بقلم د.علاء بسيوني
نحاول من خلال هذه الفقرة التعرف على بعض تطبيقات هذه الأمور كما حدثت عبر مسيرة الحضارة الإسلامية، ومنها:
التطبيق الأول: أنتم أعلم بأمر دنياكم:
وهي واقعة حدثت في عصر سيدنا رسول الله عندما (مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ، فَقَالَ، لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ، قَالَ: فَخَرَجَ شِيصًا، فَمَرَّ بِهِمْ، فَقَالَ: مَا لِنَخْلِكُمْ، قَالُوا: قُلْتَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ)(<!--) ومن هذا التطبيق نحصل على النتائج التالية:
<!--أساليب الإنتاج الفنية ليست موضع تشريع: ونؤسس على ذلك نتيجة أخرى هي أن تطبيق الاقتصاد الإسلامي لا يعوق التطور الفني في الإنتاج، بل إنه يسع كل التقنيات الحديثة.
<!--إعمال كل ما جاء به الإسلام بشأن العلم وتطبيقاته: يجعلنا نطور النتيجة السابقة بحيث تصبح على النحو التالي: الاقتصاد الإسلامي يشجع التطور الفني ويحفزه ويدفعه إلى الأمام. عندما نُعْمِل ما جاء به الإسلام من آداب تتعلق بالجانب الفني في الإنتاج وبالسلوكيات المرتبطة به فإننا نستطيع الوصول إلى النتيجة التالية: تطبيق الاقتصاد الإسلامي يرشد التطور والتقدم ويجعله في تلاؤم مع مصلحة المجتمع.
يستنتج من ذلك: أن الاقتصاد الإسلامي ومع اعتماده الشريعة ضمن مصادره يتمتع بخاصية استيعاب التطور الفني في أساليب الإنتاج وتطويره وترشيده.
التطبيق الثاني: استحداث نظام الدواوين في الدولة الإسلامية:
ففي عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه اتسعت الدولة الإسلامية اتساعاً كبيراً، حيث فتحت بلاد فارس وبلاد أخرى غيرها كثيرة، وقد استلزم ذلك أن يتطور الجهاز الإداري للدولة، فأشار بعض الصحابة على الخليفة عمر بن الخطاب بإنشاء الدواوين، وهو نظام كان معمولاً به في الإمبراطورية الفارسية، وقد استجاب الخليفة عمر بن الخطاب لذلك وبدأ تطبيق نظام الدواوين في عصره بديوانين هما: ديوان الجند ، وديوان الخراج، وقد تطور هذا النظام تطوراً إيجاباً في ظل الحضارة الإسلامية ووصل عدد الدواوين في عصر الخلافة الأموية إلى أربعة، وفي عصر الخلافة العباسية إلى عشرة دواوين رئيسه وبجانبها دواوين فرعية أخرى شملت كل الحاجات المؤسسية لإدارة مالية الدولة.
ومن هذا التطبيق يستنتج أن الاقتصاد الإسلامي يستوعب كل تطور في المؤسسات التي يدار الاقتصاد من خلالها، بل إنه مع تطبيق الاقتصاد الإسلامي فإنه لا يوجد حظر على الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى في المجال المؤسسي. ويضاف إلى ذلك أن التجربة التاريخية أثبتت أن المسلمين عندما استفادوا من تجارب الأمم الأخرى في هذا المجال فإنهم أضافوا إلى ذلك إضافات عميقة، حيث طوروا هذا الجانب المؤسسي وجعلوه وعاءً إدارياً ملائماً لاستيعاب تطور المجتمع على وجه العموم، وتطور الواقع أو الحياة الاقتصادية على وجه الخصوص.
والنتيجة العامة لهذا التطبيق: هي أن الاقتصاد الإسلامي ومع اعتماده الشريعة ضمن مصادره يتمتع بخاصية استيعاب التطور في مجال المؤسسات وتطويرها.
التطبيق الثالث: قيام مؤسسات تؤدي وظائف استحدثها التطور الحضاري:
وهذا التطبيق يتعلق أيضاً بالجانب المؤسسي، ولكن في القطاع الخاص الذي يمتلكه ويديره الأفراد. فقد أثبتت الدراسات أنه في ظل الحضارة الإسلامية قامت مؤسسات تؤدي وظائف استحدثها التطور الحضاري ومن هذه المؤسسات: الصرافون، والتجار أصحاب المصارف، وهي مؤسسات قامت بدور هام في تسهيل التبادل التجاري والتطور الحضاري، انتشرت في العالم الإسلامي كله، ولم تقتصر وظائفها على داخل العالم الإسلامي وإنما امتدت هذه الوظائف بحيث تشمل العلاقات الاقتصادية التجارية بين التجار في العالم الإسلامي وبلاد أخرى في غير العالم الإسلامي، وكان من هذه الوظائف ما يقوم به الوكلاء التجاريون، وبلغ من تقدم هذه المؤسسات ووظيفة الائتمان التي تقدمها، ما يقال إن أول شيك ظهر في التاريخ جرى سحبه على يد صراف في بغداد في منتصف القرن الرابع الهجري، وإن الذي قام بسحبه هو سيف الدولة الحمداني أمير حلب الذي جاء زائراً إلى بغداد وأنه ذهب إلى دار بني خاقان فخدموه من دون أن يعرفوه، ولما هَّم بالانصراف كتب لهم رقعة (صك) وهذه الرقعة موجهة إلى صيرفي في بغداد بألف دينار، وعندما عرضوا هذه الرقعة على الصيرفي أعطاهم الدنانير في الحال فسألوه عن الرجل فقال سيف الدولة الحمداني.
يستنتج من ذلك: أن الاقتصاد الإسلامي قادر على استيعاب التطور في المؤسسات التي يدار بها الاقتصاد، كما أن الممارسات الاقتصادية للمسلمين أفرزت بعض المؤسسات والمعاملات التي لم تكن معروفة من قبل.
<!--[endif]-->
<!--)) مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، صحيح مسلم، مرجع سابق، رقم الحديث 2363. (شيصاً: تمر لم يتم نضجه لسوء تأبيره أو لفسادٍ آخَرَ. ويقال شيصت النخلة: فسدت وحملت تمرا رديئاً.