقولة، فهو مستخلف فيها استخلافاً خاصاً، ومصدر هذا النوع من الاستخلاف يرجع إلى أحد أمرين هما:
<!--الاستخلاف العام: وذلك في حالة كون مصدر ملكية الفرد لهذا الشيء مباشراً من الموارد غير المستغلة المملوكة للمجتمع ملكية استخلاف كإحراز بعض المباحات والصيد، أو من إنتاج الفرد نفسه عن طريق استعماله وتفعيله لبعض المواد في الأرض كالزراعة والصناعة ونحوهما، فالأفراد وفقاً لمبدأ الاستخلاف العام قد جعل الله لهم سلطاناً مباشراً على ما في الأرض من خيرات وطيبات، ومكَّن لهم الانتفاع منها بما أعطاهم ووهبهم من القوى العقلية والجسمية.
<!--الاستخلاف الخاص: وذلك إذا كان مصدر ملكية الفرد للشيء من مالك سابق عليه كالإرث أو الوصية أو من عقد يترتب عليه انتقال الملكية، فيكون حل محل المستخلف السابق عليه فيما استُخلِف فيه.(<!--)
<!--الملكية الخاصة: هي نوع من الملكية الثابتة والمستقرة وفقاً لمبدأ الإستخلاف، وتعنى اختصاص المالك (أفراد أو مؤسسات) بما يقع تحت يده من الموارد الاقتصادية التي يجوز ملكها وتملكها، وثبوت حق الاستعمال والاستغلال والتصرف له في الأشياء المملوكة، بشرط الحصول عليها بطرق مشروعة، واستخدمها وفقاً لمراد المالك الأصلي لها وهو الله تعالى، وعدم وجود مانع شرعي يحول بين صاحب هذا الحق والتمتع بهذه الحقوق كالجنون والسفه.
والمال بطبيعته قابل للتملك، وقد يوجد ما يجعله غير قابل لذلك أحيانًا مثل: الأشياء التي لا يجوز تملكها أو تمليكها بأي حال من الأحوال كالأشياء التي خصصت للمصلحة العامة والنفع العام؛ كالطرق العامة، والحصون، والأنهار، ونحوها، فإذا زالت عنها صفة التخصيص عادت لحالتها الأصلية وأمكن تملكها.(<!--) وما لا يقبل التملك إلا بمسوغ شرعي؛ كالأموال الموقوفة، وأملاك بيت المال، وأموال الدولة، فكل ذلك لا يجوز بيعه ولا هبته إلا لمصلحة راجحة اقتضت ذلك.(<!--) وتتميز الملكية الخاصة في الإسلام بمجموعة من الخصائص من أهمها:
<!--الملكية الخاصة في الإسلام ملكية ثابتة ومستقرة ولا يجوز إلغاؤها أو التعدي عليها دون سند شرعي أو قانوني لتحقيق مصلحة عامة راجحة، حيث أن إقرار الملكية الخاصة أمر معلوم من الدين بالضرورة، ومترتب عليه العديد من التكاليف والنفقات والعقود الشرعية.(<!--)
<!--الملكية الخاصة حق كامل يشتمل على جميع الأعيان والحقوق والمنافع والمزايا التي تمنحها الشريعة لصاحبها: فهي تمكِّن صاحبها من التصرف فيما يمتلكه كيف ما يشاء وعلى أي نحوٍ يريده سواء كان بيعاً أو شراءً أو هبةً أو غير ذلك، ما لم يكن تصرفه ممنوعاً شرعاً كالإضرار بالغير أو الإنفاق على محرم.(<!--)
<!--أنه لا يوجد حد أو سقف معين لما يتملكه الإنسان ملكية خاصة في الإسلام: مادام يتملكه من خلال الوسائل المشروعة وفقاً للشريعة الإسلامية.
<!--الملكية الخاصة في الإسلام حقاً دائماً لصاحبهاً: لا تزول عنه بحال من الأحوال إلا برضاه ما لم يكن هناك مصلحة راجحة معتبرة شرعاً، كشفعة أو نزع الملكية للمصلحة العامة.
<!--الملكية الخاصة في الإسلام تعمل على تحقيق النمو الاقتصادي، حيث تدفع صاحبها إلى تنمية أمواله حرصاً على عدم تآكلها بفعل الزكاة على الأموال المكتنزة، ودون خوف أو حذر من مصادرة أمواله، أو غير ذلك.
هذا ويتم اكتساب الملكية الخاصة إما عن طريق الاستفادة من الاستخلاف العام؛ كإحراز المباحات والصيد، وإحياء الموات، والانتفاع بما أوجد الله في الأرض من خيرات وطيبات. أو الاستخلاف الخاص؛ بالحصول على ملكية الشيء من ملك سابق عليه كالإرث أو الوصية أو من عقد يترتب عليه انتقال الملكية من شخص إلى أخر.
وتجدر الإشارة إلى أنه ليس لولي الأمر أن يمنع التملك عن طريق إحياء الموات لأن الأرض الموات (غير المستغلة) ليست ملكاً لبيت المال، وإن كانت بحكم الولاية العامة في وضع يده، مما يستوجب إذنه منعاً للتزاحم، كما أن ولى الأمر إن منع الإحياء أو اشترط ثمناً للأرض الموات فإنه يعد بذلك معطلاً لأحكام الشريعة الإسلامية.(<!--)
هذا وتكمن أهمية إقرار الملكية الخاصة في الإسلام في تحقيق ما يلي:
<!--تحقيق حاجة الإنسان، وما تتطلبه الحياة الكريمة: حيث يعمل الإقرار بالملكية الخاصة وما يصاحبها من غريزة حب التملك على تحفيز الإنسان ودفعه في اتجاه العمل والإنتاج وطلب الرزق من أجل توفير احتياجاته الأساسية وما تتطلبه الحياة الكريمة.
<!--[if !suppo-->